الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
168 - باب في صُلْح العَدُوِّ
2765 -
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبيْدٍ أَنَّ محَمَّدَ بْنَ ثَوْرٍ حَدَّثَهُمْ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنِ الِمسْوَرِ بْنِ مخْرَمَةَ قال: خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الحُديْبِيَةِ في بِضْعَ عَشَرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحابِهِ حَتَّى إِذا كانُوا بِذي الحُليْفَةِ قَلَّدَ الهَدى وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ. وَساؤَا الَحدِيثَ قال: وَسارَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذا كانَ بِالثَّنِيَّةِ التي يُهْبَطُ عَليْهِمْ مِنْها بَرَكَتْ بِهِ راحِلَتُهُ، فَقالَ النّاسُ: حَلْ حَلْ خَلأتَ القَصْواءُ. مَرَّتيْنِ، فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ما خَلأتْ وَما ذَلِكَ لَها بِخُلُقٍ، ولكن حَبَسَها حابِسُ الفِيلِ". ثمَّ قالَ: "والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لا يَسْأَلُوني اليَوْمَ خُطَّةً يُعَظِّمُونَ بِها حُرُماتِ اللهِ إِلَّا أَعْطيْتُهُمْ إِيَّاها".
ثُمَّ زَجَرَها فَوَثَبَتْ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الُحديْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الماءِ، فَجاءَهُ بُديْلُ بْنُ وَرْقاءَ الخُزاعيُّ، ثُمَّ أَتاهُ - يَعْني عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ - فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَكُلَّما كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قائِمٌ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ السّيْفُ وَعَليْهِ الِمغْفَرُ فَضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السّيْفِ وقالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَتِهِ. فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقال: مَنْ هذا؟ قالُوا: المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَقال: أي غدَرُ أَوَلَسْتُ أَسْعَى في غَدْرَتِكَ. وَكانَ المُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا في الجاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوالَهُمْ ثمَّ جاءَ فَأَسْلَمَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمّا الإِسْلامُ فَقَدْ قَبِلْنا، وَأَمّا المالُ فَإِنَّهُ مالُ غَدْرٍ لا حاجَةَ لَنا فِيهِ". فَذَكَرَ الَحدِيثَ، فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اكتُبْ: هذا ما قاضَى عَليْهِ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ".
وَقَصَّ الَخبَرَ فَقالَ سُهيلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لا يَأْتِيكَ مِنّا رَجُلٌ وِإنْ كانَ عَلَى دِينِكَ إِلا رَدَدْتَه إِليْنا. فَلَمّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الكِتابِ قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِهِ: "قُومُوا فانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا". ثُمَّ جاءَ نِسْوَة مُؤْمِناتٌ مُهاجِراتٌ الآيَةَ فَنَهاهُمُ اللهُ أَنْ يَرُدُّوهُنَّ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الصَّداقَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلى الَمدِينَةِ فَجاءَه أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُريْشٍ - يَعْني فَأَرْسَلُوا في طَلَبِهِ - فَدَفَعَهُ إِلى الرَّجُليْنِ فَخَرَجا بِهِ، حَتَّى إِذا بَلَغا ذا الحُليْفَةِ نَزَلُوا
يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقالَ أَبُو بَصِيرٍ لأَحَدِ الرَّجُليْنِ: والله إِنّي لأرَى سيْفَكَ هذا يا فُلانُ جيِّدَا. فاسْتَلَّهُ الآخَرُ فَقالَ: أَجَلْ قَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، فَقالَ أَبُو بَصِيرِ: أَرِني أنْظُرْ إِليْهِ. فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى الَمدِينَةَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ يَعْدُو فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ رَأى هذا ذُعْرًا". فَقالَ: قَدْ قُتِلَ والله صاحِبي وَإنِّي لَمَقْتُولٌ. فَجاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقال: قَدْ أَوْفَى الله ذِمَّتَكَ فَقَدْ رَدَدْتَني إِليْهِمْ ثمَّ نَجّاني الله مِنْهُمْ. فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ويْلَ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كانَ لَهُ أَحَدٌ". فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سيَرُدُّهُ إِليْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ البَحْرِ، ويَنْفَلِت أَبُو جَنْدَلٍ فَلَحِقَ بِأَبي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصابَةٌ (1).
2766 -
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حدثنا ابن إِدْرِيسَ، قالَ: سَمِعْتُ ابن إِسْحاقَ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبيْرِ، عَنِ الِمسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ أَنَّهُمُ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَن فِيهِنَّ النّاسُ وَعَلَى أَنَّ بيْنَنا عيْبَةً مَكْفُوفَةَ وَأَنَّه لا إِسْلالَ وَلا إِغْلالَ (2).
2767 -
حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفيليُّ، حدثنا عِيسَى بْن يُونُسَ، حدثنا الأوزاعيُّ، عَنْ حَسّانَ بْنِ عَطَيَّةَ قال: مالَ مَكْحُولٌ وابْن أَبي زَكَرِّياءَ إِلى خالِدِ بْنِ مَعْدانَ وَمِلْتُ مَعَهُما فَحَدَّثَنا عَنْ جُبيْرِ بْنِ نُفيرٍ قال: قال جُبيْرٌ: انْطَلِقْ بِنا إِلى ذي مِخْبَرٍ - رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَتيْناهُ فَسَأَلَهُ جُبيْرٌ، عَنِ الهُدْنَةِ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "سَتُصالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوّا مِنْ وَرائِكُمْ"(3).
* * *
(1) رواه البخاري (2731، 2732).
(2)
رواه أحمد 4/ 323، والبيهقي 9/ 221.
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(2471).
(3)
رواه ابن ماجه (4089)، وأحمد 4/ 91.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2472).
باب صلح العدو
[2765]
(حدثنا محمد بن عبيد) بضم العين مصغر، ابن حساب الغبري (أن محمد بن ثور) الصنعاني العابد (حدثهم عن الزهري، عن عروة بن الزبير) الفقيه صائم الدهر، ومات وهو صائم (عن المسور بن مخرمة) رضي الله عنه ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه.
(قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحُديبية) بتخفيف الياء الثانية (في بِضعَ عشْرةَ مائة) قال ابن مغلطاي وغيره (1): كان خروجه في هلال ذي القعدة، وكانوا في ألف وأربعمائة (من أصحابه) الذين يقاتلون (حتى إذا كانوا بذي الحليفة) وهي ميقات أهل المدينة (قلد الهدي) التي معه في أعناقها. والهدي: ما يهدى إلى الحرم من حيوان وغيره، والمراد هنا ما يجزئ في الأضحية (وأشعَر) بعلامة يعرف بها [(وأحرم بالعمرة)](2) هذا معارض لحديث عائشة المذكور في الحج وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، وموافق لحديث ابن عباس في الحج أيضًا، وساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج (وساق الحديث) المذكور كما تقدم، والله أعلم.
(قال: وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية) وهي الطريق في الجبل (التي يُهبط) بضم أوله وفتح ثالثه (عليهم منها بَرَكت) بفتح الباء والراء (به راحلته) القصوى (فقال الناس: حَل حَلْ) بفتح الحاء المهملة
(1) انظر: "عيون الأثر" 2/ 113.
(2)
ساقط من (ل).
وسكون اللام فيهما، وهو زجر للناقة إذا حملها على السير، يقال لها:(حل) ساكنة اللام فإذا كررت وقلت: (حل حل) كسرت اللام الأولى منونًا، وسكنت اللام الثانية كقولك: بخ بخ، وصه صه (1). (خَلأتِ) بفتح الخاء المعجمة وهمزة قبل التاء (2). والخلأ في الإبل كالحران في الخيل (القصواء) الناقة التي قطع طرف أذنها، ولم تكن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وإنما كان لقبًا لها، وقيل كذلك.
(مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت وما ذاك لها بخُلُق) بضم الخاء واللام، أي: عادة سبقت.
(ولكن حَبَسَها حابس الفيل) أي: الذي حبس الفيل عن دخول مكة، قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} (3).
ووجهه أنه لو دخل صلى الله عليه وسلم عامئذٍ لم يؤمن وقوع قتال كبير، وقد سبق في العلم القديم إسلام جماعة منهم؛ فحبس عن ذلك كما حبس الفيل؛ إذ لو دخل أصحاب الفيل مكة قتلوا خلقًا كثيرًا، وقد سبق العلم بإيمان قوم، فلم يكن للفيل عليهم سبيل فمنع سببه، كذا قالوا (4).
ويمكن أن يقال أنه صلى الله عليه وسلم كان خرج إليهم على أنهم إن صدوه عن البيت قاتلهم فصدوه وبركت الناقة، فعلم أنه أمر من الله، فقاضاهم على اعتمار العام القابل.
(1) زيادة من (ل).
(2)
زيادة من (ل).
(3)
الفيل: 1.
(4)
انظر: "كشف المشكل" لابن الجوزي 4/ 52.
وقصته أن أبرهة جاء على الفيل بعسكره يقصد هدم الكعبة واستباحة الحرم، فلما وصل إلى ذي المجاز امتنع الفيل من التوجه إلى مكة، ولم يمتنع من غيرها، ولعل القصواء كانت كذلك.
(ثم قال: والذي نفسي بيده (1) لا يسألوني اليوم خطة) بضم الخاء المعجمة، الخصلة الجميلة أو الأمر العظيم كأنه يستحق أن يخط في الدفاتر.
(يُعظمون) بضم المثناة تحت (2)(فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) وإن كان في ذلك احتمال مشقة، فيه إشارة للجنوح إلى المصالحة وترك القتال في الحرم ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم إذا رأى لذلك الإمام وجهًا.
(ثم زجرها فوثبت) به (فعدل عنهم) أي: عن طريقهم (حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَد) بفتح المثلثة والميم، هو الماء القليل الذي لا مادة له، وما بعده على سبيل التفسير له (قليلِ الماء) أزاد البخاري] (3):"يتبرضه الناس تبرضًا"(4) بالضاد المعجمة، أي: يأخذون منه قليلًا قليلًا، وفيه (فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فجاءه).
(1) ورد بعدها في الأصول: نسخة: والذي نفس محمد بيده.
(2)
بعدها في (ر): يعظمون.
(3)
ساقطة من (ر).
(4)
"صحيح البخاري"(2732).
رواية البخاري: فبينما هم كذلك إذ جاء (1)(بُديل) بضم الباء الموحدة وفتح المهملة وسكون التحتية (2)(ابن ورقاء) مؤنث الأورق (الخزاعي) في نفر من قومه من خزاعة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا على أعداد مياه الحديبية ومعهم العُوذُ المطَافِيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا شجئنا معتمرين وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي" فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشًا وقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود: فقال: ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: ألست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: هذا قد عرض لكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه. قالوا: ائته، فأتاه (3).
(ثم أتاه عروة، يعني: ابن مسعود) الثقفي، وقد أسلم بعد ذلك ورجع إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام، فقتلوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مثل ياسين في قومه"(4).
(فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما كلمه) كلمة (أخذ بلحيته) أي: بلحية
(1)"صحيح البخاري"(2731 - 2732).
(2)
في (ل): التحتانية.
(3)
هذا من رواية البخاري (2731 - 2732).
(4)
رواه أبو يعلى في "مسنده" 3/ 173 (1598).
النبي صلى الله عليه وسلم[عادة للعرب يستعملونها.
(والمغيرة بن شعبة قائم على) رأس (النبي صلى الله عليه وسلم] (1) ومعه السيف وعليه المِغْفر) بكسر الميم، وهو: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة، وفي قيام المغيرة على رأسه بالسيف استحباب الفخر والخيلاء في الحرب لإرهاب العدو، وليس بداخل في ذمه من أحب أن يمثل له الناس قيامًا. رواية البخاري: فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم (فضرب يده بنعل السيف) قال الجوهري: هو ما يكون في أسفل جفن السيف من حديدة أو فضة (2).
(وقال: أخر يدك عن لحيته) ووضع اليد على اللحية كان عادة للعرب يستعملونها كثيرًا، وأكثر من يستعملها أهل اليمن، ويقصدون بذلك الملاطفة، وإنما منعه من ذلك المغيرة تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم إذ كان إنما يفعل ذلك الرجل بنظيره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعه من ذلك تألفًا له واستمالة لقلبه (فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ ) وما رفع رأسه إلا أنه كان جالسًا، وفيه تألف الرسول بالجلوس مع الأمير (فقالوا) أي قال بعضهم هو (المغيرة بن شعبة) ولم يقولوا: عز الدين، ولا بدر الدين (فقال: أي) يا (غُدَرُ) بضم الغين المعجمة وفتح الدال وبالراء بلا تنوين، ووزنه فعل وهو من أبنية المبالغة، فوصفه بالغدر منقول من غادر مثل عمر منقول من عامر (أوَ لستُ أسعى في غدرتك) في غدرتك ببذل المال وغيره لأرفع عني شر جنايتك وأتبرأ منها؛ لأن
(1) زيادة من (ل).
(2)
"الصحاح في اللغة" 5/ 110.
بينهما قرابة، واستمر أقاربه بعده في دار الكفر، والغدرة بالفتح الفعلة وبالكسر أسم لما فعل من الغدر (وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم) عام الخندق وقدم مهاجرًا، وقيل: أول مشاهده الحديبية.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فقد قبلنا) منك ومن كل من جاء مسلمًا (وأما المال فإنه مال غَدر) فإن كان الإنسان مصاحبًا لقوم وقد أمن كل واحد منهم صاحبه فسفك الدماء وأخذ الأموال عند ذلك غدر، والغدر بالكفار وغيرهم محظور، وإذا كانت أموالهم ثم (1) مغنومة عند القهر فلا يحل أخذها عند الأمن (لا حاجة لنا فيه) أي: في أخذه؛ لأنه علم أن أصله غصب، وفيه دليل على أن الحربي إذا أتلف مال الحربي ثم أسلم ضمنه ولزمه أن يرد إليه المثل إن كان مثليًّا وإلا قيمته، وهو أحد الوجهين لأصحابنا (2)(3).
(فذكر الحديث) الذي رواه البخاري وغيره، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب محمد بعينيه، فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: إنه قد (4)
(1) أقحم بعدها في (ر): ثم.
(2)
ساقط من (ر).
(3)
انظر: "نهاية المطلب" 17/ 528، "الوسيط" 7/ 29، "الروضة" 10/ 257.
(4)
ساقط من (ر).
عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. ثم جاء سهيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد سهل لكم من أمركم"، فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات (1) اكتب بيننا وبينكم كتابًا. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب (فقال: اكتب)"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، ثم قال:(هذا ما قاضى عليه رسول الله) فقال سهيل: والله، لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله. فقال: "اكتب محمد بن عبد الله"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به"، فقال سهيل: لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذاك من العام المقبل.
(فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا) وفي رواية: علينا. قوله: (رجل) يدل على أن المقاضاة إنما انعقدت على الرجال دون النساء، وليس فيها نسخ حكم النساء على هذِه الرواية، وأن النساء يردهن النبي صلى الله عليه وسلم كما رد الرجال، إلا من أجل أن الشرط إنما وقع على الرجال خاصة، ثم نزلت الآية في أمر النساء حين هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم متممة لما تقدم من حكم برد ذلك (2).
(فلما فرغ من قضية الكتاب) بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة ثم مثناة تحت، أي: من كتابته وما وقع في أثنائه (قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا) يدل على قيام من ينحر هديًا أو غيره، وأن نحر الإبل أفضل من ذبحها (ثم احلقوا) شعر رؤوسكم أو قصروا
(1) ساقط من (ر).
(2)
انظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 8/ 130، و"فتح الباري" 9/ 419.
منها، زاد البخاري: فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج إليهم (1) ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى (2) فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا.
(ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات) من أهل مكة، فأول امرأة هاجرت بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة بالحديبية أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط (الآية) إلى آخرها (فنهاهم الله) تعالى بقوله:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ} (3)(أن يردوهن) إلى الكفار (فأمرهم) بقوله: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} (4)(أن يردوا) أي: يعطوا الكافر (الصداق) وهو ما أنفق على زوجته إذا أسلمت، فلا يجمع على زوجها خسران الزوجية والمالية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا امتحنهن أعطى أزواجهن مهورهن، قال قتادة: الحكم في رد الصداق إنما كان في نساء أهل العهد، فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يرد عليه الصداق، والأمر كما قال قتادة (5).
(ثم رجع إلى المدينة فجاءه أبو بصير) بفتح الباء الموحدة، عبيد،
(1) زيادة من (ل).
(2)
ساقطة من (ر).
(3)
الممتحنة: 10.
(4)
الممتحنة: 10.
(5)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 18/ 65.
بضم العين، وقيل: عتبة بن أَسِيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة القرشي (رجل) بالرفع بدل مما قبله (من قريش) زاد البخاري: وهو مسلم (يعني) نقله من كلام أبي داود مبين أنه لم يسمعه من راوي الحديث (فأرسلوا في طلبه) رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا (فدفعه إلى الرجلين) أي: رجلًا من بني عامر بن لؤي، ومعه مولى لهم (فخرجا به حتى إذ بلغا ذا الحليفة) جلس أبو بصير إلى جدار وجلس معه صاحباه (نزلوا يأكلون من تمر لهم) كان معهم.
(فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى) بضم الهمزة وفتحها (سيفك هذا يا فلان) أي: يا أخي بني عامر (جيدًا؟ ) قال: نعم، قال: أأنظر إليه؟ قال: إن شئت. (فاستله الآخر) لعله المولى (فقال: أجل) بإسكان اللام، أي: نعم، والقائل صاحب السيف (قد جربت به) ثم جربت به كثيرًا (1) (فقال أبو بصير: أرني انظر إليه، فأمكنه منه) أي: من أخذه، فأخذه فعلاه (فضربه) به (حتى بَرَد) بفتح الراء، أي: مات وهو كناية؛ لأن البرودة لازمة للموت.
وقَتْل أبي بصير لأحد الرسولين بعد أن أسلمه إليهما النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس عليه حراسة المشركين ممن يدفعه إليهم؛ لأن هذا لم يكن من شرطهم ولا طالب أولياء القتيل النبي صلى الله عليه وسلم بالقود من أبي بصير؛ لأن الحراسة ليست في الشرط.
(وفر الآخر) يعني: المولى سريعًا (حتى أتى المدينة) والنبي صلى الله عليه وسلم في
(1) في (ل)، (ر): كثير. والصواب ما أثبتناه.
المسجد (فدخل المسجد يعدو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد رأى هذا ذُعرًا) بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة، أي: فزعًا وخوفًا، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ويحك ما لك؟ "(فقال: قتل) بضم القاف وكسر التاء، أي: قتل (والله) صاحبكم (صاحبي وإني لمقتول) قال: فوالله فما برح (فجاء أبو بصير فقال) يا نبي الله، والله (قد أوفى الله ذمتك) يعني: أنك قد رددتني إليهم كما شرطت لهم فلا تردني الثانية (وقد رددتني إليهم) وأوفيت بشرطك (ثم نجاني الله منهم) وقد امتنعت بعون الله أن أفتن في ديني.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل) قال في "التنقيح": بضم اللام وكسرها (أمه) بضم الهمزة وكسرها قراءتان في السبع دعاء عليه وليس بمقصود، قال ابن مالك: أصله: ويل لأمه، فحذفت اللام فسقط التنوين للإضافة، وفي بعضها: ويلمه. بحذف الهمزة تخفيفًا وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: ويل لأمه، وويل من أسماء الأفعال بمعنى العجب، واللام المحذوفة متعلقة به، واستعمال التعجب هاهنا عبارة عن إقامة الحرب وسرعة النهوض لإنفاذها والمبالغة في مدحه، وليس المراد بالدعاء وقوعه في الهلكة، لكنه جرى مجرى عادة العرب واستعمالها نقل الألفاظ الموضوعة في بابها إلى [غير ذلك](1)، وأراد بهذا المدح له ولأمه لولادتها مثل في شجاعته دون الدعاء عليه بالويل الذي هو الهلكة، كما يقال: ثكلتك أمك، وتربت يداك، ونحوهما.
(مسعر) بكسر الميم بلفظ الآلة، وبضمها بصفة اسم الفاعل من
(1) في (ل): غيره، والمثبت من (ر).
الإسعار، أي: هو مسعر (حرب) يعني: موقدها في الحرب والنجدة، والمسعر عود تحرك به النار من خشب ونحوه، ويقال: مسعار مشتق من سعرت النار والحرب إذا أوقدتهما، يريد وصفه بالمبالغة.
قال القاضي: وهذا اللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم تعريضًا له بأن يرتصد لقطع الطريق عليهم، فعرف ذلك وفعل ما فعل، وعدم إنكاره صلى الله عليه وسلم على أبي بصير حين بلغه ما فعل دليل على عدم وجوب الرد عليه، على أنه يجوز أن يقال: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أولًا حصل وفاء العهد به؛ لأن رده على رسوله رد عليهم فليس في اللفظ ما يوجب التكرار، والله أعلم.
(لو كان له أحد) جواب (لو) محذوف يدل عليه السياق، أي: لو فرض له أحد ينصره وعلم منه أنه سيرده إليهم؛ إذ لا ناصر له (فلما سمع ذلك عرف) يعني (1)(أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى) الغيض من ناحية ذي المروة على (سيف) بكسر السين المهملة (البحر) أي: ساحله بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام، الإضافة للبيان لا للتمييز، وجعل يطلب غرة أهل مكة ويغتال من يطلبه منهم؛ لأن طالبه ناقض للأمان لكونه بغير حق، وهو لا يجوز له الرجوع إليهم، وقد صرح الأصحاب بأن الرجوع ليس بواجب عليه؛ فإن المراد بالرد المشروط تمكنهم منه كما صرح الماوردي (2) والقاضي حسين، وكذلك يفعل إذا شرطنا لهم رد من جاءنا منهم؛ لأنا (3) نرسله
(1) ساقطة من (ل).
(2)
"الحاوي" 14/ 271.
(3)
في (ل): لا أنا.
إليهم، ولا يبعد تسمية التخلية أبينه وبينهم ردًّا كما في رد الوديعة إلى صاحبها فإن المراد التخلية] (1) بين الوديعة وبين مالكها.
(وينفلت) بإسكان النون وفتح الفاء، أي: يتخلص (أبو جندل) اسمه العاص، وغلط جماعة فيه فقالوا: عبد الله. قال ابن الصلاح: إنما عبد الله أخوه. بفتح الجيم، ابن سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري، أسلم بمكة ومات في خلافة عمر بن الخطاب (فلحق بأبي بصير) [زاد البخاري: فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير] (2)(حتى اجتمعت منهم) أي: من المسلمين (عصابة) وزاد: فوالله ما يسمعون بعير خرجت من قريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم.
قال في "عيون الأثر": انفلت أبو جندل بن سهيل في سبعين راكبًا أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبي بصير، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة، وكان أبو بصير يصلي لأصحابه، فلما قدم عليه أبو جندل كان يؤمهم (3) انتهى.
ولما لحق أبو جندل بما معه من الجماعة بأبي بصير وآذوا المشركين رضي المشركون بحل هذا الشرط، وأن يكفيهم النبي صلى الله عليه وسلم نكايته ويكف عنهم أذاه.
[2766]
(حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي، قال:(أخبرنا) عبد الله (ابن إدريس) الكوفي أحد الأعلام (قال: سمعت) محمد
(1) ساقطة من (ر).
(2)
ساقطة من (ل).
(3)
"عيون الأثر" لابن سيد الناس 2/ 179.
(ابن إسحاق) بن يسار صاحب "المغازي"(عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: سنة اثنتين من الهجرة، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي نفى أباه إلى الطائف، فلم يزل بها حتى ولي عثمان، فرده إلى المدينة وقدمها هو وابنه.
(أنهم اصطلحوا) توضحه (1) رواية الإمام أحمد (2): هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله، وسهيل بن عمرو (على وضع الحرب) أي: على ترك القتال بينهم (عشر سنين يأمن فيهم) رواية أحمد: يأمن فيها (الناس) وأصله في الصحيحين في قصة الحديبية من غير ذكر المدة، قال البيهقي: المحفوظ أن المدة كانت عشر سنين كما رواه ابن إسحاق (3)، وروى في "الدلائل"(4) عن موسى بن عقبة وعروة في آخر الحديبية، وكان الصلح بينه وبين قريش سنتين، وقال: هو محمول على أن المدة قبل النقض وقعت هذا العدد، وهو صحيح، وأما أصل الصلح فكان على عشر سنين. قال: ورواه عاصم العمري عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أنها كانت أربع سنين، وعاصم ضعفه البخاري (5) وغيره، لكن صححه من طريق الحاكم، كما حكاه شيخنا ابن حجر (6).
وقد استدل بهذا على أنه إذا كان بالمسلمين ضعف وخوف جازت المهادنة عشر سنين.
(1) ساقطة من (ر).
(2)
"مسند أحمد" 4/ 323.
(3)
"دلائل النبوة" 4/ 162.
(4)
انظر السابق.
(5)
"التاريخ الكبير" 6/ 478 (3042).
(6)
"التلخيص الحبير" 4/ 237.
ووجه الدليل أنها كانت ولم يقوَ الإسلام بعد، ولا يجوز الزيادة عليها، ولكن أن النقض والحاجة باقية فيستأنف العقد، وعن صاحب "التقريب" وجه أنه يجوز الزيادة [بحسب الحاجة والمصلحة في ذلك الوقت، وروى البيهقي (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم](2) لما هادن قريشًا عام الحديبية دخل بنو خزاعة في عهده وبنو بكر في عهد قريش، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك نقضا للعهد، وسار إلى مكة وفتحها قبل تمام العشر، وهذا أحد الوجهين الذين ذكرهما الأصحاب أن هذا كان سبب إبطال العهد المذكور، وهو الأصح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على الهدنة (3) سنتين ثم أبطله لهذا.
والوجه الثاني: الإبطال لا لسبب، بل هو فسخ للزائد على الأشهر الأربعة، وعلى هذا فلا تجوز الزيادة على أربعة أشهر لا لحاجة ولا ضرورة.
(وعلى أن بيننا عيبةً) بالنصب، وهو بعين مهملة مفتوحة ثم ياء مثناة تحت (4) ثم باء موحدة، والعيبة هاهنا مثل ضربه لكل من سمعه. قال ابن الأعرابي في تفسيره: على أن بيننا وبينهم صدرًا نقيًّا من الغل والخداع والدغل مطويًّا على الوفاء بالصلح (5). ومعنى (مكفوفة) المسرجة المشدودة، والعرب تكني عن القلوب والصدور بالعياب التي يضع الإنسان فيها متاعه، ومنه:"الأنصار كرشي وعيبتي"(6) أي: موضع
(1)"معرفة السنن والآثار"(18675).
(2)
زيادة من (ل).
(3)
في (ل): المدينة.
(4)
زيادة من (ل).
(5)
انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 150، "لسان العرب" 1/ 634.
(6)
رواه البخاري (3799، 3801)، ومسلم (2510) من أنس بن مالك.
سري وأمانتي، وإذا كان هذا مع الكفار المعاهدين فبالأولى والأحرى أن تكون قلوب المسلمين بينهم على الصفاء المودة والتآلف ليشد بعضهم بعضًا.
(وأنه لا إسْلال) بإسكان السينِ المهملة من السَّلة بفتح السين، وهي: السرقة الخفية، ويقال: الخلة تورث السلة، والخَّلة بفتح الخاء المعجمة الحاجة.
قال الجوهري: وهذا الحديث يحتمل الرشوة والسرقة جميعًا (1). يقال: سل البعير وغيره في جوف الليل. إذا انتزعه من بين الإبل، وقيل: الإسلال الغارة الظاهرة. وقيل: سل السيوف.
(ولا إغلال) بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة، أي: لا خيانة، قال شريح: ليس على المستعير غير المغل ضمان (2). قال أبو عبيد (3): يقال من الخيانة: أغل يغل، ومن الحقد: غل يغِل بكسر الغين في المضارع. وقيل: الإغلال لبس الدروع.
[2767]
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق، أحد الأعلام في الحفظ والعبادة، كان يحج سنة ويغزو سنة (قال: أنبأنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أحد الأعلام (عن حسان بن عطية) المحاربي، قال الذهبي: ثقة عابد نبيل، لكنه قدري (4).
(قال: مال مكحول) أبو عبد الله الشامي (و) يحيى (ابن أبي زكريا)
(1)"الصحاح في اللغة" 5/ 9.
(2)
انظر: "شرح صحيح البخاري" 7/ 146.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 200.
(4)
"الكاشف" 1/ 217.
الغساني، روى عن التابعين (إلى) أبي عبد الله (خالد بن معدان) بفتح الميم، الكلاعي بفتح الكاف، الحمصي، لقي سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (وملت معهما) إليه (فحدثنا عن) أبي عبد الرحمن (جبير بن نفير) بضم النون وفتح الفاء، ابن مالك الحضرمي تابعي مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، من ثقات الشاميين.
(قال: قال جبير بن نفير: انطلق بنا إلى ذي مِخْبر) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة، ويقال: هو ذو مخمر بميم ثانية بدل الباء ابن أخي النجاشي على الصحيح، ويقال: ابن أخيه أحد خدام النبي صلى الله عليه وسلم، يعد في الشاميين (رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) وخدامه. (فأتيناه فسأله جبير) بن نفير (عن الهدنة) هو الاسم من المهادنة، وهي: الموادعة والمصالحة على ترك القتال، وأصله من الهدون وهو السكون (1).
(فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستصالحون الروم صلحًا آمنًا) ضبطه بعضهم بمد الهمزة وكسر الميم كما سيأتي [ويجوز بقصر الهمزة وسكون الميم مصدر (وتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم) سيأتي](2) هذا الحديث في كتاب الملاحم، وترجم عليه المصنف: باب ما يذكر من ملاحم الروم (3)، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
(1) انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 305.
(2)
زيادة من (ل).
(3)
حديث رقم (4292).