الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهلا للعبادة فهو أهل للعقوبة فتجب عليه.
وبعد فإنني أرى أن ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أنه لا يشترط إسلام الجاني في إيجاب الكفارة هو الأولى بالقبول؛ لظهور دليلهم ورد الدليل المخالف.
المبحث التاسع: حرمان قاتل الجنين من الميراث:
إن قاتل الجنين إما أن يكون متعمدا الجناية عليه أو غير متعمد، فإن كان متعمدا الجناية عليه فجنايته عند جمهور الفقهاء شبه عمد، وإن كان غير متعمد فجنايته خطأ كما سبق بيانه. وهذا يتطلب منا أن نبين الحالتين، وهل يرث القاتل للجنين فيهما أم لا؟
الحالة الأولى: هل القاتل يحرم من الميراث إن كان متعمدا الجناية على الجنين؟
أ- ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن هذا القتل يمنع القاتل من الميراث مطلقا سواء كان الميراث للدية أو لغيرها، واستدلوا على ذلك
بما يأتي:
1 -
ما رواه ابن ماجه بسنده إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 -
ما رواه الدارقطني بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل قتيلا فإنه لا يرثه، وإن لم يكن له وارث غيره، وإن كان والده أو ولده فليس للقاتل ميراث (2)» . وهذه الأحاديث واضحة الدلالة على المدعى. وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك، فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة المدلجي لأخيه دون أبيه القاتل، وقد كان حذفه بسيفه فقتله (3)، واشتهرت هذه القصة بين الصحابة ولم ينكر أحد ذلك فكان إجماعا. يضاف إلى ذلك أن القاتل لو ورث من مقتوله لتفشى القتل بين الناس، ولأدى ذلك إلى فساد مستطير، ولاستعجل الوارث موت مورثه ليأخذ أمواله، فكان لا بد أن يعامل بنقيض مقصوده فيحرم من الميراث.
ب- وذهب كل من الإمام الفقيه سعيد بن المسيب بن حزن
(1) سنن ابن ماجه 2/ 844، طبعة الكتب العلمية بيروت.
(2)
سنن الدارقطني 4/ 95، طبعة الطباعة الفنية المتحدة.
(3)
السنن الكبرى للبيهقي 8/ 134، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية.
المخزومي وابن جبير إلى أن هذا القتل لا يمنع (1) من الميراث؛ وذلك لأن آيات المواريث بعمومها لم تتناول هذا القاتل فيجب العمل بها.
ويناقش هذا: بأن عموم هذه الآيات مخصص بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث التي سبق ذكرها.
تنبيه: قد يشكل على البعض أن يكون الجنين موروثا مع أنه لم يظهر إلى الوجود، لكن يزول الإشكال حين يعلم أن الجنين له حياة وأهلية من وجه دون وجه، فيملك المال بالهبة والوقف والإرث.
الحالة الثانية: هل القاتل يحرم من الميراث إن كان غير متعمد الجناية؟
اختلف الفقهاء في ذلك على مذهبين:
1 -
فذهب جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن القاتل خطأ لا يرث مطلقا. واستدلوا على ذلك بالأدلة العامة التي تقضي بحرمان القاتل من الميراث، وهي تشمل بعمومها القتل العمد والخطأ وقد سبق ذكرها.
2 -
وذهب المالكية والنخعي إلى أن القتل الخطأ لا يمنع القاتل
(1) نيل الأوطار للشوكاني 7/ 166.
من الميراث، ولكنه يمنعه من أن يرث ديته. واستدلوا على ذلك بما رواه الدارقطني بسنده إلى محمد بن سعيد عن عمرو بن شعيب أخبرني أبي عن جدي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة يوم فتح مكة:«لا يتوارث أهل ملتين، والمرأة ترث من دية زوجها وماله، وهو يرث من ديتها ومالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا، فإن قتل أحدهما صاحبه عمدا لم يرث من ماله ولا من ديته شيئا، وإن قتله خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته (1)» .
ويناقش هذا: بأن الحديث ضعيف فلا يصح الاحتجاج به؛ وذلك لأن عبد الحق بعد أن ذكر الحديث قال: ومحمد بن سعيد هذا أظنه الصلت وهو متروك الحديث عند الجميع. وقد جاء في نسخ ابن ماجه أنه عمرو بن سعيد وهو كذلك من أطراف الإمام الحافظ الشامي الثبت الحجة الدمشقي الشافعي ابن عساكر وقال أحمد: حديثه موضوع (2).
(1) سنن الدارقطني 4/ 72 وقال الدارقطني: محمد بن سعيد الطائفي ثقة، سنن ابن ماجه 2/ 914.
(2)
نيل الأوطار للشوكاني 7/ 166.