الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية
كتاب الله ومكانته العظيمة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 7
الفتاوى
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله 39
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله 53
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن محمد آل الشيخ 79
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 95
البحوث
زيارة القبور وأحكامها للشيخ / يوسف بن صالح البرقاوي 129
اعتقاد قتيبة بن سعيد البلخي للدكتور / صالح بن محمد بن علي العقيل 183
آراء الإمام ابن ماجه الأصولية للدكتور / سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشثري 211
حكم الجناية على الجنين (الإجهاض) للدكتور / عبد الله بن عبد العزيز العجلان 241
بحث في صنيع الظهار للدكتور / خالد بن علي المشيقح 321
صفحة فارغة
كتاب الله ومكانته العظيمة
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا، وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا، والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث بالهدى والرحمة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الله سبحانه قد من على خلقه وخاصة المؤمن منهم بأن بعث فيهم رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وأنزل معه أفضل كتبه وخاتمها والمهيمن عليها يقول الله عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (1).
وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في
(1) سورة آل عمران الآية 164
خطبته: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان (1)» . . . الحديث. هذا الكتاب هو المهيمن على الكتب السابقة كلها، يقول الله. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (2)، والمعنى أنه عال ومرتفع على ما تقدمه من الكتب، هو أمين عليها وحاكم وشاهد وقيم عليها، يقول ابن جرير رحمه الله: القرآن أمين على الكتب المتقدمة قبله فما وافقه منها فهو حق وما خالفه منها فهو باطل. اهـ.
وكتاب الله له المكانة العظيمة في قلب كل مسلم، وهو أيضا عظيم في نفسه كريم مجيد عزيز، ونحن في فاتحة هذا العدد المبارك من مجلة البحوث الإسلامية، نحب أن نعرض لهذا الموضوع بإشارات وتنبيهات لعل الله أن ينفعنا بها وينفع بها إخواننا من قراء المجلة أو من بلغه هذا الكلام إنه سميع مجيب. فأقول مستعينا بالله: القرآن مصدر قرأ قرآنا ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (3){فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (4){ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (5)، والكلام المقروء
(1) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 162).
(2)
سورة المائدة الآية 48
(3)
سورة القيامة الآية 17
(4)
سورة القيامة الآية 18
(5)
سورة القيامة الآية 19
نفسه يسمى قرآنا كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1)، والقرآن كلام الله حقيقة، لفظه ومعناه من الله، أنزله على عبده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وحيا، فهو منزل غير مخلوق، يقول الله:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (2)، ويقول سبحانه:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} (3)، ويقول:{حم} (4){تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (5)، ويقول. {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (6)، ويقول:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (7)، والآيات في هذا المعنى كثيرة وعلى هذا أجمع سلف الأمة رحمهم الله جميعا.
وقد سمى الله هذا الكتاب بأسماء كثيرة في كتابه، ووصفه كذلك بصفات كثيرة، وإنما يدل هذا على شرف هذا الكتاب وعظمته، فهو القرآن والفرقان والكتاب والهدى والنور والشفاء والبيان والموعظة والرحمة والبصائر والبلاغ وهو العربي والمبين والكريم والعظيم والمجيد والمبارك والتنزيل والصراط المستقيم والذكر الحكيم وهو حبل الله وهو الذكرى والتذكرة والبشرى وهو المصدق لما بين يديه من الكتاب وهو المهيمن عليها وهو المثاني
(1) سورة النحل الآية 98
(2)
سورة الزمر الآية 1
(3)
سورة النحل الآية 102
(4)
سورة غافر الآية 1
(5)
سورة غافر الآية 2
(6)
سورة فصلت الآية 2
(7)
سورة الإسراء الآية 106
وفيه تفصيل كل شيء وتبيان كل شيء وهو الذي لا ريب فيه ولا عوج فيه، يقول الله:{قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (1)، ويقول سبحانه:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (2)، ويقول سبحانه:{الم} (3){ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (4)، ويقول سبحانه:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (5)، ويقول سبحانه:{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} (6)، ويقول عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} (7)، ويقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (8)، ويقول سبحانه:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9)، ويقول جل وعلا:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} (10){قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (11)، ويقول عز من قائل
(1) سورة الزمر الآية 28
(2)
سورة الفرقان الآية 1
(3)
سورة البقرة الآية 1
(4)
سورة البقرة الآية 2
(5)
سورة البقرة الآية 97
(6)
سورة آل عمران الآية 58
(7)
سورة النساء الآية 174
(8)
سورة يونس الآية 57
(9)
سورة الإسراء الآية 9
(10)
سورة الكهف الآية 1
(11)
سورة الكهف الآية 2
سبحانه: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} (1){فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (2)، ويقول وجل:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} (3){فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} (4){لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (5){تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (6)، وغير ذلك من، الآيات كثير، فيها أسماء هذا الكتاب العظيم وصفاته، مما ينبيك على عظيم قدره، وجليل شرفه، كيف والمتكلم به هو رب الأرباب - سبحانه- عالم الغيب والشهادة القائل:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (7).
ومما ينبغي أن يعلم أن كل اسم أو صفة لهذا الكتاب العزيز فهو دال على معنى اختص به، ولولا خشية الإطالة لنبهنا على جملة تكون معينة على فهم ما بقي.
هذا وإن مما اختص به هذا الكتاب الكريم أن الله سبحانه تكفل بحفظه ولم يكل حفظه إلى أحد من خلقه، يقول سبحانه:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (8)، ويقول سبحانه:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} (9){فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (10). يقول ابن القيم رحمه الله: " فوصفه سبحانه بأنه محفوظ في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (11) ووصف محله بالحفظ في هذه السورة - أي البروج- فالله سبحانه حفظ محله،
(1) سورة البروج الآية 21
(2)
سورة البروج الآية 22
(3)
سورة الواقعة الآية 77
(4)
سورة الواقعة الآية 78
(5)
سورة الواقعة الآية 79
(6)
سورة الواقعة الآية 80
(7)
سورة لقمان الآية 27
(8)
سورة الحجر الآية 9
(9)
سورة البروج الآية 21
(10)
سورة البروج الآية 22
(11)
سورة الحجر الآية 9
وحفظه من الزيادة والنقصان والتبديل، وحفظ معانيه من التحريف كما حفظ ألفاظه من التبديل وأقام له من يحفظ حروفه من الزيادة والنقصان ومعانيه من التحريف والتغيير " اهـ (1).
كتاب الله الكريم هو المنجي من الفتن وهو أنيس المؤمن ونور قلبه وربيع صدره وجلاء همه وغمه، كتاب الله فيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، لا تنقضي عجائبه ولا تفنى عبره، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} (2).
من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، هو الآية الكبرى والمعجزة العظمى التي أوتيها نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث يقول:«ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة (3)» أخرجاه في الصحيحين.
معجز في لفظه وبيانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (4)
(1) التبيان 1/ 62
(2)
سورة الجن الآية 1
(3)
صحيح البخاري فضائل القرآن (4981)، صحيح مسلم الإيمان (152)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 451).
(4)
سورة البقرة الآية 23
معجز في تيسير تلاوته وقرآنه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (1)، معجز فيما حواه من قصص الماضين لنعتبر:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (2)، ويقول سبحانه:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (3)، معجز فيما حواه من عقائد وشرائع الدين، لنمتثل:{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (4)، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (5)، {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (6)، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (7).
معجز بما حواه من أخبار الغيب؛ لنؤمن ونسلم: {الم} (8){ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (9){الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (10)
(1) سورة القمر الآية 17
(2)
سورة يوسف الآية 3
(3)
سورة يوسف الآية 111
(4)
سورة إبراهيم الآية 1
(5)
سورة النحل الآية 89
(6)
سورة الزمر الآية 2
(7)
سورة الأنعام الآية 155
(8)
سورة البقرة الآية 1
(9)
سورة البقرة الآية 2
(10)
سورة البقرة الآية 3
آية ظاهرة وحجة باهرة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يأذن الله برفعه، تحدى الله به أفصح الناس فلم يستطيعوا، بل تحدى به الجن والإنس مجتمعين فأعياهم:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (1)، امتن الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (2)، يهدي إلى الطريق القويم والمنهج المستقيم:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (3). هذا وإن لتلاوة هذا الكتاب أجرا عظيما وفضلا كبيرا، يقول الله:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} (4){لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (5). وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار (6)» رواه البخاري ومسلم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله به حسنة
(1) سورة الإسراء الآية 88
(2)
سورة الحجر الآية 87
(3)
سورة الإسراء الآية 9
(4)
سورة فاطر الآية 29
(5)
سورة فاطر الآية 30
(6)
صحيح البخاري التوحيد (7529)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (815)، سنن الترمذي البر والصلة (1936)، سنن ابن ماجه الزهد (4209)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 9).
والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف (1)».
وصاحب القرآن هو المقدم في الدنيا والآخرة، وهم أهل الإكرام والإجلال، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين (2)» أخرجه مسلم.
وعن أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله (3)» . . . الحديث. أخرجه مسلم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما. كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط (4)» أخرجه أبو داود، وحسنه النووي. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر (5)» متفق عليه.
(1) سنن الترمذي فضائل القرآن (2910).
(2)
صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (817)، سنن ابن ماجه المقدمة (218)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 35)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3365).
(3)
أي إسلاما
(4)
سنن أبو داود الأدب (4843).
(5)
صحيح البخاري فضائل القرآن (5059)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (797)، سنن الترمذي كتاب الأمثال (2865)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5038)، سنن أبو داود كتاب الأدب (4829)، سنن ابن ماجه المقدمة (214)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 408)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3363).
هذا في الدنيا أما في الآخرة فثوابه أعظم إن عمل به، وأجره أكبر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران (1)» متفق عليه.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه (2)» أخرجه مسلم.
وصاحب القرآن هو المقدم في أول منازل الآخرة. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم يقول: "أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإن أشير إلى أحدهما، قدمه في اللحد (3)» أخرجه البخاري.
ولا يزال صاحب القرآن يترقى في منازل الجنة على قدر ما معه من القرآن، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها (4)» أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ولا شك أن العناية بحفظ القرآن من أجل ما تنصرف إليه الهمم؛ لما في ذلك من الأجر العظيم، وقد كان وصف هذه الأمة في الكتب السابقة بأن أناجيلهم في صدورهم. وهكذا فإن الله
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4937)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (798)، سنن الترمذي فضائل القرآن (2904)، سنن أبو داود الصلاة (1454)، سنن ابن ماجه الأدب (3779)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 192)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3368).
(2)
صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (804)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 255).
(3)
صحيح البخاري المغازي (4080)، سنن الترمذي الجنائز (1036)، سنن النسائي الجنائز (1955)، سنن أبو داود الجنائز (3138)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1514).
(4)
سنن الترمذي فضائل القرآن (2914)، سنن أبو داود الصلاة (1464).
سبحانه قد أخبر في كتابه أن هذا الكتاب محفوظ في صدور الرجال، يقول الله سبحانه:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (1){بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} (2)، فأخبر سبحانه أنه في صدور العلماء محفوظ، وهذا يصدق الحديث القدسي الذي فيه:«إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت معك كتابا لا يغسله الماء (3)» . . . أخرجه مسلم والمعنى أن الماء لا يمحوه إذ هو محفوظ في الصدور.
وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم من لم يحفظ شيئا من القرآن بالبيت الخرب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب (4)» أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح. وقد تقدمت معنا الأحاديث الدالة على إكرام حامل القرآن وعظيم منزلته.
وحفظ القرآن مشروع للمسلم، والقدر الواجب عليه منه هو ما يحتاج إليه في تصحيح عبادته، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. " وأما حفظ جميع القرآن وفهم جميع معانيه ومعرفة جميع السنة فلا يجب على كل أحد، لكن يجب على العبد أن يحفظ من القرآن ويعلم معانيه ويعرف من السنة ما يحتاج إليه "(5) اهـ.
(1) سورة العنكبوت الآية 48
(2)
سورة العنكبوت الآية 49
(3)
صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 162).
(4)
سنن الترمذي فضائل القرآن (2913)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 223)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3306).
(5)
الفتاوى (15/ 391)