الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم الاستفصال في هذا المقام، وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال.
الوجه الثاني: أن حياة الجنين في بطن الأم فيها شك إذ تكون الحركة الموجودة في البطن حركة ريح، وذلك شبهة تدرأ القصاص، وذلك لما رواه الحاكم والترمذي والدارقطني والبيهقي بسندهم إلى محمد بن ربيعة عن يزيد بن زياد الشامي عن الزهري عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة (1)» . .
الوجه الثالث: أن الجنين ليس نفسا مستقلة يمكن الاعتداء عليها بل هو جزء من الأم لأنه يتحرك بحركتها ويقر بقرارها.
وبعد: فإن الجناية على الجنين تعد من قبيل شبه العمد إن تعمد الجاني ذلك ومن قبيل الخطأ إن لم يتعمد الجاني ذلك، وذلك لضعف أدلة القائلين بأنها من قبيل العمد والرد عليها، وسوف تظهر أهمية التفرقة بين العمد وغير العمد حين الحديث عن الآثار التي تترتب على فعل الجاني وهي انفصال الجنين حيا من أمه أو ميتا وما إلى ذلك وقد آن أوانه.
(1) المستدرك للحاكم 4/ 384، طبعة النصر الحديثة بالرياض، سنن الترمذي 4/ 33، طبعة الحلبي، سنن الدارقطني 3/ 14، طبعة عالم الكتب بيروت
المقصد الثاني: الآثار التي تترتب على فعل الجاني:
وفيه عشرة مباحث:
المبحث الأول: انفصال الجنين عن أمه وقد وضحت فيه صورة الآدمي أو لم تتضح:
هنا نفرق بين ثلاث حالات:
(أ) أن يعلم من المنفصل أنه آدمي، سواء كان ذاك بوضوح صورته أو بشهادة ثقات من ذوي الخبرة أن فيه صورة خفية لآدمي، في هذه الحالة ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الغرة على الجاني ووافقهم المالكية في المعتمد، والظاهرية في حالة ما إذا كانت الجناية خطأ؛ وذلك لأن النصوص أوجبت الغرة في قتل الجنين دون تفصيل، فكل ما يطلق عليه أنه جنين وجبت فيه الغرة. وذهب الحنابلة إلى أن سقوط الحمل إن كان لستة أشهر فصاعدا كان فيه الدية كاملة.
(ب) أن لا يكون للمنفصل بالجناية صورة آدمي ولكن يشهد الثقات أنه مبدأ بحيث لو استمر وجوده لتصور، وقد اختلف الفقهاء أيضا في هذه الحالة على مذهبين:
1 -
فذهب جمهور الفقهاء ومنهم المالكية والحنابلة في وجه مرجوح عندهم إلى وجوب الغرة على الجاني، وقالوا: لأنه مبدأ خلق آدمي لو استمر لتصور فيلحق بما تصور فعلا ويأخذ حكمه (1) 2 - وذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في المعتمد وأكثر الزيدية إلى أنه لا تجب فيه الغرة على الجاني وقاسوه على العلقة.
واحتجوا أيضا بأن الأصل براءة الذمة فلا تجب العقوبة بالاحتمال الضعيف؛ لأنه يكون عدولا عن الأصل الموجب لظن البراءة بالوهم أو الشك على الأكثر، وهو خلاف القواعد وهذا الرأي نميل إليه ونرجحه.
(1) المنتقى للباجي 7/ 80 طبعة دار الكتاب العربي، كشاف القناع 6/ 24. .
(ج) أن يكون ما ألقته المرأة دون ما تقدم ذكره كدم أو علقة، وهذا قد اختلف الفقهاء في وجوب الغرة فيه على مذهبين:
1 -
فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجب على الجاني شيء (1)
2 -
وقال الإمام مالك بوجوب الغرة في كل ما ألقته المرأة ما يعلم أنه كان حملا. ومفهوم عباراته أن ما لم يعلم كونه حملا فلا شيء فيه، كما هو قول الجمهور، ومن ثم قال أشهب من المالكية: ولا يجب في طرح الدم شيء وإنما يجب في طرح العلقة والمضغة، وقال ابن القاسم: بوجوب الغرة في الدم المجتمع الذي إذا صب عليه الماء الحار لا يذوب، ولا شيء في الدم الذي إذا صب عليه الماء الحار ذاب؛ وذلك لأن الأول لا يعد دما وإنما هو بداية الجنين، والثاني دم محض (2)، وقد قال العلامة ابن رشد الحفيد: والأجود أن يعتبر نفخ الروح فيه، يعني أنه لا تجب الغرة إلا إذا علم أن الحياة قد دبت في الجنين (3)
الرأي المختار:
وبعد فإنني أرى ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن المرأة
(1) الإقناع لحل ألفاظ أبي شجاع 8/ 132، المغني لابن قدامة 7/ 799، تكملة فتح القدير 10/ 306. .
(2)
قوانين الأحكام الشرعية، ص364، طبعة دار الفكر
(3)
بداية المجتهد 2/ 348.