الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب ما يُسْتَحَبُّ مِنَ الضَّحايا
2792 -
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَني حَيْوَةُ، حَدَّثَني أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابن قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوادٍ وَيَنْظُرُ في سَوادٍ وَيَبْرُكُ في سَوادٍ، فَأُتَي بِهِ فَضَحَّى بِهِ فَقالَ:"يا عائِشَةُ هَلُمّي المُدْيَةَ" .. ثُمَّ قَالَ: "اشْحَذِيها بِحَجَرٍ" .. فَفَعَلَتْ فَأَخَذَها وَأَخَذَ الكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ وقالَ: "بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ" .. ثُمَّ ضَحَّى بِهِ صلى الله عليه وسلم (1).
2793 -
حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ سَبْعَ بَدَناتٍ بِيَدِهِ قِيامًا وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ (2).
2794 -
حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حدثنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ يَذْبَحُ وَيُكَبِّرُ وَيُسَمّي وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِما (3).
2795 -
حدثنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، حدثنا عِيسَى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي عَيّاشٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: ذَبَحَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ، فَلَمّا وَجَّهَهُما قَالَ: "إِنّي وَجَّهْتُ وَجْهيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّمَواتِ والأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما أَنا مِنَ المُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحْياى وَمَماتي لله رَبِّ العالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا مِنَ المُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، عَنْ مُحَمَّدٍ
(1) رواه مسلم (1967).
(2)
رواه البخاري (1551، 1712، 1714).
(3)
رواه البخاري (5558، 5564، 5565)، ومسلم (1966).
وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللهِ والله أَكْبَرُ" .. ثُمَّ ذَبَحَ (1).
2796 -
حدثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حدثنا حَفْصٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ قال: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُضَحّي بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ يَنْظُرُ في سَوادٍ وَيَأْكُلُ في سَوادٍ وَيَمْشي في سَوادٍ (2).
* * *
باب ما يستحب من الضحايا
[2792]
(حدثنا أحمد بن صالح) المصري الطبري، شيخ البخاري (3) (حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني حيوة بن شريح، حدثني أبو صخر) حميد بن زياد الخراط المديني (4)، أخرج له مسلم (عن) يزيد بن عبد الله (ابن قسيط) الليثي (عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر) بفتح الهمزة والميم، أمر (بكبش أقرن) أي: طويل القرن، والتقدير: أمران ينتخب له كبش (5) على هذا الشبه، ففيه ما يدلّ على أن المضحي ينبغي له أن يختار الأفضل نوعًا والأحسن خلقًا والأحسن شيبة، وفيه دلالة على أن طويل القرن أفضل، ولا خلاف في جواز الأجم.
(يطأ في سواد) أي أنَّه أسود القوائم (وينظر في سواد) ما حول عينيه
(1) رواه ابن ماجه (3121).
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(485).
(2)
رواه الترمذي (1496)، والنسائيُّ 7/ 220، وابن ماجه (3128).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2492).
(3)
انظر: "تهذيب التهذيب" 1/ 34.
(4)
"التاريخ الكبير"(2712).
(5)
في (ر) ليس.
أسود (ويبرك في سواد) أي: في بطنه سواد (فأتي به) على هذِه الصفات، زاد مسلم: ليضحي به (1)(فضحى به) وللنسائي (2): ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحل (3) يمشي في سواد ويأكل في سواد. وفيه دليل على فضيلة الأضحية بالأبلق الذي فيه سواد وبياض والأبيض أكثر.
قال ابن الأعرابي: القول ما فسر به الأصمعي الأملح الذي فيه سواد وبياض، كما سيأتي في تفسير الأملح (فقال: يا عائشة هلمي) بضم اللام اسم فعل بمعنى الأمر، أي: هاتي (المدينة) بضم الميم يعني: السكين، جمعها مدىً كغرفة وغرف، وبنو قشير تقول: مدية. بكسر الميم سميت بذلك؛ لأنها تقطع مدة (4) الحياة (5)(ثمَّ قال: اشحذيها) بوصل الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الحاء المهملة وبالذال المعجمة، وفيه رواية أخرى:"اشحثيها" بالثاء المثلثة بدل الذال، قال في "النهاية": معناهما: حديها وسنيها (6).
والذال والثاء من مخرج واحد، أي: حددتها، والشحذ: الحد، ومنه قول الشاعر:
فيا حجر الشحذ حتى متى
…
تسن الحديد ولا تقطع
ومنه الأمر بحد آلة الذبح، كما في الحديث الآخر: "وليحد أحدكم
(1)(1967).
(2)
7/ 220.
(3)
هكذا في (ر) وفي (ل) غير واضحة، وفي "سنن النسائي": فحيل.
(4)
في (ر): منه.
(5)
"المصباح المنير" 2/ 567.
(6)
"النهاية" 2/ 448.
شفرته" (1). وهو من باب الرفق بالبهيمة وترك التعذيب لها (بحجر) وما في (2) معناه (ففعلت) بفتح اللام وسكون تاء التأنيث ما أمرها به، فيه خدمة المرأة زوجها كما تقدم (فأخذها وأخذ الكبش) الأقرن (فأضجعه) فيه استحباب إضجاع البقرة والشاة والخيل والصيد لجنبها الأيسر؛ لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار، ويترك رجلها اليمنى لتستريح بتحريكها وتشد باقي قوائمها لئلا تضطرب حالة الذابح فيترك الذابح (3)(وذبحه) فيه أن السنة في ذبح الأضحية أن يتولى الرجل ذبحها بنفسه؛ فإن لم يحسن أو كان له عذر فيستنيب في الذبح لا في النية، كما في تفرقة الزكاة (وقال: باسم) بإثبات الألف (الله) وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: فأضجعه ثمَّ أخذ في ذبحه قائلًا باسم الله، وفيه أن التسمية عند الذبح سنة كما تسن عند رمي الصيد وإرسال الكلب، ونقل الروياني عن النص استحبابها عند صيد السمك والجراد، ولا تجب، فلو تركها عمدًا أو سهوًا حل (4).
وقال أبو حنيفة: إن تعمد لم يحل، وحيث قلنا يستحب فيكره تعمد الترك لعالم بالنهي، كما في سائر المناهي (5).
(اللهم تقبل من محمَّد وآل محمَّد) هذا دليل الجمهور على جواز قول
(1) أخرجه مسلم (1955).
(2)
من (ل).
(3)
في (ر): الذبح.
(4)
انظر "مغني المحتاج" 4/ 272.
(5)
"اللباب شرح الكتاب" 1/ 346، "البحر الرائق" 8/ 192، "بداية المبتدئ"(ص 218).
المضحي: اللهم تقبل مني، وعلى أبي حنيفة حين كره أن يقول شيئًا من ذلك (1)، واستحب بعضهم أن يقول ذلك بنص الآية:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2)، وكره مالك (3) قولهم: اللهم منك وإليك وقال: هذِه بدعة. وأجاز ذلك ابن حبيب (4) من المالكية، والحسن، واستحسنه (5) الشافعية (6)(ومن أمة محمَّد) وفيه من الفقه ما يدلّ على جواز تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته، وأن ذلك يجزئ عنهم ويحصل لهم الثواب، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وكرهه (7) النووي وأبو حنيفة وأصحابه، وزعم الطحاوي أن هذا الحديث منسوخ أو مخصوص، وغلطه العلماء في ذلك، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى. وممن قال بالمنع: عبد الله بن المبارك (8)(ثمَّ ضحى به صلى الله عليه وسلم) يحتمل أنَّه يراد بضحى أكمل التضحية بسلخ جلدها وتقطيع لحمها ونحو ذلك.
وقال النووي: فيه تقديم وتأخير، تقديره: ثمَّ ذبحه قائلًا: باسم الله،
(1) انظر: "الشرح الكبير" لابن قدامة 3/ 550، "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" 8/ 192، "المبسوط" 4/ 262.
(2)
البقرة: 127.
(3)
"المدونة" 1/ 544، "التاج والإكليل شرح مختصر خليل" 3/ 222، "الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية" ص 272.
(4)
"التاج والإكليل" 3/ 222، "البيان والتحصيل" لابن رشد 17/ 618.
(5)
في (ل): استحبه.
(6)
"الأم" 2/ 240، "الحاوي" للماوردي 15/ 97، "المجموع" 8/ 412.
(7)
في (ر): كره ..
(8)
انظر: "فيض القدير" 5/ 290، "شرح معاني الآثار" 4/ 178، 180.
اللهم تقبل من محمَّد وآل محمَّد مضحيًّا، وثم هنا متأولة (1).
[2793]
(حدثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (حدثنا وهيب) بن خالد الباهلي.
(عن أيوب، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي.
(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر) فيه أن السنة في الإبل النحر في اللبة وهو أن يضربها بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل عنقها وصدرها (2).
(سبع) فيه استحباب تعدد الأضحية ما لم يقصد المباهاة (بدنات) جمع بدنة سميت بذلك؛ لعظم بدنها (بيده) الكريمة.
قال الشافعي في البويطي: أحب أن يذبح الرجل ضحيته بيده تواضعًا لله (قيامًا) لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} (3) قال ابن عباس: قيامًا على ثلاث معقولة ركبته اليسرى (4).
(وضحى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالمدينة) أي في المدينة فالباء بمعنى في، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} (5) أي: في بدر (بكبشين أقرنين) أي: لكل واحد منهما قرنان حسنان، وفيه استحباب الأضحية بالأقرن، واختلفوا في مكسور القرن فجوزه الشافعي وأبو حنيفة والجمهور سواء
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 122.
(2)
انظر: "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزي 1/ 661.
(3)
الحج: 36.
(4)
"تفسير الطبري" 9/ 152.
(5)
آل عمران: 123.
كان يدمي أو لا، وكرهه مالك إذا كان يدمي وجعله عيبًا (1)(أملحين) اختلفوا في الأملح، فقال الأصمعي: هو الأبيض لون الملح، قال ابن الأعرابي: هو النقي البياض، وقال غيرهما: الملحة من الألوان بياض يخالطه سواد (2). وفي الحديث: لم يكن له إلا نمرة ملحاء، أي: بردة فيها خطوط سود وبيض (3).
[2794]
(حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي (حدثنا هشام) ابن أبي عبد الله سنبر الدستوائي (عن قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين أملحين يذبح) فعل مضارع مرفوع، وهو كالتفسير لقوله قبله: ضحى وأنه (يكبر ويسمي) فيه تقديم وتأخير؛ بدليل رواية البخاري (4): يسمي ويكبر. لكن قال الماوردي: في الأضحية خاصة أن يكبر قبل التسمية؛ لأنها أيام التكبير (5)، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قياسًا على سائر المواضع، وكرهها مالك وأبو حنيفة وابن المنذر، نقله عياض عن مالك وسائر العلماء فإنهم قالوا: لا يذكر عند الذبح إلا الله تعالى وحده (6).
(1)"التمهيد" 20/ 171، "المبسوط" 4/ 255، 12/ 18، "نيل الأوطار" 5/ 177.
(2)
"النهاية" لابن الأثير 4/ 781، "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" 1/ 404.
(3)
أخرجه أحمد 5/ 111، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 145، وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير حارثة بن مضرب؛ وهو ثقة من الثانية كما في "التقريب"(1063).
(4)
(5565).
(5)
"الحاوي" 15/ 95.
(6)
"إكمال المعلم" 6/ 413، وانظر:"الحاوي" للماوردي 15/ 95، 96، "الهداية شرح البداية" 4/ 64، "شرح منتهى الإرادات" 3/ 421.
(ويضع رجله على صفحتهما) لفظ البخاري (1): واضعًا قدمه على صفاحهما. وفيه استحباب وضع الرجل على جانب عنق الذبيحة، وهو المعبر عنه في الصحيحين بالصفاح (2)، وصفحة كل شيء جانبه.
وإنما يستحب ذلك لئلا تضطرب الذبيحة فتزل يد الذابح عند الذبح.
[2795]
(حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي) شيخ الشيخين (حدثنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق عمرو الهمداني (حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب) المصري (عن أبي عياش) بالمثناة والشين المعجمة، ذكره ابن عبد البر فيمن لم يذكر له اسم سوى كنيته. وهو المعافري (عن جابر بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح) الذي يذبح الناس فيه ضحاياهم، ولفظ ابن ماجه (3): ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد (كبشين أقرنين أملحين) فيه فضيلة الذبح بكبش أقرن؛ لرواية ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير الكفن الحلة، وخير الضحايا الكبش الأقرن"(4)(موجأين) بضم الميم وفتح الجيم مع الهمزة على وزن مكرمين، قال في "النهاية" (5): موجوأين أي: خصيين ومنهم من يرويه موجئين بوزن مكرمين، قال: وهو خطأ. قال المنذري: الصحيح: موجوءين أي: منزوعي الأنثيين،
(1)(5558).
(2)
في الأصل: الفصاح. وما في "الصحيح" هو الصحيح. ويبدو أن الكلمة انقلبت على الناسخ بدليل أنها جاءت بعد ذلك على الصواب.
(3)
(3121).
(4)
ابن ماجه (3130).
(5)
"النهاية" 5/ 330.
قاله الجوهري (1). قال: ومنهم من يرويه: موجيين، بغير همزة على التخفيف، ويكون من وجيته وجيًا فهو موجى (2).
قال الخطابي: موجأين: منزوعي الأنثيين، والوجأ الخصاء، يقال: وجأت الدابة فهي موجوءة إذا خصيتها. انتهى (3) ومما يدل على أنه بمعنى الخصاء ما رواه الطبراني في "معجمه الكبير" من رواية أبي الدرداء أنه صلى الله عليه وسلم ضحى بخصيين (4) - والذي رأيته في النسخ المعتمدة: موجأين بضم الميم، وفتح الجيم والهمزة أو الجيم والياء على الإبدال، كما نقله ابن الأثير، والذي رأيته في رواية ابن ماجه (5) المعتمدة: الموجوأين. بضم الميم وسكون الواو الثانية، ورواية المصنف هي الظاهرة بدليل رواية الطبراني كما تقدم. وأما رواية ابن ماجه فالمراد به رض الخصيتين، وكلاهما متقاربان، فإن كل ما قطعت خصيتاه أو سلتا فهو كالموجوء الذي رضت خصيتاه؛ لأنه في معناه.
والدليل على جواز الأضحية بالخصي أن الخصاء إذهاب غير مستطاب (6) وبذهابه يطيب اللحم ويكثر ويسمن. قال الشعبي: ما زاد
(1)"الصحاح" 1/ 92.
(2)
"النهاية في غريب الحديث" 5/ 152.
(3)
"إصلاح غلط المحدثين" 1/ 41.
(4)
لم أجده في "المعجم الكبير"، وهو في "مسند أحمد" 36/ 45.
(5)
"سنن ابن ماجه"(3122).
(6)
جاء هنا عبارة زائدة وزيادتها خلل في السياق والمعنى وهي: (ويكره الخصاء؛ لأنه تغيير الطبيعة المنهي عنها). وانظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 101، "شرح الزركشي على مختصر الخرقي" 3/ 279، "مرعاة المفاتيح" 109/ 348.
في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه. وبهذا. قال العلماء: لا نعلم فيه خلافًا.
(فلما وجههما) إلى القبلة، فيه استحباب توجيه الذبيحة إلى القبلة؛ لأنها أفضل الجهات، ولا يقال يكره كالبول إلى القبلة؛ لأنها حالة يستحب فيها ذكر الله بخلاف تلك، قال القفال: وفي ذلك إشارة إلى أن الذبح واقع على موافقة أمر الله تعالى (1).
وفي كيفية التوجه أوجه: أصحها: يوجه مذبحها للقبلة لا وجهها ليمكنه أيضًا الاستقبال (2)، وكره ابن عمر وابن سيرين أكل ما ذبح لغير القبلة، وقال سائرهم: ليس ذلك مكروها كان؛ لأن أهل الكتاب يذبحون لغير القبلة وقد أحل الله ذبائحهم (3).
(قال: إني وجهت وجهي) قال بعضهم: وجه الشيء ذاته وحقيقته، أي: نصبت ذاتي قائمة لذبح ما أمرتني به، وأضاف العبد الذبح إلى نفسه أدبًا مع الله، حيث قال: بيني وبين عبدي فأثبت نفسه (للذي فطر السموات والأرض) [وهو قوله: {فَفَتَقْنَاهُمَا} (4) إذا
…
من
…
] (5) كما فصل السماوات بعضهم عن بعض (على ملة إبراهيم عليه السلام حنيفًا) أي: مائلًا- والحنف الميل- تقول: [مال إلى جناب الحق من المكان إلى
(1) انظر: "المجموع" للنووي 8/ 408، "كفاية الأخيار"(ص 532).
(2)
انظر: "المجموع" للنووي 8/ 408، "البيان" للعمراني 4/ 450.
(3)
انظر "المغني" لابن قدامة 11/ 46، "الشرح الكبير" 11/ 60.
(4)
الأنبياء: 30.
(5)
هذِه الفقرة غير واضحة في (ل)، وهي ساقطة من (ر).
وجوب وجودي مع
…
] (1) وأبقى في الحب المحض.
(وما أنا) في هذا الميل (من المشركين) تقول: ما ملت بأمري. كما قال العبد الصالح: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (2) وإنما الحق علمني كيف أوجه الذبيحة وأتوجه إليه.
(إن صلاتي ونسكي) أي: عبادتي (ومحياي ومماتي) أي: حياتي وموتي، فأضاف الكل إلى نفسه؛ فإنه ما ظهرت هذِه الأفعال ولا يصح أن تظهر إلا بوجه هذا العبد ويستحيل على الحق إضافة هذِه الأشياء إليه بغير حكم الإيجاد فتضاف إلى الحق من جنب إيجاد أعيانها كما تضاف إلى العبد من كونه محلًّا لظهور أعيانها فيه، تقول: دعني حالة حياتي وحالة مماتي (لله) أي إيجاد ذلك كله لله لا لي، أي: من ظهور ذلك في من أجل الله لا من أجل ما يعود علي في ذلك من الخير، والعالم (3) يعبد الله، وغير العالم يعبده لما يرجوه من حظوظ نفسه في تلك العبادة، فلهذا شرع لنا أن نقول:(لله رب العالمين) أي: سيد العالم ومالكهم ومصلحهم بما شرع لهم وبين حتى لا يتركهم في حيرة (لا شريك له) أي: لا إله في هذا الموضع مقصود بهذِه العبادة إلا الله تعالى الذي خلقني لأجلها، أي: لا أشرك فيها نفسي بما يحظو من الثواب الذي وعده الله تعالى (وبذلك أمرت) يعود على الجملة كلها، وعلى كل جزء منها (وأنا من المسلمين) أي:
(1) هذِه الفقرة غير واضحة في (ل)، وهي ساقطة من (ر).
(2)
الكهف: 82.
(3)
في (ر): والله.
من المنقادين لأوامره، في قوله: وبذلك أمرت، وفيه استحباب هذا الذكر عند الأضحية، فإن هذا نص لا يعرج على خلافه (اللهم) هذا (منك) أي: من تفضلك الذي مننت به علي (ولك) يرجع أمره وأمر كل مخلوق، اللهم هذا (عن محمد وأمته) استدل به على أن الأضحية سنة على الكفاية، وبه صرح الماوردي وغيره فقال: إذا أتى بها واحدًا من أهل البيت تأدى عن الكل حق السنة، ولو تركها أهل بيت كره لهم ذلك (1).
وروى ابن ماجه عن أبي أيوب الأنصاري: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن [أهل بيته](2) فيأكلون ويطعمون، ثم تباهى الناس فصار كما ترى (3). وروي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوأين، فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد (4).
وحكي عن أبي هريرة أنه كان يضحي بالشاة فتجيء ابنته فتقول: عني، فيقول: وعنك. وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة (5)، [و] في تعليق
(1)"المجموع" 8/ 384، "مغني المحتاج" 4/ 283، "الحاوي" للماوردي 15/ 75.
(2)
في (ر): أهله.
(3)
"سنن ابن ماجه"(3147).
(4)
أخرجه ابن ماجه (3122) عن عائشة وأبي هريرة.
(5)
انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 98، والأثر في "مسائل أحمد" رواية ابنه عبد الله برقم (971).
إبراهيم المروزي (1) من أصحابنا: لو ذبح شاة عن نفسه وأهل بيته لم يجز؛ لأن الشاة الواحدة لا تجزئ إلا عن واحد.
وأجاب عن هذا الحديث أن المراد الإشراك في الثواب لا في الأضحية (2).
وجاء في الحديث: "اللهم هي عني، وعن من لم يضح من أمتي"(3)(باسم الله) يكتب بالألف، فإن أضيف إليه الرحمن الرحيم حذفها، حكاه النووي في "شرح مسلم"(4).
(والله أكبر، ثم ذبح) كما تقدم.
[2796]
(حدثنا يحيى بن معين) المري البغدادي شيخ الشيخين (حدثنا حفص) بن غياث النخعي قاضي الكوفة، قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث حفص بن غياث (5).
(عن جعفر) بن محمد الصادق أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر؛ فلهذا كان يقول: ولدني الصديق مرتين (6)(عن أبيه) محمد بن الصادق.
(1) في الأصل: المردي. والصحيح ما أثبتناه.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 3/ 198.
(3)
أخرجه الترمذي (1521) من حديث جابر، والحاكم في "المستدرك" 4/ 254، من حديث أبي سعيد.
(4)
"شرح مسلم" للنووي 13/ 110.
(5)
"سنن الترمذي"(1496)، وفي طبعة الشيخ أحمد شاكر، قال: حسن صحيح غريب.
(6)
انظر: "سير أعلام النبلاء" 6/ 255، "تهذيب الكمال" 5/ 75.
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أقرن، فحيل) بفتح الفاء وكسر المهملة، وكان ابن عمر إذا بعث رجلًا يشتري له أضحية، قال: اشتره كبشًا فحيلًا (1). قال أبو عبيد: هو الذي يشبه الفحولة في نبله وعظم خلقه (2). قال في "النهاية": الفحيل: المنجب في ضرابه (3). واختار الفحل على الخصي، والنعجة طلَبَ نبله وعظمه (4).
فيه أن الذكر أفضل من الأنثى على الأصح المنصوص؛ لأن لحمه أطيب وأفضل (5). ونقل النووي في باب الهدي عن الشافعي أن الأنثى أحسن من الذكر؛ لأنها أطيب (6) لحمًا، ومن أصحابنا من قال: الأنثى التي لم تلد أفضل من الذكر الكثير النزو، فإن كان هناك ذكر لم ينز فهو أفضل منها (7).
* * *
(1) أخرجه مالك في "الموطأ"(1026) ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" 9/ 288.
(2)
"غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 266، وقد نقله أبو عبيد عن الأصمعي.
(3)
"النهاية" 3/ 792.
(4)
"غريب الحديث" لأبي عبيد 4/ 266.
(5)
انظر: "فتح الباري" 10/ 11.
(6)
في (ل): أرطب.
(7)
"المجموع" 8/ 361، 8/ 397.