الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - باب ما جاءَ في كَراهِيَةِ الإِضْرارِ في الوصِيَّةِ
2865 -
حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عَبْدُ الواحِدِ بْن زِيادٍ، حدثنا عُمارَةُ بْنُ القَعْقاعِ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَجُلٌ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رَسُولَ اللهِ أي الصَّدَقَةِ أَفْضَل قالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ البَقاءَ وَتَخْشَى الفَقْرَ وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلانٍ كَذا وَلِفُلانٍ كَذا وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ"(1).
2866 -
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا ابن أَبي فدَيْكٍ، أَخْبَرَني ابن أَبي ذِئْب، عَنْ شرَحْبِيلَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخدْريِّ أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لأَنْ يَتَصَدَّقَ المَرْءُ في حَياتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ عِنْدَ مَوْتهِ"(2).
2867 -
حدثنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الصَّمَدِ، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ الحدّانيُّ، حدثنا الأشعَثُ بْنُ جابِرٍ، حَدَّثَني شَهْرُ بْنُ حَوْشَب أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ والمَرْأَةَ بِطاعَةِ اللهِ سِتّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُما المَوْتُ فَيُضارّانِ في الوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُما النّارُ" .. قال: وَقَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ ها هنا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} حَتَّى بَلَغَ: {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
قالَ أَبُو داوُدَ: هذا -يَعْني: الأشعَثَ بْنَ جابِرٍ- جَدّ نَصْرِ بْنِ عَليٍّ (3).
* * *
(1) رواه البخاري (1419)، ومسلم (1532).
(2)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 14/ 304.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(494).
(3)
رواه الترمذي (2117)، وابن ماجه (2704).
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(495).
باب في كراهية الإضرار في الوصية
[2865]
(حدثنا مسدد، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي (عن أبي زرعة) تقدم (ابن عمرو بن جرير) بن عبد الله البجلي (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ ) خبر المبتدأ: أي أنواع الصدقة أفضل وأكثر أجرًا (قال: أن تصدق) قال الكرماني: بتخفيف الصاد وحذف إحدى التاءين، وفي بعض النسخ بتشديد الصاد وإدغام التاء فيها (1)(وأنت صحيح) الجسم (حريص) على جمع المال، وللبخاري (2) رواية أخرى:"صحيح شحيح" أي: يجد له وقعًا في قلبه لما يؤمله من طول العمر ومخافة من حدوث الفقر (3)(تأمل) بضم الميم المخففة أي: تطمع في الغنى لطول (البقاء) في الذنيا (وتخشى) من (الفقر) وضيقه والداعي لخوف الفقر الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء.
(ولا تمهل) بنصب اللام عطف على ما قبلها وفي بعض النسخ على النهي (حتى إذا بلغت الحلقوم) وهو الحلق، والمراد منه حتى إذا قاربت الروح الخروج من الحلقوم؛ إذ لو بلغته حقيقة لم يصح منه وصية ولا صدقة ولا شيء من تصرفاته بالاتفاق (4) (قلت: لفلان كذا ولفلان كذا) أي: أوصيت لفلان بكذا وفلان بكذا (وقد كان لفلان) يعني:
(1) راجع "الفتح" 3/ 285.
(2)
(1419).
(3)
انظر: "فتح الباري" 3/ 285.
(4)
انظر: "فتح الباري" 3/ 285، 5/ 374، "عمدة القاري" 13/ 298.
الوارث؛ لأنه إن شاء أبطله ولم يحرم، وخالف بعضهم فقال: بل هو الموصى له ممن تقدمت وصيته له على تلك الحالة.
ومعنى الحديث -والله أعلم- أن الحرص على المال غالب في حال الصحة؛ فإذا شح وتصدق (1) مع ذلك كان أعظم لأجره بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة ورأى مصير المال لغيره (2).
[2866]
(حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك) دينار الديلي (3)(أخبرني) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) العامري (4)(عن شرحبيل) بن سعد الأنصاري، روى له البخاري في "الأدب" (5) وذكره ابن حبان في "الثقات" (6) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ) والله (لأن) بفتح اللام جواب القسم (يتصدق المرء في حياته) زاد ابن حبان في "صحيحه"(7): "وصحته". (بدرهم) واحد (خير) هو خبر للمبتدأ المقدر وتقديره: والله لصدقته بدرهم خير (له من أن يتصدق بمائة
(1) في المخطوط: وسمع. والمثبت من "شرح النووي".
(2)
في الأصل، (ر): بصبر قال غيره. وفي الأصل ل: طمس وسقط في هذِه الورقة. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 7/ 123 وقد نقل هذا الكلام عن الخطابي. وتمام كلامه: فان صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح رجاء البقاء وخوف الفقر. اهـ.
(3)
"تهذيب الكمال" 24/ 485.
(4)
"تقريب التهذيب"(6082).
(5)
"الأدب المفرد"(1235).
(6)
"الثقات" 4/ 365 (3370).
(7)
(3334).
درهم عند موته) صححه ابن حبان (1).
لعل هذا مقيد لما أطلق في الحديث قبله فلهذا ذكره المصنف عقبه.
والمراد والله أعلم: لأن يتصدق الصحيح الحريص الذي يأمل البقاء ويخشى الفقر بدرهم واحد خير له من أن يتصدق بمائة درهم إذا بلغت الحلقوم كما تقدم. وفي الحديث دلالة على أن تعدد الأوصاف الدالة على صدق المتصدق وشدة اعتنائه وحرصه عليها وقوة الباعث معتبر في الشرع أكثر من تعدد المتصدق به من قلبه حين دفعه إلا بعد شدة اجتهاده واعتنائه بالصدقة كما روى الإمام أحمد (2) والبزار (3) عن بريدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يخرج رجل شيئًا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانًا". وزاد البيهقي: "كلهم ينهى عنها"(4).
وهذا بخلاف الذي يتصدق عند الموت كما روى النسائي (5) قال: أوصى رجل بدنانير في سبيل الله فسئل أبو الدرداء فحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يعتق وبتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما شبع"(6). ومن هذا حديث: "أفضل الصدقة جهد المقل". رواه المصنف (7) وابن خزيمة (8).
(1)(3334)، وانظر:"فتح الباري" 5/ 374.
(2)
"مسند أحمد" 5/ 350.
(3)
"البحر الزخار"(4456).
(4)
"شعب الإيمان" 5/ 138.
(5)
أخرجه النسائي 6/ 548، وفي "السنن الكبرى"(4873).
(6)
رواه النسائي 6/ 238، وأحمد 5/ 196، والدارمي (3269).
(7)
سبق برقم (1449).
(8)
"صحيح ابن خزيمة"(2444).
وروى النسائي (1) وابن خزيمة (2) عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "سبق درهم مائة ألف درهم". قال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: "رجل له مال كثير أخذ من أعرض، ماله مائة ألف درهم تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به".
[2867]
(حدثنا عبدة بن عبد الله) بن عبدة الخزاعي الصفار شيخ البخاري في العلم وبدء الخلق وتفسير المرسلات (أنا [عبد الصمد])(3) ابن عبد الوارث (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي الكبير (الحداني) بضم الحاء المهملة وتشديد الدال وبعد الألف نون نسبة إلى حدان بن شمس وهم بطن من الأزد (4)(قال: حدثنا) جدي لأمي (5)(الأشعث ابن) عبد الله بن (جابر) الحداني (6)، أخرج له البخاري تعليقًا. صدوق (7)(حدثني شهر بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة (أن أبا هريرة حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل أو) إن (المرأة) لتعمل (بطاعة الله ستين سنة) ولابن ماجه: "إن الرجل
(1)"سنن النسائي" 5/ 59 (2527).
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 4/ 99 (2443).
(3)
في الأصل عبد الرحمن والمثبت من "السنن" انظر (2859) ط عوامة.
(4)
"الأنساب" 2/ 184.
(5)
قال الشيخ محمد عوامة: زاد في آخره في (ك، ب، س): قال أبو داود: هذا - يعني: الأشعث بن جابر - جد نصر بن علي، وعلى حاشية س: إن هذِه الزيادة سقطت من أصل التستري.
(6)
في الأصل: الخدري والمثبت من كتب التراجم وانظر: "التاريخ الصغير" للبخاري ت (1652)، "الجرح والتعديل" 2/ 273، "تهذيب الكمال" 3/ 272.
(7)
"تقريب التهذيب"(527).
ليعمل بعمل الجنة سبعين سنة" (1).
(ثم يحضرهما الموت فيضاران) بضم الياء وتشديد الراء قبل ألف التثنية أصلها فيضارران بكسر الراء الأولى (في الوصية) قال في "النهاية": هو أن لا يمضي أو ينقص بعضها أو يوصي لغير أهلها ونحو ذلك مما يخالف السنة (2)(فتجب لهما) أي يستحق بالمضارة في الوصية دخول (النار) إلا أن يعفو الله تعالى عنه أو يغفر له.
وروى النسائي (3) عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"الإضرار في الوصية من الكبائر"، ثم تلا {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} (4). ولفظ ابن ماجه (5):"إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة". وله عن أنس: قال صلى الله عليه وسلم: "من فر بميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة"(6).
(قال) شهر بن حوشب: (ثم قرأ علي أبو هريرة) وأنا أسمع (من ها هنا) أي: قرأ من عند قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم بفتح الصاد والباقون بالكسر (7).
(1)(2704) وفيه: "بعمل أهل الخير".
(2)
"النهاية" 3/ 172.
(3)
في "السنن الكبرى" 6/ 320 (11026).
(4)
البقرة: 230، والمجادلة: 4، والطلاق:1.
(5)
(2704).
(6)
"سنن ابن ماجه"(2703).
(7)
انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي 3/ 286، "التفسير الوسيط" للواحدي 2/ 22.
({أَوْ دَيْنٍ})، والحكمة في تقديم ذكر الوصية على الدين والدين مقدم عليها بالإجماع (1) وبرواية الدارقطني (2):"الدين قبل الوصية" من أوجه: أحدها: إنما قصد تقديم هذين الفصلين على الميراث ولم يقصد ترتيبهما في أنفسهما [فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ](غير) نصب على الحال والعامل يوصي أي: يوصي بها ({غَيْرَ مُضَارّ}) يدخل الضرر على الورثة أي: لا ينبغي أن يوصي بدين ليس يجب عليه ليضر بالورثة ولا يقر بدين ليس عليه، فالإضرار راجع إلى الوصية والدين أما رجوعه إلى الوصية فبأن يزيد في وصيته على الثلث أو يوصي لوارث فإنه يرد إلا أن تجيزه الورثة؛ لأن المنع لحقوقهم لا لحق الله تعالى، وأما رجوعه على الدين فبالإقرار في حالة المرض بما لا يجوز، كما لو أقر لملاطف له، وروي عن الحسن أنه قرأ (غير مضار وصية) على الإضافة (3)، قال النحاس: زعم بعض أهل اللغة أن هذا لحن (4)؛ لأن اسم الفاعل لا يضاف إلى المصدر. والقراءة حسنة على حذف. والمعنى: غير مضار ذي وصية. (حتى بلغ) قوله تعالى: ({وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ})(5) من عمل بذلك.
(1) حكاه الترمذي في "السنن" بعد رواية هذا الحديث برقم (2122) فقال: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم.
(2)
"سنن الدارقطني" 4/ 86.
(3)
"تفسير ابن عطية" 2/ 20.
(4)
في الأصل (ر): يجب. وفي ل: غير واضحة. والتصويب من "معاني القرآن" للنحاس 2/ 38 ومن "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 5/ 62.
(5)
الآيتان من سورة النساء 11 و 12.