الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أهم العقبات المانعة للمرأة من ارتكاب الزنا نشوء الحمل الذي يعرضها للفضيحة والعقاب، فإذا زالت عن طريقها هذه العقبة كان ذلك تشجيعا لها لارتكاب الفاحشة، وهذا بلا شك مخالف لمقاصد الشريعة التي من أهدافها حفظ الكليات الخمس فيكون الإجهاض في هذه الحالة من أسباب ارتكاب الفاحشة، وارتكاب الفاحشة حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام (1).
فلهذا حرمت الشريعة الإسلامية الإجهاض، سواء كان الحمل عن طريق شرعي كالنكاح أو بطريق غير شرعي من سفاح. يضاف إلى ذلك أن الإجهاض في أي طور من الأطوار له مضار عديدة بالمجتمع وبالأم، وقد ثبت طبيا أن الإجهاض فيه ضرر كبير على صحة المرأة وله مؤثرات خطيرة على جهازها العصبي، وفي هذا يقول الدكتور فريدرك تاسيخ: إن من أضراره أن يهلك عددا غير معلوم من أفراد البشرية قبل أن يخرجوا إلى نور الحياة، ويذهب عددا ويحدث للمرأة مؤثرات مرضية لا يستهان بعددها تحدث للمرأة بعد ذلك (2).
ولهذا كله لا يجوز للمرأة إسقاط جنينها بأي حال من الأحوال، سواء أكان من طريق شرعي أم غير شرعي.
(1) التلويح على التوضيح لسعد الدين التفتازاني 2/ 126، مطبعة محمد صبيح بالقاهرة.
(2)
الإسلام وتنظيم الأسرة 2/ 406.
المبحث الثالث: الإجهاض الضروري وحالات إباحته
.
أتحدث بإذن الله تعالى في هذا المبحث عن أمرين: معنى الضرورة، وضوابطها التي لا بد من الالتزام بها لمن أرادت إسقاط جنينها، فأقول وبالله التوفيق.
أولا: معنى الضرورة:
1 -
الضرورة في اللغة: هي الاحتياج للشيء، يقال اضطره إليه أي أحوجه إليه (1).
2 -
والضرورة اصطلاحا: عرفها الفقهاء بتعاريف مختلفة في مبناها متحدة في معناها أرى أن أشملها: هو أن الضرورة بلوغ الإنسان حدا يخاف معه الهلاك أو الضرر الشديد على أحد الضروريات للنفس أو الغير يقينا أو ظنا إذا لم يفعل ما يدفع به الهلاك أو الضرر الشديد. وهذا التعريف يتناول
(1) تاج العروس شرح القاموس مادة ضر.
الضرورة والحاجة، إذ الحاجة هي المشقة الشديدة التي لا يخشى منها فوات النفس أو عضو من أعضاء البدن.
والضرورة: هي تلك التي يخشى منها ذلك (1)، فتكون الحاجة ضرورة مجازا باعتبار المال، فهي إذا استمرت تكون تمهيدا للضرورة الحقيقية (2). ومثال ذلك: إذا أصيبت المرأة بنزيف شديد ولكنه لا يؤدي إلى هلاكها عادة فهذه حاجة، فإذا استمر النزيف حتى أوصلها إلى درجة يخشى عليها الهلاك منه كان ذلك ضرورة. وإذا أطلقنا على الحاجة ضرورة مجازا فإنه يجب أن نراعي الفرق بينهما عند تطبيق الأحكام الشرعية، فلا نحكم بمقتضى الضرورة في موضع الحكم بمقتضى الحاجة. فالحاجة لا تبيح الحرام، أما الضرورة فهي التي تبيح الحرام، فلو أصيبت امرأة بنزيف شديد ولكن لا يؤدي بها إلى الهلاك في الغالب فهذا لا يبيح لها إجهاض جنينها؛ لأنها في حاجة، والحاجة لا تبيح الحرام.
أما إذا وصل بها الأمر لدرجة أنه يخشى من هذا النزيف أن يودي بحياتها حينئذ يجوز لها إسقاط جنينها لدفع الضرورة؛ لأن
(1) غمز العيون والبصائر 1/ 277، طبعة الكتب العلمية
(2)
أحكام القران لابن العربي 1/ 55.
الضرورات تبيح المحظورات، والمرجع في ذلك كله لأهل الخبرة وهم الأطباء المسلمون الحاذقون.
ثانيا: ضوابط الضرورة:
للضرورة ضوابط محددة ينبغي توافرها حتى نحكم بمقتضاها على إباحة الحرام، وهذه الضوابط هي:
1 -
أن تكون الضرورة داخلة ضمن المقاصد التي جاء الشرع لتحقيقها (1). وهذه المقاصد هي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ويجب مراعاة هذا الترتيب المذكور، فحفظ الدين مقدم على حفظ النفس، والنفس على العقل، والعقل على النسل، والنسل على المال. فلو تعارض حفظ النسل مع المال قدم حفظ النسل على المال. فلو أخبرنا الأطباء المسلمون بأن هذا الجنين يحتاج إلى مبالغ كثيرة لحفظه في بطن أمه فلا نقول نحن في ضرورة لإسقاطه، ولكن لا بد أن نقدم حفظ النسل على المال فنبذل المال في سبيل حفظ النسل.
2 -
ألا تؤدي إزالة الضرورة إلى ضرورة أكبر منها أو إلحاق مثلها بالغير. مثال ذلك: ما لو أخبرنا الأطباء الثقات بأن هذه الآلام الشديدة التي تعاني منها الأم تزول بإسقاط جنينها، فهذه الضرورة لا تبيح لها إسقاط جنينها، وذلك لأن دفع الضرر عن الأم يؤدي إلى ضرر أكبر منه وهو قتل الجنين،
(1) الموافقات للإمام الشاطبي 4/ 27، طبعة دار المعرفة بيروت.
من أجل ذلك ألغيت ضرورتها. وأما إذا تساوت الضرورتان ولم تترجح إحداهما على الأخرى، فلا تزال إحداهما على حساب الأخرى، لقاعدة الضرر لا يزال بمثله (1).
فقد جاء في تكملة البحر الرائق: امرأة حامل اعترض الولد بطنها ولا يمكن إلا بقطعه أرباعا، ولو لم يفعل يخاف على أمه من الموت، فإن كان الولد ميتا في البطن فلا بأس به، وإن كان حيا لا يجوز لأن إحياء نفس بقتل نفس أخرى لم يرد به الشرع (2).
وقال الإمام الدسوقي في حاشيته: إن حفظ النفس مقدم على حفظ العضو (3). وقال الإمام النووي: قال ابن سريج: إذا ماتت المرأة وفي جوفها جنين حي شق جوفها وأخرج فأطلق ابن سريج المسألة، وقال بعض أصحابنا: ليس هو كما أطلقها ابن سريج، بل يعرض على القوابل فإن قلن هذا الولد إذا أخرج. يرجى حياته وهو أن يكون له ستة أشهر فصاعدا شق جوفها وأخرج، وإن قلن لا يرجى بأن يكون له دون ستة أشهر لم يشق، لأنه لا معنى لانتهاك حرمتها فيما لا فائدة فيه. قال الماوردي: وقول ابن سريج هو قول أبي حنيفة، وهذا قول أكثر الفقهاء (4).
(1) غمز العيون والبصائر على الأشباه والنظائر 1/ 278، نظرية الضرورة الشرعية للدكتور جميل ص 458.
(2)
تكملة البحر الرائق.
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 137.
(4)
انظر. المجموع شرح المهذب 5/ 254، طبعة مطبعة الإمام.
وقال العز بن عبد السلام: " وأما ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه كقطع اليد المتآكلة حفظا للروح إذا كان الغالب السلامة فإنه يجوز قطعها، وإن كان إفسادا لها لما فيه تحصيل المصلحة الراجحة وهو حفظ الروح "(1).
وقال الإمام الخرقي: والمرأة إذا ماتت وفي بطنها ولد يتحرك فلا يشق بطنها، ويسطو عليه القوابل فيخرجنه أي تدخلن أيديهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه، فالمذهب عند الحنابلة أنه لا يشق بطن الميتة لإخراج ولدها مسلمة كانت أو ذمية (2).
3 -
أن تكون الضرورة حقيقية غير متوهمة. فالضرورة الحقيقية هي التي يعيش فيها الإنسان ولا يجد طريقا مشروعا يتخلص به منها كمن أصابها نزيف شديد ولم تجد طريقا لإيقافه إلا بإسقاط جنينها. أما إذا كانت الضرورة متوهمة وليست حقيقية كشعور المرأة بضيق في نفسها أو ارتفاع ضربات قلبها بسبب الحمل فليس لها إسقاط جنينها بهذه الأشياء ما لم يقل الأطباء بخطورة ذلك على الأم.
4 -
أن تقدر الضرورة بقدرها: وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (3). فإن الإنسان إن وقع في مخمصة فله أن يتناول المحظور عليه بمقدار ما يدفع به
(1) قواعد الأحكام في مصالح الأنام ج 2/ 92، طبعة دار الجيل.
(2)
المغني لابن قدامة 8/ 596.
(3)
سورة البقرة الآية 173
هذه المخمصة، فإذا اندفعت حرم عليه أن يقرب ذلك المحظور. وكذلك المرأة إذا وقعت في ضرورة فللأطباء أن يقدروا الضرورة بقدرها، وأن يعطوها العلاج المناسب الذي يدفع ضرورتها، فإذا زالت الضرورة وقفوا عند هذا الحد.
وبعد هذا الحديث الموجز عن تعريف الضرورة وضوابطها، أرى أن المرأة إذا وقعت في ضرورة فلها إسقاط جنينها، بشرط مراعاة هذه الضوابط الشرعية للضرورة. وسوف أذكر بعض الأمثلة التي من أجلها أباح الفقهاء للمرأة إسقاط جنينها وهي:
1 -
أن تحمل المرضع وينقطع لبنها بسبب الحمل وليس لولي الصبي ما يستأجر به المرضع أو يوفر له اللبن ويخشى هلاك الصبي ويخبره طبيب مسلم ثقة صادق أنها إن أجهضت عاد لبنها، فهنا ترتكب الضرر الأخف دفعا للضرر الأعظم وهو موت ولدها. ولكن هذه الصورة غير موجودة اليوم لوجود الألبان الصناعية التي تقوم مقام لبن الأم.
2 -
هزال المرأة وضعفها إذا كانا شديدين بحيث لا تحتمل عبء الحمل وخيف على حياتها وكان هلاكها راجحا عادة.
3 -
المريضة بالقلب أو بالنزيف الحاد في أشهر الحمل، أو مريضة بأمراض معدية، أو من لا تستطيع أن تلد إلا بعمليات جراحية متكررة ويخشى على حياتها، وغير ذلك من الأمراض المتنوعة التي يحكم الأطباء بأنها تؤدي إلى موت الأم، وقد رأت اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية التي تصدر عن وزارة الأوقاف في الكويت أن الحفاظ على حياة الأم أولى بالاعتبار