الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: وجوب الكفارة:
اختلف العلماء في وجوب الكفارة على المرأة إذا قالت لزوجها: أنت. علي كظهر أبي، على قولين:
القول الأول: أنه تجب فيه كفارة يمين، وبه قال عطاء، وبعض الحنفية (1)، وهو رواية عن الإمام أحمد (2)، وقال الإمام أحمد:"قد ذهب عطاء مذهبا حسنا جعله بمنزلة من حرم على نفسه شيئا مثل الطعام وما أشبهه ".
واستدلوا بما يلي:
1 -
قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3){قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (4).
قال ابن القيم: " وهذا صريح في أن تحريم الحلال قد فرض فيه تحلة الأيمان، إما مختصا به، وإما شاملا له ولغيره، فلا يجوز أن يخلى سبب الكفارة المذكورة في السياق عن حكم الكفارة، ويعلق بغيره، وهذا ظاهر الامتناع " اهـ (5).
(1) بدائع الصنائع 3/ 231، وحاشية ابن عابدين 3/ 467.
(2)
المغني 11/ 112، والشرح الكبير مع الإنصاف 23/ 253، والفروع 5/ 489.
(3)
سورة التحريم الآية 1
(4)
سورة التحريم الآية 2
(5)
زاد المعاد 3/ 316.
2 -
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (1) ثم قال تعالى بعد ذلك: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} (2) الآية.
قال شيخ الإسلام: " ذكر هذا بعد النهي عن التحريم ليبين المخرج من تحريم الحلال إذا عقد عليه يمينا بالله، أو يمينا أخرى، وبهذا يستدل على أن تحريم الحلال يمين "(3).
3 -
أن مجرد المنكر من القول والزور لا يوجب كفارة الظهار بدليل سائر الكذب، والظهار قبل العود، والظهار من أمته وأم ولده.
4 -
أنه تحريم لا يثبت التحريم في المحل فلم يوجب كفارة الظهار كتحريم سائر الحلال.
5 -
أنه ظهار من غير امرأته أشبه الظهار من أمته (4).
القول الثاني: أنه تجب عليها كفارة ظهار. وهو قول بعض الحنفية (5)، ومذهب الحنابلة (6).
وحجة هذا القول: ما ورد عن عائشة بنت طلحة قالت:
" إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي، فسألت أهل
(1) سورة المائدة الآية 87
(2)
سورة المائدة الآية 89
(3)
مجموع الفتاوى 14/ 450.
(4)
المغني، الشرح الكبير مع الإنصاف 23/ 253، والمبدع 8/ 38.
(5)
بدائع الصنائع 3/ 231.
(6)
المحرر 2/ 98، والفروع 3/ 489، والمبدع 8/ 37.
المدينة، فرأوا أن عليها الكفارة".
وروى أبو إسحاق الشيباني، قال: كنت جالسا في المسجد. . . فجاء رجل حتى جلس إلينا فقال: أنا مولى لعائشة بنت طلحة أعتقتني عن ظهارها، خطبها مصعب بن الزبير، فقالت: هو علي كظهر أبي إن تزوجته، ثم رغبت فيه بعد فاستفتت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ كثير، فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه فتزوجته واعتقتني ".
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: قال ابن قدامة: " وما روي عن عائشة بنت طلحة في عتق الرقبة، فيجوز أن يكون إعتاقها تكفيرا ليمينها، فإن عتق الرقبة أحد خصال كفارة اليمين، ويتعين حمله على هذا؛
لكون الموجود منها ليس بظهار، وكلام أحمد لا يقتضي وجوب كفارة الظهار، وإنما قال: الأحوط أن تكفر، وكذا حكاه ابن المنذر ".
الوجه الثاني: أن ثبوته عن الصحابة فيه نظر فإن الراوي عنهم مبهم. وفي لفظ: " فاستفتى لها فقهاء كثير، فأمروها أن تكفر، فأعتقت غلاما لها، ثمن ألفين "(1).
وفي لفظ: " فسئل عن ذلك أصحاب ابن مسعود، فقالوا: تكفر) (2).
وفي لفظ: " فاستفت بالمدينة، فأفتيت أن تكفر عن يمينها وتنكحه "(3).
القول الثالث: أنه لا يلزمها شيء. وبه قال الإمام مالك (4)، والشافعي (5)، وهو رواية عن الإمام أحمد (6).
وحجة هذا القول: أنه قول منكر وزور، وليس بظهار، فلم يوجب كفارة كالسب والشتم ليس فيه تحريم للحلال، فتجب فيه كفارة يمين.
(1) أخرجه عبد الرزاق 6/ 444. والعبارة هكذا في الأصل.
(2)
أخرجه عبد الرزاق 6/ 444.
(3)
أخرجه عبد الرزاق 6/ 444.
(4)
المدونة 2/ 298، والشرح الكبير وحاشيته 2/ 439.
(5)
روضة الطالبين 8/ 263.
(6)
المغني 11/ 112.