الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتقاد قتيبة بن سعيد البلخي
للدكتور صالح بن محمد العقيل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم. أما بعد: فإن قتيبة بن سعيد البلخي البغلاني أبا رجاء أحد الأئمة الأعلام، ممن اشتهر بكثرة الرواية، وقوة الحفظ والضبط، مما جعله مقصدا لطلاب العلم يرحلون إليه ويسمعون منه، رحل إليه الأئمة ورووا عنه.
وكان متمسكا بالسنة حريصا عليها، مجانبا لأهل الأهواء والبدع، ومحذرا منهم. تابع كثيرا من أهل العلم على بيان معتقده، فأملى معتقدا ظهرت فيه موافقته للسنة، رواه عنه عدد من تلاميذه واشتهر عنه، ونسبه إليه الأئمة ونقلوا منه.
ولما كان هذا الاعتقاد موافقا للسنة ومرويا بالأسانيد الصحيحة إلى قتيبة مسلسلا بالأئمة الحفاظ، فلا شك في ثبوته.
وقائله إمام جليل، وقد تلقاه أهل العلم بالقبول. كان جديرا
بنشره واطلاع الناس عليه، وبيان ثبوته وقبول أهل العلم له.
فإظهاره يعتبر إضافة إلى معتقد أهل السنة ومصنفاتهم، وتأكيدا لأقوالهم في مسائل الاعتقاد.
ومما يزيد في أهمية هذا الاعتقاد، ويرغب في إظهاره للناس أن قتيبة يقول فيه:"هذا قول الأئمة. . . ".، فهو يحكي الإجماع، إجماع أهل السنة في الأمور التي ذكرها من مسائل الاعتقاد، فهو حكاية لإجماع أهل السنة، لا مجرد قول له أو لمشايخه أو أهل بلده. فإظهار هذا إظهار لإجماع أهل السنة في هذه المسائل، من نقل إمام جليل موثوق به، لقي الحفاظ والأئمة، كمالك بن أنس إمام دار الهجرة، والليث بن سعد إمام مصر. وروى عنه الأئمة أئمة أهل السنة، كالإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ويحيى بن معين، وأبي حاتم الرازي وغيرهم، وزار البلاد الآهلة بالعلماء، فرحل إلى المدينة ومصر وبغداد وغيرها.
وقد أدرك الحافظ الذهبي رحمه الله أن هذا نقل للإجماع، فقال بعد أن ذكر قوله في علو الله عز وجل:"فهذا قتيبة في إمامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة"(1).
ومع ثبوت هذا المعتقد عن هذا الإمام كما سيراه القارئ - إن شاء الله- ونقل أهل العلم له فإن بعض من يحمل لواء الجهمية من المعاصرين قد طعن في نسبته إلى قتيبة دون أن يقيم
(1)(العلو للعلي الغفار) للذهبي ص 128 و 132
دليلا على صحة زعمه، مع أنه لم يسبقه إلى هذا الزعم أحد من أهل العلم، يدرك هذا من نظر في كتب العقيدة لأهل السنة والجماعة.
وهذا الطاعن هو حسن بن علي السقاف في تعليقه على كتاب (العلو) للذهبي (1)، بعد نقل الذهبي لقول قتيبة، قال:"هذا كذب لا يثبت، النقاش وضاع واه، له ترجمة في لسان الميزان 5/ 149، والكشف الحثيث عن من رمي بوضع الحديث برقم 643، توفي سنة 351هـ، وأبو أحمد الحاكم توفي سنة 398هـ عن ثلاث وتسعين سنة، ولا تصح له رواية عن السراج؛ لأن السراج ولد سنة 218هـ، وتوفي سنة 313 هـ كما في تاريخ بغداد 1/ 248، أي أن عمر الحاكم عند وفاته كان 7 سنوات، فكيف تصح الرواية عنه؟ ".
وسيرى القارئ الكريم أن هذا باطل وكذب فالنقاش لم يتفرد به.
وأبو أحمد الحاكم توفي سنة 378 هـ وليس كما زعم هذا الكذاب، وقد صحت روايته عن السراج، بل صحت رواية أبي أحمد الحاكم عن من توفي قبل السراج، مثل ابن خزيمة وابن فارس وغيرهم، وقد أثبتها الأئمة الحفاظ كما سيأتي.
لهذا رأيت أن أبين ثبوت هذا الاعتقاد وصحة نسبته لقتيبة، وإثبات أهل العلم له، ونقلهم منه، مع بيان موافقة هذا الاعتقاد
(1)(العلو) ص453