الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دون الله، فهم يعظمون أولئك الموتى؛ لهوى أنفسهم، وقضاء وطرهم، لا حبا في الإيمان والمؤمنين؛ ولذلك تراهم ينتقلون من ميت لآخر إذا لم يجدوا حاجتهم قضيت عند الأول. وهكذا نرى السدنة إذا انتقلوا من وظيفة عند هذا الولي الذي كان في نظرهم كبيرا، أصبح الولي الذي انتقلوا عند قبره أعظم بركة وأكثر كرامات. فهؤلاء جميعا لا يتبعون إلا هوى أنفسهم، وهم كاذبون أعظم الكذب في دعواهم حب الأولياء والصالحين " (1).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز عند شرح الحديث: " وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم يقال: ذات أنواط "، قال رحمه الله:"كما يعكف اليوم عباد القبور عندها ويجاورون معتقدين أن لهم بذلك الزلفى والقربى، ويعتقد الجاهلون لهم ذلك، فيعاونونهم بالنذور لتلك القبور والصدقات؛ قربة لأولئك الموتى، وكل ذلك من الشرك الأكبر " اهـ (2).
(1) فتح المجيد، ص 141 هامش.
(2)
فتح المجيد، ص142
زيارة القبور للنساء:
قال ابن تيمية: "صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن الله زوارات القبور» ، رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد
والسرج»، رواه أهل السنن الأربعة، وأخرجه أبو حاتم في صحيحه.
وقال ابن تيمية: " وعلى هذا العمل في أظهر قولي أهل العلم " وهو المنع من زيارتهن ".
القول الثاني: السماح للنساء بزيارة القبور؛ للحديث: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزورها، فإنها ترقق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرا (1)» ، رواه أحمد والحاكم.
فأجاب ابن تيمية فقال: فإن قيل: فالنهي عن ذلك منسوخ، كما قال أهل القول الآخر - يعني بالجواز- قيل: هذا ليس بجيد؛ لأن قوله: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها (2)» ، هذا خطاب للرجال دون النساء، فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور. وقال: وقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله زوارات القبور» خاص بالنساء دون الرجال، ألا تراه يقول:«لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» ، سواء كانوا رجالا أو نساء لعنهم الله. وأما الذين يزورون القبور فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال " (3).
أقول: ولا شك أن هذا تخريج جيد من شيخ الإسلام ابن تيمية، فالنسخ لم يشمل النساء.
(1) صحيح مسلم الجنائز (977)، سنن الترمذي الجنائز (1054)، سنن النسائي الجنائز (2033)، سنن أبو داود الأشربة (3713).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (1/ 145).
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية، ص 360، 361، ج 24.
قال ابن قدامة: اختلفت الرواية عن أحمد في زيارة النساء القبور، فروي عنه كراهتها؛ لما روت أم عطية، قالت:«نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا (1)» ، رواه مسلم. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لعن الله زوارات القبور» ، وقال: هذا خاص في النساء، والنهي المنسوخ كان عاما للرجال والنساء، ويحتمل أنه كان خاصا للرجال، فأقل أحواله الكراهة.
ثم قال ابن قدامة: ولأن المرأة قليلة الصبر، كثيرة الجزع، وفي زيارتها للقبر تهييج لحزنها، وتجديد لذكر مصابها، ولا يؤمن أن يفضي بها ذلك إلى فعل ما لا يجوز، بخلاف الرجل (2).
(1) صحيح البخاري الجنائز (1278).
(2)
المغني لابن قدامة، ص424، 425، ج2
المرأة ضعيفة تغلب عليها العاطفة:
ما أشار إليه ابن قدامة فهو عين الصواب، فالمرأة تغلب عليها العاطفة، فلا تصبر عند المصيبة، فيعتريها الجزع والهلع؛ لضعفها، فإذا ما وقفت على قبر المزار غالبا، تسخطت على أقدار الله بدون وعي، ومن غير مبالاة، وهذا هو الغالب في النساء، ولربما تكلمت بكلمة تسخط أو اعتراض على أقدار الله، فيكون في ذلك هلاكها، كما جاء في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وإن العبد يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم (1)» ، رواه البخاري.
(1) رياض الصالحين، رقم (1513)
فالشرع القويم لما منع المرأة من زيارة القبور كان ذلك رحمة بها، وحفظا لها، وسدا للذريعة المفضية إلى الهلاك.
والقرآن الكريم أشار إلى أن المرأة لا تملك نفسها غالبا في المستجدات بالنسبة لها، أو عند المصيبة، فقد قص علينا خبر " سارة " أم إسحاق لما بشر نبي الله إبراهيم عليه السلام: بإسحاق، قال تعالى:{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} (1)، قال القرطبي في تفسيره: أقبلت في صيحة وضجة، وقال ابن عباس: صكت وجهها لطمته. ولا شك أن هذا حال النساء عند المصيبة، فهي تمرط شعر رأسها، أو تشق ثيابها، أو تلطم وجهها مع صياحها وعويلها، وهذا نقص في النساء.
وبالمقابل موقف إبراهيم عليه السلام، لما بشرته الملائكة بإسحاق، قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} (2).
فالفارق كبير بين عقلية الرجال وعقلية النساء؛ ولهذا جعل الله شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد، وأيضا لا تقبل شهادة المرأة في الحدود والقصاص والجنايات، وفي الزواج والطلاق.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري.
(1) سورة الذاريات الآية 29
(2)
سورة إبراهيم الآية 39
فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي - ولم تعرفه - فقيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك.
فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى (1)»، متفق عليه.
(1) رياض الصالحين، رقم (31)
رأي الإمام القرطبي في زيارة المرأة للقبور:
قال ابن حجر: قال القرطبي: "قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله زوارات القبور»، هذا اللعن بالمكثراث من الزيارة لما تقضيه الصفة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج، والتبرج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء "(1).
أقول: ما ذكره القرطبي فيه نظر، فليس النهي لئلا تضيع المرأة حق الزوج، فالأمر أهم من ذلك؛ لما يترتب على زيارة القبور للنساء من مفاسد لا حصر لها.
فإن الأدلة الشرعية على منع النساء من زيارة القبور كافية للاستدلال بها على الحرمة، وقد صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وأشار، وكذلك ابن قدامة على الكراهة، والكراهة إذا أطلقت تفيد كراهة تحريم، وخصوصا النهي بصيغة اللعن، وهذا
(1) فتح الباري، ص149، ج3
وعيد شديد لمن خالف النهي.
وأما قوله: النهي للمكثرات من زيارة القبور لصيغة المبالغة في النهي. فقوله هذا مرجوح؛ لأنه تخصيص بدون مخصص، فالخطاب عام، وصيغة المبالغة لتأكيد الحرمة. ومثل ذلك قول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1)، فالآية المذكورة ليس لها مفهوم مخالفة، بحيث تبيح قليل الربا وتحرم كثيره، هذا لم يقل به عالم. فالآية أشارت إلى ما كانت عليه الجاهلية؛ كان الغريم - وهو الدائن - إذا جاء وقت سداد الدين، قال للمدين:" إما أن تقضي وإما أن تربي "، فإذا عجز عن السداد تضاعفت عليه الفائدة الربوية حتى تصبح أضعافا مضاعفة. فالربا كثيره وقليله حرام بإجماع علماء الإسلام.
وكذلك الحال في زيارة القبور للنساء، فالحديث ما حرم زيارة القبور على المكثرات من الزيارة، وأباح لغير المكثرات كما قاله القرطبي. فالحديث عام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لعن الله زوارات القبور» ، فالحديث شمل الجميع المكثرات وغير المكثرات، وهذا هو الحق إن شاء الله. ومنعهن رحمة بهن.
(1) سورة آل عمران الآية 130
مدح العلماء وذم عباد القبور:
وللإمام الصنعاني قصيدة في مدح الشيخ محمد عبد الوهاب إمام الدعوة السلفية، وذم عباد القبور. وهذه مقتطفات منها، قال
الصنعاني في ديوانه المشهور: (1).
سلامي على نجد ومن حل في نجد
…
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
لقد صدرت من سفح صنعا سقى الحيا
…
رباها وحياها بقهقهة الرعد
سرت من أسير ينشد الريح إن سرت
…
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
يذكرني مسراك نجدا وأهله
…
لقد زادني مسراك وجدا على وجد
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
…
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي لسنة أحمد
…
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه
…
يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل
…
ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما
…
مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
(1) ديوان الصنعاني، ص128 - 132
أعادوا بها معنى سواع ومثله
…
يعوق وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها
…
كما يهتف المضطر بالواحد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
…
أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل
…
ومستلم الأركان منهن بالأيدي
وأسأل الله - جل وعلا - أن يرد المسلمين إلى دينهم، وأن يثبتنا على الحق المبين، فهو نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.