المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب ما جاء فيما لا يجوز للموصي في ماله - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٢

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌158 - باب فِيمَنْ قال: الخُمُسُ قَبلَ النَّفلِ

- ‌159 - باب في السَّرِيَّةِ تَرُدُّ علَى أَهْل العَسْكَرِ

- ‌160 - باب في النَّفْلِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ ومِنْ أَوَّلِ مَغْنَمٍ

- ‌161 - باب في الإِمام يَسْتَأْثِرُ بِشَيء مِنَ الفَيء لِنفْسِهِ

- ‌162 - باب في الوَفاء بِالعَهْدِ

- ‌163 - باب في الإِمام يسْتَجَنُّ بِهِ في العُهُودِ

- ‌164 - باب في الإِمامِ يَكونُ بيْنَهُ وَبينَ العَدُوِّ عهْدٌ فيسِيرُ إليْهِ

- ‌165 - باب في الوَفاء لِلْمُعاهِدِ وَحُرْمَةِ ذِمَّتِهِ

- ‌166 - باب في الرُّسُلِ

- ‌167 - باب في أَمانِ المَرْأَةِ

- ‌168 - باب في صُلْح العَدُوِّ

- ‌169 - باب في العَدُوِّ يؤْتَى عَلَى غرَّةٍ ويُتَشَبَّه بِهِمْ

- ‌170 - باب في التَّكْبِيرِ عَلَى كلِّ شَرَفٍ في المَسِير

- ‌171 - باب في الإِذْنِ في القُفُولِ بَعْدَ النَّهْى

- ‌172 - باب في بَعْثةِ البُشَراءِ

- ‌173 - باب في إِعْطاءِ البَشيرِ

- ‌174 - باب في سُجُود الشُّكْرِ

- ‌175 - باب في الطُّرُوقِ

- ‌176 - باب في التَّلَقّي

- ‌177 - باب فِيما يُسْتَحَبُّ مِنْ إِنْفاذِ الزّادِ في الغَزْوِ إِذا قَفَلَ

- ‌178 - باب في الصَّلاةِ عِنْدَ القُدُومِ مِنَ السَّفَرِ

- ‌179 - باب في كِراءِ المَقاسِمِ

- ‌180 - باب في التِّجارَةِ في الغَزْوِ

- ‌181 - باب في حَمْلِ السِّلاحِ إِلى أَرْضِ العَدُوِّ

- ‌182 - باب في الإِقامَةِ بِأَرْضِ الشِّرْكِ

- ‌كِتَابُ الضَّحَايَا

- ‌1 - باب ما جاءَ في إِيجابِ الأَضاحي

- ‌2 - باب الأُضْحِيَةِ عَنِ المَيِّتِ

- ‌3 - باب الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ في العَشْرِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُضَحّي

- ‌4 - باب ما يُسْتَحَبُّ مِنَ الضَّحايا

- ‌5 - باب ما يَجُوز مِنَ السّنِّ في الضَّحايا

- ‌6 - باب ما يُكْرَهُ مِنَ الضَّحايا

- ‌7 - باب في البقَر والجَزورِ، عنْ كَمْ تجْزِئ

- ‌8 - باب في الشّاةِ يضَحَّى بِها عَنْ جَماعَة

- ‌9 - باب الإِمامِ يَذْبَحُ بِالمُصَلَّى

- ‌10 - باب في حَبْسِ لُحُومِ الأَضاحي

- ‌12 - باب في النَّهْي أنْ تُصْبَرَ البهائِم والرِّفْق بِالذَّبِيحَةِ

- ‌11 - باب في المُسافِرِ يُضحِّي

- ‌13 - باب في ذَبائِحِ أَهْلِ الكِتابِ

- ‌14 - باب ما جاءَ في أكْلِ معاقَرَةِ الأَعْرابِ

- ‌15 - باب في الذَّبِيحَةِ بِالمَرْوَةِ

- ‌16 - باب ما جاءَ في ذَبِيحةِ المُتَرَدِّيَةِ

- ‌17 - باب في المُبالَغة في الذَّبْحِ

- ‌18 - باب ما جاءَ في ذَكاةِ الجَنِينِ

- ‌19 - باب ما جاءَ في أكلِ اللَّحْمِ لا يُدْرى أَذُكِرَ اسمُ اللِه عَلَيْهِ أَمْ لا

- ‌20 - باب في العَتيرَةِ

- ‌21 - باب في العَقِيقَةِ

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ]

- ‌1 - باب في اتِّخَاذِ الكَلْبِ لِلْصَّيْدِ وَغَيْرِهِ

- ‌2 - باب في الصَّيْدِ

- ‌3 - باب في صَيدِ قُطِعَ منْهُ قِطْعةٌ

- ‌4 - باب في اتِّباعِ الصَّيْدِ

- ‌كتاب الوصايا

- ‌1 - باب ما جاء فِيما يؤْمرُ بِهِ مِنَ الوَصِيَّةِ

- ‌2 - باب ما جاءَ فِيما لا يَجُوز للْمُوصي في مالِهِ

- ‌3 - باب ما جاءَ في كَراهِيَةِ الإِضْرارِ في الوصِيَّةِ

- ‌4 - باب ما جاء في الدُّخُول في الوَصايا

- ‌5 - باب ما جاءَ في نسْخِ الوصِيّةِ لِلْوالِدَيْنِ والأَقْربِينَ

- ‌6 - باب ما جاء في الوَصِيَّةِ لِلْوارثِ

- ‌7 - باب مُخالَطَة اليَتِيمِ في الطَّعامِ

- ‌8 - باب ما جاءَ فِيما يوَليِّ اليَتيم أَنْ يَنالَ مِنْ مالِ اليَتِيمِ

- ‌9 - باب ما جاء مَتَى يَنْقَطِعُ اليُتْمُ

- ‌10 - باب ما جاءَ في التَّشْدِيد في أَكْل مال اليتِيمِ

- ‌11 - باب ما جاءَ في الدَّلِيل علَى أنَّ الكَفَنَ مِنْ جَمِيعِ المالِ

- ‌12 - باب ما جاءَ في الرَّجُلِ يَهَبُ ثُمَّ يوصَى لَهُ بِها أوْ يَرِثُها

- ‌13 - باب ما جاءَ في الرَّجُلِ يُوقِفُ الوَقْفَ

- ‌14 - باب ما جاءَ في الصَّدَقَةِ، عنِ المَيِّتِ

- ‌15 - باب ما جاءَ فيمَنْ ماتَ، عَنْ غيْرِ وَصيَّةٍ يتَصَدَّقُ عَنْهُ

- ‌16 - باب ما جاء في وَصِيَّةِ الحَرْبيِّ يسْلِمُ وَلِيُّهُ أَيلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِذَها

- ‌17 - باب ما جاءَ في الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ دَيْن وَلَهُ وَفاءٌ يُسْتَنْظَرُ غُرَماؤُهُ وَيُرْفَقُ بِالوارثِ

- ‌كتَابُ الفرَائضِ

- ‌1 - باب ما جاءَ في تَعْلِيمِ الفَرائِضِ

- ‌2 - باب في الكَلالَة

- ‌4 - باب ما جاءَ في الصُّلْبِ

- ‌5 - باب في الجَدَّةِ

- ‌6 - باب ما جاءَ في مِيراث الجَدِّ

- ‌7 - باب في مِيراثِ العَصَبةِ

- ‌8 - باب في مِيراث ذَوي الأَرْحامِ

- ‌9 - باب مِيراثِ ابن المُلاعِنَةِ

- ‌10 - باب هَلْ يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرَ

- ‌11 - باب فِيمَنْ أسْلمَ عَلَى مِيراثٍ

- ‌12 - باب في الوَلاءِ

- ‌13 - باب في الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدي الرَّجُل

- ‌14 - باب في بَيْعِ الوَلاءِ

- ‌15 - باب في المَوْلُودِ يَسْتَهلُّ ثمَّ يَمُوتُ

- ‌16 - باب نَسْخِ مِيراث العقْدِ بِمِيراثِ الرَّحِمِ

- ‌17 - باب في الحِلْفِ

- ‌18 - باب في المرْأَةِ تَرِثُ مِنْ دِيَة زَوْجِها

- ‌كتاب الخراج والإمارة والفيء

- ‌1 - باب ما يلْزَمُ الإمامَ منْ حَقِّ الرَّعِيَّةِ

- ‌2 - باب ما جاءَ في طَلَب الإِمارَةِ

- ‌3 - باب في الضَّرِيرِ يوَلَّى

- ‌4 - باب في اتِّخاذِ الوَزِيرِ

- ‌5 - باب في العِرافةِ

- ‌6 - باب في اتِّخاذِ الكاتِبِ

- ‌7 - باب في السِّعايَةِ علَى الصَّدَقَةِ

- ‌8 - باب في الخَلِيفةِ يَسْتَخْلِفُ

- ‌9 - باب ما جاءَ في البَيْعَةِ

- ‌10 - باب في أَرْزاقِ العُمّالِ

- ‌11 - باب في هَدايا العُمّالِ

- ‌12 - باب في غُلُول الصَّدَقَةِ

- ‌13 - باب فِيما يَلْزمُ الإِمامَ منْ أَمْرَ الرَّعِيَّةِ والحَجَبَةِ عَنْهُ

- ‌14 - باب في قَسْمِ الفَيء

- ‌15 - باب في أرْزاقِ الذُّرِّيَّةِ

- ‌16 - باب مَتَى يُفْرَضُ للرَّجُلِ في المُقاتِلَةِ

- ‌17 - باب في كَراهِيَةِ الافتِراضِ في آخِرِ الزَّمانِ

- ‌18 - باب في تَدْوِينِ العَطاءِ

- ‌19 - باب في صَفايا رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَمْوالِ

- ‌20 - باب في بَيانِ مَواضِعِ قَسْمِ الخُمُسِ وسَهْمِ ذي القُرْبى

الفصل: ‌2 - باب ما جاء فيما لا يجوز للموصي في ماله

‌2 - باب ما جاءَ فِيما لا يَجُوز للْمُوصي في مالِهِ

2864 -

حدثنا عُثْمان بْن أَبي شَيْبَةَ وابْن أَبي خَلَفٍ، قالا: حدثنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قال: مَرِضَ مَرَضًا - قالَ ابن أَبِي خَلَفٍ - بِمَكَّةَ - ثُمَّ اتَّفَقا - أَشْفَى فِيهِ فَعادَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لي مالاً كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثني إِلا ابنتي أفَأَتَصَدَّق بِالثّلثَيْنِ؟ قالَ: "لا" .. قال: فَبِالشَّطْرِ؟ قالَ: "لا" .. قال: فَبِالثُّلُثِ؟ قالَ: "الثُّلُثُ والثُّلُثُ كثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَكَ أَغْنِياءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلَّا أُجِرْتَ بِها حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُها إِلَى في امْرَأَتِكَ" .. قلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَتَخَلَّفُ، عَنْ هِجْرَتي قالَ:"إِنَّكَ إِنْ تُخَلَّفْ بَعْدي فَتَعْمَلْ عَمَلاً صالِحًا تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ لا تَزْدادُ بِهِ إِلَّا رِفْعَةً وَدَرَجَةً لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ" .. ثمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصْحابي هِجْرَتَهُمْ وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقابِهِمْ لكن البائِسُ سَعْدُ ابن خَوْلَةَ يَرْثي لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ ماتَ بِمَكَّةَ"(1).

* * *

باب ما لا يجوز للموصي في ماله

[2864]

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، [وابن أبي خلف، قالا] (2): حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عامر بن سعد عن أبيه، سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال: مرض أبي مرضا أشفى) أي: قارب وأشرف (فيه) على الموت يقال: أشفى على كذا وأشاف عليه، قالوا: ولا

(1) رواه البخاري (56، 1295، 2742، 2744، 3936، 4409، 5354)، ومسلم (1628).

(2)

ساقطة من الأصول، والمثبت من مطبوع "السنن".

ص: 333

يقال: أشفى إلا في الشر بخلاف أشرف وقارب، وفيه جواز ذكر الرجل شدة وجع قريبه في المرض وجواز ذكر المريض شدة وجعه لا على سبيل التسخط بل للمداواة ولدعاء رجل صالح أو وصيته أو استفتاء عن (1) حاله (فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: زاره، وهذا على الأكثر في الاستعمال أن يقال في المريض: عاده، وفي الصحيح: زاره (فقال: يا رسول الله إن لي مالاً كثيرًا) فيه دليل على إباحة جمع المال الكثير. (وليس يرثني إلا ابنتي) بكسر تاء التأنيث التي قبل ياء النسب على الإفراد، ولفظ الصحيحين: ولا يرثني إلا ابنة لي (2) انتهى، وكان اسمها عائشة، والمراد بالحصر هنا الحصر الخاص؛ فإنه كان له ورثة بالتعصيب من بني عمه فيكون التقدير: لا يرثني بالفرض إلا ابنتي وإن كان له زوجة فيقدر، وليس يرثني من الأولاد إلا ابنتي وولد له بعد ذلك أولاد كما سيأتي.

(أفأتصدق) يحتمل أن يريد الصدقة المنجزة في الحياة لكونها في مرض الموت كالوصية، ويحتمل أن يريد بالصدقة الوصية بالإعطاء بعد الموت، ويؤيده ما في رواية البخاري (3) في الوصية: أفأوصي بثلثي مالي (بالثلثين؟ ) من مالي (قال: لا) فيه أنه لا يجوز الوصية بجميع المال من باب الأولى.

قال عياض: أجمع العلماء على أن من مات وله ورثة فليس له أن

(1) في (ر): على.

(2)

البخاري (1295)، ومسلم (1628).

(3)

"صحيح البخاري" 7/ 118 برواية الكشميهني (5659).

ص: 334

يوصي بجميع ماله إلا شيئًا روي عن بعض السلف أجمع الناس بعده على خلافه (1).

(قال: فبالشطر؟ ) أوصي؟ والمراد بالشطر هنا النصف بدليل التصريح في رواية البخاري بلفظ: أفأوصي بالنصف (2)؛ (قال: لا) فلا تصح الوصية به أيضًا لأنه أكثر من الثلث (قال: فالثلث) قيده الزمخشري في "الفائق" بالنصب بفعل مضمر أي: أوجب (3) الثلث (4).

وقال السهيلي في أماليه: الخفض أظهر من النصب؛ لأن النصب بإضمار فعل والخفض مردود على الشطر والثلثين المجرورين قبله (قال: الثلث) بالنصب على الإغراء أو بفعل مضمر غير فعل الإغراء أي: هب الثلث وعليه اقتصر الزمخشري بالرفع على أن فاعل بفعل مقدر أي: يكفيك الثلث، أو خبر مبتدأ محذوف أي: المشروع الثلث أو مبتدأ حذف خبره أي: الثلث مشروع وضعف القرطبي تقدير الفعل في الرفع والنصب؛ لأن الفعل لا يحذف "إلا"(5) إذا دل عليه دليل (6)، (والثلث كثير) الرواية المشهورة بالمثلثة (7). قال عبد الحق: وفي بعض الطرق كبير بالموحدة، وكلاهما صحيح، ولما استكثر النبي صلى الله عليه وسلم الثلث

(1)"إكمال المعلم" 5/ 189.

(2)

"صحيح البخاري"(6959).

(3)

هكذا في الأصل والذي في الفائق: أهب.

(4)

"الفائق" 2/ 244.

(5)

زيادة يقتضيها السياق.

(6)

راجع "فتح الباري" 5/ 365، "شرح الزرقاني على الموطأ" 4/ 79.

(7)

في (ر): بالثلث. والمثبت من (ل).

ص: 335

قال ابن عباس: لو أدن الناس غضوا من الثلث (1) إلى الربع حضًّا على ذلك. ويحتمل أن يكون التقدير: والثلث كثير أو كثيرًا أخذه.

وقال الشافعي: يحتمل أن يكودن معناه كثيرًا (2) أي: غير قليل، وهذا أولى معانيه.

قال القرطبي: وكل ذلك رفق بالورثة وترجيح لجانبهم على الصدقة للأجانب. قال: وعلى هذا فمن حسنت نيته فيما يبقيه لورثته كان أجره أعظم من الصدقة به لاسيما إذا كانوا ضعافًا (3).

(إنك) يجوز فتح الهمزة على تقدير حرف الخفض، أي: لأنك والأحسن كسرها على الاستئناف والجملة معلل بها كما في قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (4)، ونظيره الوجهان في التلبية في: إن الحمد لك والملك.

(إن تذر) قال عياض: رويناه بفتح الهمزة وكسرها وكلاهما صحيح (5)، وتبعه النووي عليهما (6) فالفتح على أنها مصدرية والكسر على الشرط، ورجح القرطبي الفتح وقال: الكسر لا معنى له (7)، ثم على الفتح يكون محل "أن تذر" رفع بالابتداء وخير بعده هو الخبر

(1)"صحيح مسلم"(1629).

(2)

"الأم" 4/ 101.

(3)

راجع "المفهم" 4/ 547.

(4)

يوسف: 53.

(5)

"إكمال المعلم" 5/ 189، "مشارق الأنوار" 1/ 42.

(6)

"شرح مسلم" على النووي 11/ 77.

(7)

"المفهم" 4/ 545.

ص: 336

والجملة خبر "إن"(1) من قولك: "إنك"، وعلى رواية الكسر يكون "خير" خبرًا لمبتدأٍ محذوف مقرونًا بفاء الجواب قال ابن مالك على حد قراءة ابن طاوس عن أبيه:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} (2)، قال: فهذا وإن لم يصرح فيه بأداة الشرط فإن الأمر يتضمن معناه: أي: إن يصلح لهم فذلك خير (ورثتك) قال الفاكهي: إنما ذكر الورثة الأغنياء بلفظ الجمع اطلاعًا منه عليه السلام على أنه سيكون له في المستقبل أولاد غير الابنة المذكورة فكان كما قال:

قيل: إنه ولد له بعد ذلك أربع بنين ولم يحضرني الآن أسماؤهم، ولم يكن لسعد حين جاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم وعاده إلا ابنة واحدة كما تقدم (3).

(أغنياء) ظاهره أغنياء بالمال الذي يتركه لهم، ويحتمل أن يراد بالأغنياء أغنياء النفوس بتأديبهم وتربيتهم على القناعة باليسير مما

(1) انظر: "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" 1/ 122 [البقرة: 220].

(2)

من (ل).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر 5/ 366 وقد قال بعد هذا الكلام: وأما قول الفاكهي أنه ولد له بعد ذلك أربعة بنين وأنه لا يعرف أسماءهم ففيه قصور شديد فإن أسماءهم في رواية هذا الحديث بعينه عند مسلم من طريق عامر ومصعب ومحمد ثلاثتهم عن سعد ووقع ذكر عمر بن سعد فيه في موضع آخر ولما وقع ذكر هؤلاء في هذا الحديث عند مسلم اقتصر القرطبي على ذكر الثلاثة ووقع في كلام بعض شيوخنا تعقب عليه بأن له أربعة من الذكور غير الثلاثة وهم عمر وإبراهيم ويحيى وإسحاق وعزا ذكرهم لابن المديني وغيره وفاته أن سعدا ذكر له من الذكور غير السبعة أكثر من عشرة وهم عبد الله وعبد الرحمن وعمرو وعمران وصالح وعثمان وإسحاق الأصغر وعمر الأصغر وعمير مصغرا وغيرهم وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتا وكان ابن المديني اقتصر على ذكر من روى الحديث منهم والله أعلم اهـ.

ص: 337

عندهم؛ فإن الولد إذا كبر يعيش على ما نشأ عليه واعتاده، وبالدعاء لهم على أن يرزقهم الله غنى النفس الذي مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"ليس الغنى عن كثرة العرض، لكن الغنى غنى النفس"(1)، وحمل الاسم على المعنى الممدوح شرعًا أولى من حمله على العرف المعتاد وإن عضده سياق ما تقدم (2) (خير من أن تذرهم عالة) جمع عائل وهو الفقير من المال أو فقير النفس (3) (يتكففون الناس) من الكف وهو كف اليد أي: يبسطون أكفهم للسؤال، وقيل: يسألون الناس إعطاء ما في أكفهم، وقيل: يسألون الناس كفافًا من القوت، ويدل على الأول رواية مسلم (4):"يتكففون الناس".

(وإنك لن تنفق (5) نفقة) [يجوز في همزة أن الوجهان السابقان في أنك أن تذر وزاد مسلم بعد "من نفقة": "تبتغي بها وجه الله تعالى"](6)(إلا أجرت بها)(7) أي: أعطاك الله بها أجرًا، ورواية مسلم تدل على أن الأجر في الصدقات لا يحصل إلا بقصد القربة إلى الله تعالى وإن

(1) أخرجه البخاري (6446) ومسلم (1051).

(2)

وهذا الذي جعله الشارح أولى فيه من التكلف ما لا يخفى وخصوصا مع مخالفة السياق .. وراجع الفتح 11/ 274.

(3)

تعريف الفقر هنا بفقر النفس مبني على الكلام السابق ولم أقف على أحد من أهل العلم فسرها في هذا السياق بهذا التفسير لا في كتب الشروح ولا في كتب الغريب ومعاجم اللغة.

(4)

(1628).

(5)

زاد هنا في (ر): من و (ع).

(6)

هذِه الزيادة من (ع).

(7)

ورد بعدها في الأصل: نسخة: فيها.

ص: 338

كانت واجبة ولمفهومه إن لم يقصد القربة لم يؤجر عليها ولا على شيء منها، والمعنيان صحيحان، يبقى (1) أن يقال: فهل إذا أنفق نفقة واجبة على الزوجة أو الولد الفقير وإن لم يقصد القربة هل تبرأ ذمته أم لا؟

والجواب: أن ذمته تبرأ من المطالبة؛ لأن وجوب النفقة من العبادات المعقولة المعنى، فتجزئ (2) بغير نية كالديون وإن لم ينو لم يحصل له أجر، ويفهم منه بحكم عمومه أن من أنفق نفقة مباحة وصحت نية التقرب أثيب عليها كمن يطعم ولده وزوجته لذيذ الأطعمة ولطيفها ليرد شهوتهما ويمنع من [التشوق إلى](3) ما في أيدي الناس وليرق طبعه فيحسن فهمه ويقوى حفظه إلى غير ذلك مما يقصده الفضلاء بأولادهم (4)(حتى اللقمة) يجوز النصب بإضمار فعل من جنس ما بعدها؛ لأن فعل (ترفعها) قد اشتغل عنها بضميره المتصل به، وهذا كقول العرب: أكلت السمكة حتى رأسها أكلته، ويجوز جر اللقمة على لفظ نفقة، والنصب على المعنى؛ فإن من الداخلة على نفقة زائدة؛ لأنها نكرة بعد نفي.

قال القرطبي: وأوضح هذِه الأوجه النصب وأبعدها الخفض.

قال: والذي قرأت به هذا الحرف النصب فقط (5)(إلى في امرأتك)

(1) في (ر): ينبغي. والمثبت من (ل) ومن "المفهم" للقرطبي والنقل منه 15/ 7.

(2)

في (ر): فيجري.

(3)

في (ل) من التشوف على والمثبت من (ر).

(4)

"المفهم" للقرطبي 15/ 7، وانظر:"فتح الباري" 5/ 432.

(5)

انظر: "المفهم" 4/ 545.

ص: 339

أي: إلى فمها، وخص الزوجة بالذكر دون سائر من ينفق عليه لعود نفقتها الدائمة إليه التي هي سبب إنفاقه فالغالب من الناس ينفق على زوجته لقضاء وطره وتحصيل شهوته، وليس كذلك النفقة على الأبوين، وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لسعد هذا الكلام في مرضه تنبيهًا على الفوائد التي تحصل بالمال الذي يخلفه لهم؛ إذ فيه صلة رحمه من بعده وإعانتهم بماله على طاعة الله فهو خير من أن يذرهم فقراء يتكففون الناس، وهذا يدل على فضل تكسب المال لهذِه الوجوه، ولكن كل هذا إذا كان الكسب حلالًا خاليًا عن الشبهة التي تعذر الوصول إليها في هذِه الأوقات (1) (قلت: يا رسول الله أتخلف) حذف منه همزة الاستفهام أي: أأتخلف (عن هجرتي؟ ) خشي أن يقدح موته بمكة في هجرته التي هاجرها من مكة وعاد إليها أو في ثوابها هل يسقط بموته في مكة؟ وقد كانوا يكرهون الرجوع (2) فيما تركوه لله تعالى، ويدل للأول رواية الصحيحين: وكان يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها وزعم عبد الحق أنها من أفراد مسلم، بل هي في البخاري في الوصايا (3).

(قال: إنك إن) بفتح الهمزة وكسرها (تخلف بعدي فتعمل عملاً) صالحًا (تريد به وجه الله) تعالى (لا تزداد به) عند الله (إلا رفعة ودرجة لعلك أن تخلف) المراد بالتخلف هنا: طول العمر والبقاء (4) ففيه التنبيه

(1)"المفهم" للقرطبي 4/ 546.

(2)

في (ر) الركوع.

(3)

"صحيح البخاري"(2742).

(4)

انظر: "عمدة القاري" 12/ 326.

ص: 340

على فضل طول العمر الذي فيه ازدياد من أفعال الخير (حتى ينتفع بك أقوام) في أمر دينهم ودنياهم (ويضر بك آخرون) من الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وسبيت نساؤهم وأولادهم وغنمت أموالهم ودماؤهم في فتح العراق وغيره من أعلام النبوة حيث عاش سعد بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة حتى حصل منه ما حصل وفي ذلك تسلية لسعد عن كراهة ما خشيه من الموت (1) وفي كتاب "الطب"[لابن القيم](2) أنه عليه الصلاة والسلام لما عاد سعدًا قال: "ادعوا لي طبيبًا" فدعي له الحارث بن كلدة فوصف له تمر (3) عجوة وحبلة (4) يطبخان ويحسوهما (5)، وفي رواية له أنه دعا الحارث وقال له:"عالج سعدًا مما به"، فقال: هل معكم من هذِه الثمرة العجوة شيء؟ قالوا: نعم. قال: فصنع به نخيلة (6) ثم أوسعها سمنًا فحساها (7) فكأنما نشط من عقال (8).

(1)"عمدة القاري" 12/ 326.

(2)

في (ر): لأبي نعيم.

(3)

في (ر): بمد.

(4)

هكذا في الأصل. وفي "الطب" لابن القيم: حلبة. ولعله الصواب. والله أعلم.

(5)

"زاد المعاد" 4/ 302.

(6)

في (ر): فصنع له نخيلة. وفي (ل): فصنع بالحلبة. والأولى خطأ والثانية فيها سقط وتمام الرواية عند أبي نعيم في "معرفة الصحابة" ترجمة الحارث بن كلدة: فصنع له الفريقة، خلط له التمر بالحلبة ثم أوسعها سمنا ثم أحساها إياه فكأنما نشط من عقال .. وفي "القانون في الطب" لابن سينا 6/ 263: فتحساهما فبرئ.

(7)

في (ر): فحشاهما. والمثبت من (ل، ع). وهي هكذا في "أسد الغابة" 1/ 492.

(8)

من هنا بدا طمس وسقط في (ل).

ص: 341

(ثم قال: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم) مقبولة خالصة لك غير ناقص من أجرها شيئًا (ولا تردهم) بفتح الدال ويجوز الضم لاتباع ضمة الهاء على أعقابهم أي: [لا تترك هجرتهم وحالهم المرضية](1) يقال: رجع فلان على عقبه إذا رجع خائبًا.

قيل: وفيه دليل على أن بقاء المهاجر بمكة قادح فيه.

قال القاضي: ولا دليل فيه؛ لأنه يحتمل: أنه دعا لهم دعاء عامًّا (2).

(لكن البائس) بالمد والهمز اسم فاعل من البؤس وهو أثر الفقر وسوء الحال (3)، وقيل: البائس هو المرحوم (سعد بن خولة) من بني عامر بن لؤي العامري من السابقين بدري توفي سنة عشر بمكة، وزوجته سبيعة الأسلمية توفي عنها في حجة الوداع (4) وولدت بعد وفاته بليالٍ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد حللت فانكحي من شئت"(5)(يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة) وهذا من قول سعد بن أبي وقاص، وقد جاء مفسرًا في بعض الروايات.

قال القاضي: وأكثر ما جاء أنه من قول الزهري (6).

(1) هكذا في (ر) وفي (ل) سقط، وفي (ع): لا تتركهم وحالهم المرضية، والعبارة في شرح النووي هكذا: ومعنى امض لأصحابي هجرتهم، أي: أتممها ولا تبطلها ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية.

(2)

"إكمال المعلم" 5/ 191، "مشارق الأنوار" 2/ 98.

(3)

"شرح مسلم" للنووي 11/ 79.

(4)

"الإصابة" 3/ 53، 7/ 690.

(5)

أخرجه البخاري (3990). ومسلم (1484).

(6)

"شرح مسلم" للنووي 11/ 79. وقال القاضي في "المشارق" 2/ 367: والأول أصح اهـ. قال ابن حجر "فتح الباري" 5/ 365: وقع عند المصنف في الدعوات عن=

ص: 342

وهمزة أن مات مفتوحة، ولا يجوز الكسر (1)؛ لأنه أمر انقضى (2) وجوزه السفاقسي (3) بناء على القول أنه مات بعد ذلك فرثاه خوفًا عليه من ذلك.

قال القاضي: فيحتمل أن يكون قوله: أن مات بمكة. مرفوعًا، و"يرثي له" من كلام غيره تفسيرًا لمعنى البائس (4)، والله أعلم.

=موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد في آخره لكن البائس سعد بن خولة، قال سعد: رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ فهذا صريح في وصله فلا ينبغي الجزم بإدراجه.

(1)

"مشارق الأنوار" 1/ 42، وانظر:"فتح الباري" 7/ 275.

(2)

في الأصل: يفضي. والتصويب من "المشارق" للقاضي عياض.

(3)

قال السيوطي في "لب اللباب" باب السين والفاء: السفاقسي: بفتح أوله والفاء وضم القاف ومهملة إلى سفاقس مدينة بنواحي إفريقية انتهى. والسفاقسي هنا هو: عبد الواحد بن عمر بن عبد الواحد السفاقسي، المشهور بابن التين. له:"المخبر الفصيح الجامع لفوائد مسند البخاري الصحيح". توفي عام 611 هـ. ترجمته في: "شجرة النور الزكية"(168)، "كشف الظنون" 1/ 546.

(4)

"إكمال المعلم" 5/ 367.

ص: 343