الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب في العِرافةِ
2933 -
حدثنا عَمْرٌو بْنُ عُثْمانَ، حدثنا محَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جابِرٍ، عَنْ صالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الِمقْدامِ، عَنْ جَدِّهِ الِمقْدامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِهِ، ثمَّ قالَ لَهُ:" أَفْلَحْتَ يا قُدَيْمُ إِنْ مُتَّ وَلَمْ يمُنْ أَمِيرًا وَلا كاتِبًا وَلا عَرِيفًا"(1).
2934 -
حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا بِشْرُ بْن المفَضَّلِ، حدثنا غالِبٌ القَطّان، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أنَهُمْ كانُوا عَلَى مَنْهَلٍ مِنَ المَناهِلِ فَلَمّا بَلَغَهُمُ الإِسْلامُ جَعَلَ صاحِبُ الماءِ لِقَوْمِهِ مِائَة مِنَ الإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا، وَقَسَمَ الإِبِلَ بَيْنَهُمْ وَبَدا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها مِنْهُمْ فَأَرْسَلَ ابنهُ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ لَهُ: ائْتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبي يُقْرِئكَ السَّلامَ وَإِنَّهُ جَعَلَ لِقَوْمِهِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا وَقَسَمَ الإِبِلَ بَيْنَهُمْ وَبَدا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها مِنْهُمْ، أَفهُوَ أَحَقُّ بِها أَمْ هُمْ فَإِنْ قالَ لَكَ: نَعَمْ أَوْ لا فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَهُوَ عَرِيفُ الماءِ، وَإِنَّهُ يَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ ليَ العِرافَةَ بَعْدَة. فَأَتاهُ فَقالَ: إِنَّ أَبي يُقْرِئُكَ السَّلامَ. فَقالَ: "وَعَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلامُ"، فَقالَ: إِنَّ أَنْ جَعَلَ لِقَوْمِهِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلامُهُمْ ثمَّ بَدا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها مِنْهُمْ أَفَهُوَ أَحَقُّ بِها أَمْ هُمْ فَقالَ: "إِنْ بَدا لَهُ أَنْ يُسْلِمَها لَهُمْ فَلْيُسْلِمْها وَإِنْ بَدا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَها فَهُوَ أَحَقُّ بِها مِنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَسْلَمُوا فَلَهُمْ إِسْلامُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قُوتِلُوا عَلَى الإِسْلامِ " .. فَقالَ: إِنَّ أَبي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَهُوَ عَرِيفُ الماءِ وَإِنَّهُ يَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ ليَ العِرافَةَ بَعْدَهُ. فَقالَ: "إِنَّ العِرافَةَ حَقٌّ وَلا بُدَّ لِلنّاسِ مِنَ العُرَفاءِ، ، ولكن العُرَفاءَ في النّارِ"(2).
(1) رواه أحمد 4/ 133، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 297، 300، والبيهقي 6/ 361. وأعله الحافظ الذهبي في "المهذب" 5/ 2541 (10443)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (509).
(2)
رواه البيهقي 6/ 361. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (510).
باب في العرافة
[2933]
(حدثنا عمرو بن عثمان) بن سعيد الحمصي، حافظ صدوق (1)(حدثنا محمد بن حرب) الأبرش الحمصي كاتب الزبيدي (2)(عن أبي سلمة سليمان بن سليم) الكناني الكلبي مولاهم الشامي، قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن أبي سلمة الحمصي فقال: ثقة (3)(عن يحيى بن جابر) القاضي وكان كاتبه، يعني: كان يحيى قاضي حمص وهو: طائي صدوق (4).
(عن صالح بن يحيى بن المقدام) الكندي الشامي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (5). قال المنذري: فيه كلام قريب لا يقدح (6)، وقال البخاري: فيه نظر (7). قال موسى بن هارون: لا يعرف صالح وأبوه إلا بجده (8). [وقال: يخطئ](9) وروى له النسائي وابن ماجه.
(1)"التقريب"(5073).
(2)
"التقريب"(5805).
(3)
"تهذيب الكمال" 11/ 441، "تعجيل المنفعة" 1/ 611.
(4)
"الكاشف" 2/ 363 (6143).
(5)
"الثقات" 6/ 459: ثم قال: يخطئ.
(6)
الذي في "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 4/ 195: صالح بن يحيى قال البخاري فيه نظر وقال موسى بن هارون الحافظ: لا يعرف صالح ولا أبوه إلا بجده.
(7)
"التاريخ الكبير" 4/ 293 (2870).
(8)
"سنن الدارقطني" 4/ 287، و"معرفة السنن" 14/ 95.
(9)
هذِه الجملة فيها خلل واضح؛ لأن سياقها هكذا يوهم أنها من كلام موسى بن هارون بينما هي من كلام ابن حبان حيث أورده في "الثقات" 6/ 459 ثم قال: يخطئ. وانظر: "تهذيب الكمال" 13/ 105، "تهذيب التهذيب" 4/ 357، =
(عن جده المقدام بن معدي كرب) بن عمرو الكندي أبي كريمة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه) ليكون أبلغ في وعيه لما أمره به من الموعظة وأجمع لفهمه، والمنكب مجتمع رأس العضد والكتف، وهو مما يعتمد عليه (ثم قال له: أفلحت يا قديم) بضم القاف وفتح الدال مصغر مقدام، وهذا تصغير ترخيم، وهو تصغير الاسم بتجريده من الزوائد، كما في تصغير محمود: حميد، وفيه دليل على جواز تصغير وترخيم الاسم في النداء إذا لم يكره ذلك المنادى ولم يتأذ بذلك، ومنه ما رواه الإمام أحمد (1) عن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسند فخذه إلى عثمان، وإني لأمسح العرق عن جبينه، وإن الوحي ينزل عليه وهو يقول:" اكتب عثيم .. " الحديث.
(إن مت ولم تكن أميرًا) وهو أصل عظيم في اجتناب الولايات لمن يخاف عليه عدم القيام بحقوقها، وأما من كان أهلًا للإمارة وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث:"إن المقسطين على منابر من نور"(2).
(ولا كاتبًا) فيه تحذير من الكتابة لما فيها، والكاتب إما أن يكتب على الجزية أو المواريث أو الأوقاف، أو على خراج المسلمين، أو على بياع من التجار ونحو ذلك، وهذا فيمن لا يقدر على الخلاص فيها.
="الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي 2/ 51، "الجوهر النقي" لابن التركماني 9/ 329.
(1)
في "المسند" 23/ 228 (26130).
(2)
أخرجه مسلم (1728).
(ولا عريفًا) العريف هو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم، وهو فعيل بمعنى فاعل، ويسمى العريف نقيبًا، وهو دون الرئيس، والعرافة عمله (1)، ومنه حديث:"العرافة حق"(2) أي: فيها مصلحة ورفق.
[2934]
(حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا غالب) بن أبي غيلان خطافا (3)(القطان) البصري (عن رجل، عن أبيه، عن جده: أنهم كانوا على منهل) بفتح الميم والهاء، كل ماءٍ يرده عابر الطريق وما كان على غير الطريق لا يدعى منهلًا ولكن يضاف إلى موضعه، أو إلى أمرٍ هو مختص به، فيقال: منهل بني فلان أي: شربهم أو موضع نهلهم (4). قال الجوهري: المنهل: المورد، وهو عين ماءٍ ترده الإبل في المراعي، وتسمى المنازل التي في المفاوز على طريق المسافرين (من المناهل) لأن فيها ماء (5).
(فلما بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء) المنهل، لعل المراد بصاحب الماء حافظه الذي يلي حبسه وإرساله ومصالح أمره، ومن ورود الصحبة بمعنى الحفظ حديث:"اللهم اصحبنا بصحبة"(6)،
(1) انظر: "شرح السنة" للبغوي 10/ 60، "مشارق الأنوار" 2/ 23، "شرح أبي داود" للعيني 6/ 269.
(2)
هو الحديث الذي يأتي بعد هذا.
(3)
بضم المعجمة وقيل بفتحها. "التقريب"(5346).
(4)
"النهاية" 5/ 289.
(5)
"الصحاح" 5/ 115.
(6)
أخرجه الحاكم 2/ 109، بلفظه، وأحمد 15/ 111، والترمذي (3438) بنحوه.
ومعناه: احفظنا بحفظك في سفرنا.
(لقومه مائة من الإبل) من ماله (على أن يسلموا) أي: يدخلوا في الإسلام (فأسلموا) جميعًا، فيه أنه يستحب لأمير القوم وكبيرهم ترغيبهم في الإسلام ويعدهم بإعطاء الأموال الجزيلة والصلات السنية من ماله أو من بيت مال المسلمين.
(وقسم الإبل) المائة (بينهم) على السوية بعد ذلك (وبدا) بسكون الألف دون همز أي: ظهر (له) رأى (أن) يأخذ الإبل و (يرتجعها) جميعها (منهم، فأرسل ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ائت النبي صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبي يقرئك) بضم أوله (السلام) يقول لك (وإنه) بكسر الهمزة قد (جعل لقومه مائة من الإبل) فيه: أن من كان له حاجة عند إنسان لسؤاله غير مسألة أو غيرها من الحوائج الأخروية والدنيوية، وأرسل إليه رسولًا أو كتب إليه رسالة يذكر حاجته فيها أن يبدأ للرسول وفي الكتابة بالسلام عليه، ثم يذكر بعدها ما أراد؛ فإن السلام قبل الكلام كما في الحديث (1).
(على أن يسلموا) فأعطاهم (فأسلموا، وقسم الإبل بينهم) فيه أن من أعطى جماعة مالا له أن يقسمه عليهم بل هو أولى كما في دافع الزكاة.
(وبدا له أن يرتجعها) منهم (أفهو أحق بها أم هم؟ ) أحق (فإن قال لك: نعم أو) قال لك (لا، فقل له: ) كلا الجوابين (إن أبي شيخ كبير) السن أو كبير القدر، وكلاهما فيه استعطاف وتحنن (وهو عريف الماء) أي: نقيب على الجماعة الذين يتصرفون في ماء المنهل الذي هم عليه، ويشبه أن
(1) أخرجه الترمذي (2699) من حديث جابر.
يكون هذا القول كالعذر له المانع من الوقوف عليه أنه ضعيف الحركة لكبره وهو مشغول بعرافة الماء ولا يقوم غيره مقامه.
(وإنه يسألك أن تجعل) فيه الانتقال من الخطاب إلى الخطاب، وهو المسمى عند أهل المعاني بالالتفات (لي العرافة) بكسر العين، وهي عمل الطريق كما تقدم (بعده، فأتاه فقال: إن أبي يقرئك السلام) ورحمته وبركاته (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعليك وعلى أبيك السلام) وإتيانه بفاء التعقيب في قوله: فقال يدل على أن جواب السلام يكون عقب سماع كلام الرسول، فإنه يجب اتصال الرد بالسلام على الفور، كاتصال القبول بالإيجاب، فإن أخره بطول سكوت أو فصل بكلام كثير لم يقض بعد ذلك؛ لأن له سببًا فلا يقضى.
قال أصحابنا: إذا بعث إنسان مع ابنه أو غيره سلامًا مشافهةً، أو في ورقة وجب الرد على الفور. وبعث السلام إلى من غاب سنة، ويلزم الرسول تبليغه، ويجب الرد على المُسَلِّمِ (1)، ويستحب الرد على الرسول أيضًا فيقول: وعليك وعليه السلام، كما في هذا الحديث:"وعليك وعلى أبيك السلام" كما في رواية النسائي (2) عن عائشة: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقرئ خديجة السلام. فقالت: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله.
(فقال: إن أبي جعل لقومه) عليه (مائة من الإبل على أن يسلموا، فأسلموا وحسن إسلامهم) أراد بحسن إسلامهم الإخلاص في الإسلام؛
(1) انظر: "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" 2/ 71.
(2)
في "الكبرى" 5/ 94 (8301).
لأنهم لما دخلوا فيه لأجل الإبل التي جعلت لهم لم يكن إسلامهم حسنا؛ لأنه كان للرغبة في الإبل التي هي أنفس أموالهم، فلما دخلوا فيه وذاقوا طعمه وجدوا حلاوته، فطاب وقتهم ورغبوا فيه، وأخلصوا العمل. والإخلاص شرط في الإيمان والإسلام معا، وذلك أن من تلفظ بكلمة الإسلام وجاء بالعمل من غير نية لم يكن إسلامه حسنًا. قال ابن الأثير (1): ولا كان إسلامهم صحيحًا.
(ثم بدا له أن يرتجعها منهم، أفهو أحق بها أم هم؟ ) أحق لأنهم لم يسلموا إلا على أخذها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن بدا له) أي: أراد (أن يسلمها لهم فليسلمها) لعله كان قسمها بينهم ولم يسلمها لهم، بل تركها عنده، أو ائتمن الراعي عليها أو غيره (وإن بدا له أن يرتجعها) فخيره بين الأمرين، لكن قدم تسليمها إليهم؛ لأنه الأفضل لمن خرج عن شيء لله تعالى لا يعود فيه.
(فهو أحق بها منهم) وفيه من الفقه أن من أعطى رجلًا مالًا على أن يفعل أمرًا هو لازم للآخذ مفروضًا عليه فعله ففعله فإن للمعطي ارتجاعه منه؛ لأن الإسلام كان فرضًا واجبًا عليهم فلم يجز لهم أن يأخذوا عليه جعلًا، وكذا فعل كل ما لا يتعدى نفعه فاعله من العبادات المختصة كالصيام وصلاة الإنسان لنفسه، وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه، فلا يجوز أخذ الجعالة والأجرة على شيء من هذا بلا خلاف؛ لأن المال المأخوذ عوضًا هو للانتفاع الحاصل للباذل، ولم يحصل لغير الفاعل هاهنا انتفاع، فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها.
(1) سقط من (ع).
وأما تزوج أبي طلحة أم سليم على إسلامه ونقل عنه جوازه، فيحتمل أنه زوجها له على غير صداق إكرامًا له لشرفه بصدق الإسلام، ولأن المهر ليس بعوض محض ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته.
(فإن هم أسلموا) أي: استمروا على إسلامهم (فلهم) نفع (إسلامهم) ولهم الأمان على أموالهم وذراريهم (وإن لم يسلموا قوتلوا) أي: قاتلهم الإمام كما قاتل أبو بكر أهل الردة بجماعة الصحابة، وقتل من قدر عليه منهم، وتبع مدبرهم، وأجاز على جريحهم، وصاروا دار حرب في اغتنام أموالهم وسبي ذراريهم (على) الرجوع إلى (الإسلام) أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
(فقال: إن أبي شيخ كبير، وهو عريف الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده) على الماء. ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن) عمل (العرافة حق) ليس بالباطل؛ لأن فيها مصلحة للناس ورفق بهم في أحوالهم وأمورهم لكثرة احتياجهم إليها ولمن يكون عارفًا بها وناصحًا فيها (ولا بد للناس) في انتظام أمورهم واجتماع كلمتهم (من العرفاء) عليهم (ولكن العرفاء في النار) قال في "النهاية": قاله تحذيرًا من التعرض للرياسة والحرص عليها لما في ذلك من الفتنة، وأنه إذا لم يقم بحقها أثم واستحق العقوبة (1). العاجلة والآجلة.
* * *
(1)"النهاية" 3/ 442.