الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث في زيارة القبور وأحكامها
للشيخ يوسف بن صالح البرقاوي
مقدمة:
في بداية الدعوة الإسلامية نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور، والنهي عام للرجال والنساء، وذلك سدا للذريعة؛ لأن العرب كانت في الجاهلية تتسخط على أقدار الله عند المصيبة، وكانوا يقولون هجرا كقولهم يا خيبة الدهر؛ ولهذا منع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه من زيارة القبور؛ لقربهم من الجاهلية، وخشية الفتنة بها، كما افتتن بها أهل الكتابين من يهود ونصارى، وعظموا القبور حتى عبدت من دون الله.
ولما تمكن الإيمان في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، واستقرت عقيدة التوحيد في نفوسهم، وتعلقت قلوبهم بالله وحده عبادة وتعظيما لشرعه القويم وامتثالا لدينه الحنيف، أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزيارة الشرعية للقبور، وخص بذلك الرجال دون النساء، كما وردت الأدلة الشرعية في منعهن زيارة القبور كما سيأتي.
دليل النسخ:
- عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها (1)» رواه مسلم.
- عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور (2)» رواه ابن ماجه.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال صلى الله عليه وسلم: " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت (3)» رواه مسلم.
علة المنع في بادئ الأمر:
جاء في (نزهة المتقين) قال الشارح: في الأحاديث المتقدمة جواز النسخ في الشريعة الإسلامية، فقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة القبور أول الأمر؛ لقرب عهد الناس بالجاهلية، وما كان فيها من وثنية، وما كانوا يفعلونه عند القبور من نياحة، وغير ذلك مما حرمه الإسلام، ثم نسخ التحريم بعد أن اتضحت عقيدة التوحيد، ورسخت قواعد الإسلام، واستبانت أحكامه. وعلى المؤمن أن يذكر نفسه بالموت وأنه سيكون في عداد الموتى إن عاجلا أو آجلا. ومن المأثور عن عمر بن
(1) صحيح مسلم الأضاحي (1977)، سنن النسائي الجنائز (2033)، سنن أبو داود الأشربة (3698)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 350).
(2)
سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1570).
(3)
صحيح مسلم الجنائز (976)، سنن النسائي الجنائز (2034)، سنن أبو داود الجنائز (3234)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1572)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 441).
الخطاب رضي الله عنه قوله: كفى بالموت واعظا يا عمر (1).
عصر الصحابة متميز عن سائر العصور:
كان عصر الصحابة رضي الله عنهم متميزا عن العصور التي خلفته فلم يعرف أهله البدع ولا الخرافات والضلالات؛ وذلك لصفاء عقيدتهم المستمدة من الكتاب العظيم والسنة المطهرة، فعهد الصحابة كان عهدا مثاليا في تطبيق الإسلام والالتزام بشرع الله القويم والتمسك بدينه الحنيف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية. " والمقصود أن الصحابة رضوان الله عنهم لم يطمع الشيطان أن يضلهم كما أضل غيرهم من أهل البدع الذين تأولوا القرآن على غير تأويله، أو جهلوا السنة، أو رأوا وسمعوا أمورا من الخوارق، فظنوها أنها من جنس آيات الأنبياء (أي المعجزات) وكانت من أفعال الشياطين، كما أضل النصارى وأهل البدع بمثل ذلك. فهم يتبعون المتشابه ويدعون المحكم، وكذلك يتمسكون بالمتشابه من الحجج العقلية والحسية، فيسمع ويرى أمورا فيظن أنه رحماني وإنما هو شيطاني، فيتركون البين الحق الذي لا إجمال فيه. وكذلك لم يطمع الشيطان أن يتمثل في صورته ويغيث من استغاث به أو يحمل إليهم صوتا يشبه صوته؛ لأن الذين رأوه علموا أن هذا شرك لا يحل. ولهذا أيضا لم يطمع فيهم أن يقول أحد منهم
(1) نزهة المتقين شرح رياض الصالحين، ص 425، ج1.