الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
163 - باب في الإِمام يسْتَجَنُّ بِهِ في العُهُودِ
2757 -
حدثنا محَمَّدُ بْنُ الصَّبّاحِ البَزّازُ، قالَ: حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبي الزِّنادِ عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ قال: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما الإِمامُ جُنَّةٌ يُقاتَلُ بِهِ"(1).
2758 -
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرٌو، عَنْ ئكيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَليِّ بْنِ أَبي رافِعِ أَنَّ أَبا رافِعٍ أَخْبَرَهُ قال: بَعَثَتْني قُريْشٌ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمّا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُلْقيَ في قَلْبيَ الإسْلامُ، فَقلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنّي والله لا أَرْجِعُ إليْهِمْ أَبَدًا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنّي لا أَخِيسُ بِالعَهْدِ وَلا أَحْبِسُ البُرُدَ، ولكن ارْجِعْ فَإِنْ كانَ في نَفْسِكَ الذي في نَفْسِكَ الآنَ فارْجِعْ" قال: فَذَهَبْتُ ثُمَّ أَتيْت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمْتُ. قالَ بُكيْرٌ: وَأَخْبَرَني أَنَّ أَبا رافِعٍ كانَ قِبْطِيّا.
قالَ أَبُو داوُدَ: هذا كانَ في ذَلِكَ الزَّمانِ، فَأَمّا اليَوْمَ فَلا يَصْلُحُ (2).
* * *
باب يُستجنُّ بالإمام في العهود
أي: يستتر بالإمام في آرائه وفي نظره بالعهود الصادرة منه.
[2757]
(حدثنا محمد بن الصباح) أبو جعفر البغدادي (البزاز) بزاءين يعني: التاجر، ولا يختص ببائع القماش (قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد) عبد الله (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن
(1) رواه البخاري (2957).
(2)
رواه أحمد 6/ 8، والنسائي في "الكبرى"(8674).
وصححه الألباني في "الصحيحة"(702).
ابن هرمز (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الإمام جُنَّةٌ) أي: كالساتر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس ويخافون سطوته. والمجن والجنة والجان والجنة، بكسر الجيم، والجنة بفتحها، كلها راجع إلى معنى التستر والتوقي، يعني: أنه يتقي بنظره ورأيه وعهوده في الآراء العظام، ولا يتقدم على رأيه، ولا ينفرد دونه بأمر حتى يكون هو الذي يشرع فيه.
(يُقاتَلُ به) أي: يقاتل برأيه وإذنه فيكونون بين يديه، ولا يترك يباشر القتال بنفسه لما فيه [من تعرضه](1) للهلاك، فيهلك كل من معه، كما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وغيره؛ فإنه كان في القلب والمقاتلة أمامه.
[2758]
(حدثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري (قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) ثقة مأمون (2)(عن الحسن بن علي بن أبي رافع) هو ثقة (3).
(أن) جده (أبا رافع أخبره قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: جماعة من قريش رسولًا (فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أدخل الله في قلبي برؤيته النور، وانشرح صدري للإسلام، وانشرح في قلبي وبتكملته هداية الله، وهي أشبه شيء بالضوء إذا حصل للبصر و (ألقي في قلبي) حب (الإسلام) والإيمان لله ورسوله وكتابه، وكرهت الرجوع إلى كفار
(1) ساقطة من (ر).
(2)
انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 403.
(3)
انظر: "تقريب التهذيب"(1269).
قريش (فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدًا) عنى بالأبد: أبد حياته، كما قال تعالى:{مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} (1).
ويحتمل أن يكون المراد: لا أحب أن أرجع إليهم؛ فإن الإنسان إذا كره خصلة كره أهلها العاملين بها، وكره مخالطتهم، وعلامة صحة التوبة من المعصية أن يهجر من كان يعاشره في تلك المعصية.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أَخِيس) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة وإسكان المثناة تحت ثم سين مهملة (بالعهد) أي: لا أنقضه ولا أنكثه، أصله من قولك: خاس الشيء في الإناء إذا فسد. قال في "النهاية": خاس بعهده يخيس، وخاس بوعده أخلفه، خاس بعهده إذا نقضه. وأصله من خاس الشيء في الوعاء إذا فسد، ويقال: خاس بوعده إذا أخلفه (2). قال الجوهري: خاس به يخيس ويخوس، أي: غدر به، وخاس الطعام إذا فسد (3).
وفيه دليل على وجوب الوفاء بالشرط الصحيح مع المسلمين والكفار، وقوله عليه السلام:"المؤمنون عند شروطهم" كما أخرجه أبو داود (4) والترمذي (5)، زاد الترمذي: إلا "شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا".
والمعتاد في الشرط أن يقول": صالحناكم على أن (6) من جاءكم من
(1) الكهف: 35.
(2)
"النهاية في غريب الأثر" 2/ 190.
(3)
"الصحاح في اللغة" 3/ 64.
(4)
سيأتي في كتاب الأقضية (3594).
(5)
"سنن الترمذي"(1352)، وقال: حديث حسن صحيح.
(6)
ساقطة من (ر).
المسلمين رددتموه، ومن جاءنا منكم مسلمًا رددناه. ونقل الروياني عن النص أنه يفسد العقد بهذا الشرط (1).
(ولا أحبِس) بكسر الباء الموحدة (البُرُد) بضم الباء الموحدة والراء، جمع (2) بريد، ويجوز إسكانها، تقول: لا أحبس الرسل الواردين علي من الملوك وأطراف البلاد. واحدها بريد وهو الرسول، قال الرافعي: لا يقتل رسولهم، وقد جرت السنة أن لا تقتل الرسل أي: ولا تحبس عن الرجوع، ولا تمنع من دخول [دار الإسلام](3) لا دار الرسالة.
قال المنذري: يشبه أن يكون المعنى: إن الرسالة تقتضي جوابًا، والجواب لا يصل إلى المرسل إلا على لسان الرسول فصار كأنه عقد له العقد مدة مجيئه ورجوعه (4).
(ولكن ارجع) إليهم، فإن قيل: كيف أمره بالرجوع إليهم مع أنه أقسم أن لا يرجع إليهم؟
والجواب: يحتمل أنه لم يأمره بالكفارة؛ لأنها لا تجب عليه إلا بالرجوع وهو لم يرجع الآن، ويجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة (5)، وقد يستدل به من يقول: إن الكافر إذا أسلم وقد لزمته كفارة يمين أنها
(1) انظر: "روضة الطالبين" للنووي 10/ 346.
(2)
ساقطة من (ر).
(3)
في (ر): المسلمين، والمثبت من (ل).
(4)
هذا كلام الخطابي، وليس كلام المنذري، انظر:"معالم السنن" بهامش "مختصر المنذري" 4/ 63.
(5)
انظر: "البرهان" للجويني 1/ 42، "التلخيص" له أيضًا، 2/ 209، واستدل الإمام ابن العربي في "المحصول" 1/ 50 بأدلة أقواها: أن الله عز وجل فرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ثم لم يبينها إلا في صلاة الظهر عند الحاجة إليها.
.
تسقط بالإسلام؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، والصحيح لا تسقط (1).
(فإن كان في نفسك) يحتمل أن تكون كان هنا تامة، وهي التي يكتفى بمرفوعها، وهي تفيد التقدير للشيء، وتقدر بثبت، أي (2): فإن ثبت في نفسك بعد الرجوع (الذي) ثبت (في نفسك الآن) من الإسلام (فارجع) إلينا، فإنه خير. (قال: فذهبت) إليهم فبلغتهم الجواب (ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت) يحتمل أن المراد: أظهرت الإسلام وتلفظت به؛ فإن مجرد التصديق بالقلب لا يكفي، بل لابد من الإقرار باللسان؛ لأن القول مأمور به كالعقد؛ لقوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله"(4). فلابد من العقد والقول، وعلى هذا فالتلفظ شرط، لا ركن.
(قال بكير) بن الأشج: (فأخبرني) الحسن (أن أبا رافع كان قبطيًّا) القبط، بكسر القاف، نصارى مصر.
(قال أبو داود: هذا) يعني: رد من جاء من الكفار إلى دار الإسلام وأسلم أو أراد الإسلام إليهم (كان في ذلك الزمان) أي: زمن مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم قريشًا عام الحديبية (فأما اليوم) فقد أظهر الله دين الإسلام على الدين كله وأعزه (فلا يصلح) رد المسلم بعد أن شرطت إن أزد في المدة التي ماددتهم عليها أن أرد من جاءني منهم مسلمًا.
(1) انظر: "الوسيط" للغزالي 7/ 46، "روضة الطالبين" 10/ 293.
(2)
ساقطة من (ر).
(3)
البقرة: 136.
(4)
البخاري (25)، ومسلم (20).