الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحكم باستوائهما، فيكون اللفظ مجملا لاستواء الاحتمالين فيهما، فيحتاج إلى بيان المقصود من الاحتمالين بنية أو دليل خارج. . . وإذا علمت ذلك فاعلم: أن قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أبي مثلا لا ينصرف في الحقيقة العرفية إلى الاستمتاع بالوطء أو مقدماته؛ لأن العرف ليس فيه استمتاع بالذكور فلا يكون فيه ظهار، وأما على تقديم الحقيقة اللغوية فمطلق تشبيه الزوجة بمحرم ولو ذكرا يقتضي التحريم، فيكون بمقتضى اللغة له حكم الظهار " (1).
وعلى هذا فإن نوى بهذا اللفظ الظهار أو لم ينو شيئا، فكفارة يمين، وإن نوى الطلاق فطلقة؛ لما تقدم في المطلب السابق.
(1) أضواء البيان 6/ 522
المطلب السادس: تشبيه عضو من أعضاء الزوجة بظهر الأم أو بعضو من أعضائها:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أن يشبه عضوا من أعضاء زوجته بظهر أمه.
المسألة الثانية: أن يشبه زوجته بعضو من أعضاء أمه غير الظهر.
المسألة الثالثة: أن يشبه عضوا من أعضاء زوجته بعضو من
أعضاء أمه غير الظهر.
المسألة الأولى: أن يشبه عضوا من أعضاء زوجته بظهر أمه:
مثل أن يقول: ظهرك، أو يدك، أو رأسك علي كظهر أمي. فاختلف العلماء في كونه ظهارا على أقوال:
القول الأول: أنه لا يكون ظهارا حتى يشبه جملة امرأته.
وهو قول عند الشافعية (1)، ورواية عن الإمام أحمد (2).
وعند الظاهرية: لا يكون ظهارا مطلقا؛ إذ الظهار عندهم لا يكون إلا بتكرار لفظ الظهار- أنت علي كظهر أمي- مرة أخرى (3).
وحجة هذا القول:
1 -
أنه ليس منصوصا، ولا في معنى المنصوص عليه.
2 -
أنه لو حلف لا يمس عضوا منها، فلا يسري إلى غيره فكذا المظاهرة.
3 -
أن التشبيه بالجملة تشبيه بمحل الاستمتاع بما يتأكد تحريمه، وفيه تحريم لجملتها، فيكون آكد (4).
(1) مغني المحتاج 3/ 353، وتكملة المجموع الثانية 17/ 347
(2)
المغني 11/ 64
(3)
المحلى 10/ 50، وانظر: ص 340
(4)
المغني 11/ 64
4 -
ولأن التشبيه بالعضو ليس على صورة الظهار المعهودة في الجاهلية (1).
القول الثاني: أنه إن شبه عضوا من زوجته يعبر به عن الكل كالرأس، أو جزءا مشاعا من زوجته كالنصف، والربع ونحو ذلك بظهر أمه، فظهار، وإلا فلا.
وهو مذهب الحنفية (2).
وحجة هذا القول: أن العضو الذي يعبر به عن الكل قائم مقام الجملة.
وأيضا: العضو الذي يعبر به عن جميع البدن، الإضافة إليه إضافة إلى جميع البدن. والجزء الشائع يشمل الظهر (3).
ونوقش: على تسليم هذا التعليل، فإنه لا يلزم من ذلك صحة الظهار؛ لما استدل به أهل القول الأول.
القول الثالث: أنه ظهار مطلقا.
وهو مذهب المالكية، والحنابلة (4).
(1) مغني المحتاج 3/ 353.
(2)
أحكام القران للجصاص 3/ 423، والمبسوط 6/ 234، وبدائع الصنائع 3/ 233، وحاشية ابن عابدين 3/ 466.
(3)
ينظر إلى: المصادر السابقة.
(4)
الشرح الكبير مع الإنصاف 23/ 231، ومعونة أولي النهى 7/ 702، والإقناع مع شرحه 5/ 369.
وسواء شبه عضوا، أو جزءا مشاعا كالنصف والربع، ونحو ذلك.
لكن عند الحنابلة: إن كان العضو في حكم المنفصل كالشعر والسن والظفر فتشبيهه بظهر الأم ليس ظهارا، لعدم ثبوتها، وكذلك ريق الزوجة وروحها، ودمها، وعرقها.
ونص المالكية على أن تشبيه الشعر والريق بظهر الأم ظهار.
فظاهر كلام المالكية: أن ما كان موضع تلذذ، فتشبيهه بظهر الأم ظهار.
وحجة هذا القول:
1 -
أن تشبيه العضو بمنزلة تشبيه الجملة، بجامع تحريم الاستمتاع في كل منهما (1).
ونوقش: بوجود الفرق كما في أدلة الرأي الأول.
2 -
أنه لفظ يقتضي تحريم الوطء، فإذا علق بعضو سرى إلى الجملة كالطلاق (2).
3 -
أنه يصح إضافة الطلاق إلى العضو، فصح إضافة الظهار إليه (3).
(1) الإشراف 2/ 147
(2)
الإشراف 2/ 147
(3)
أحكام القرآن لابن العربي 4/ 1749
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: عدم تسليم الأصل المقيس عليه، فهو موضع خلاف بين أهل العلم.
الوجه الثاني. وجود الفرق بين الطلاق والظهار؛ إذ لو سلم الطلاق، فلا يسلم الظهار، إذ المناط في الظهار تشبيه جماع الزوجة بجماع الأم في التحريم، وهذا لا يتحقق بالإضافة إلى بعض الأعضاء.
4 -
أن الشعر ونحوه مما ينفصل لا يكون ظهارا؛ لأنه ليس من الأعضاء الثابتة، ولا يقع الطلاق بإضافته إليها، فكذلك الظهار (1).
القول الرابع: أنه إن شبه عضوا من أعضاء زوجته كاليد، والبطن والصدر والشعر ونحو ذلك من الأعضاء التي لا تذكر في موضع الكرامة والإعزاز أو شبه جزءا شائعا من زوجته، فظهار.
وإن كان العضو كالرأس والعين ونحو ذلك مما يذكر في موضع الكرامة والإعزاز، فليس ظهارا إلا إن نوى الظهار.
وهذا مذهب الشافعية (2).
وحجة هذا القول:
1 -
أن يد الزوجة، وبطنها، وظهرها ونحو ذلك لا تذكر في
(1) الشرح الكبير مع الإنصاف 23/ 231، ومعونة أولي النهي 7/ 702، والإقناع مع شرحه 5/ 369
(2)
المنهاج وشرحه مغني المحتاج 3/ 353
موضع الكرامة والإعزاز، فلا يحتمل تشبيهها بظهر الأم إلا الظهار.
2 -
أن عين الزوجة ورأسها ونحو ذلك مما يذكر في موضع الكرامة والإعزاز فتشبيهها بظهر الأم يحتمل الظهار وغيره كالكرامة، فلا يكون ظهارا إلا بنيته، دون نية الكرامة، أو الإطلاق (1).
ونوقش: بأن محصل هذا الدليل بأن ما لا يذكر من الأعضاء في موضع الكرامة فتشبيهه بظهر الأم ظهار، وأن ما يذكر في موضع الكرامة فتشبيهه بظهر الأم ليس ظهارا إلا مع النية، وهذه دعوى تحتاج إلى دليل.
الترجيح:
يترجح - والله أعلم - ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وأنه لا يكون مظاهرا حتى يشبه جملة زوجته؛ لما تقدم في المطلب الرابع من المبحث الثاني.
وقد يستثنى من ذلك ما إذا شبه عضوا يفيد تشبيه جماع الزوجة بجماع الأم في الحرمة، كالفرج، والله أعلم.
(1) المصادر السابقة
المسألة الثانية: أن يشبه زوجته بعضو من أعضاء أمه غير الظهر:
مثل أن يقول: أنت علي كيد أمي، أو رأسها، أو رجلها، ونحو ذلك.
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: أنه ليس ظهارا. وهو قول للشافعي.
واستثنى بعض الشافعية: الفرج. فقال: إن تشبيه الزوجة بفرج الأم ظهار (1).
وحجة هذا القول: ما تقدم من حجة القول الأول في المسألة السابقة (2).
القول الثاني: أنه إذا شبه زوجته بعضو يحرم النظر إليه من الأم كالفرج والفخذ ونحوهما فظهار، وإن لم يحرم النظر إليه كالرأس والوجه ونحوهما لم يكن مظاهرا.
وهو مذهب الحنفية (3).
وحجة هذا القول:
1 -
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} (4).
وجه الدلالة: أن الظهار أن يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي، والظهر لا يحل النظر إليه، فوجب أن يكون سائر ما لا يستباح النظر إليه في حكمه، وما يجوز النظر إليه فليس فيه دلالة على تحريم الزوجة بتشبيهها به؛ إذ ليس تحريمها من الأم مطلقا، فوجب أن لا يصح الظهار به (5).
(1) روضة الطالبين 8/ 263، ومغني المحتاج 3/ 353
(2)
انظر: ص 350
(3)
المبسوط 6/ 233، وبدائع الصنائع 3/ 233
(4)
سورة المجادلة الآية 2
(5)
أحكام القرآن للجصاص 3/ 423
ونوقش: بعدم التسليم؛ إذ ليس المناط التشبيه بما يحرم النظر إليه، بل المناط تشبيه جماع الزوجة جماع الأم، والله أعلم.
2 -
أنه لما جاز له استباحة النظر إلى هذه الأعضاء، أشبه سائر الأشياء التي يجوز أن يستبيح النظر إليها مثل الأموال، والأملاك (1).
ونوقش: بما تقدم.
3 -
أنه شبهها بعضو لا يحرم النظر إليه، فلم يكن مظاهرا، كما لو شبهها بعضو زوجة له أخرى (2).
ونوقش: بوجود الفرق بين الزوجة والأم، فإنه لو شبهها بظهر زوجته لم يكن مظاهرا، وكذا فإن النظر إلى عضو الأم إن لم يحرم، فإن التلذذ به يحرم.
قال القرطبي عن قول أبي حنيفة: " وهذا لا يصح؛ لأن النظر إليه على طريق الاستمتاع لا يحل له، وفيه وقع التشبيه، وإياه قصد المظاهر "(3).
القول الثالث: أنه ظهار مطلقا. وهو مذهب المالكية (4).
(1) المصدر السابق
(2)
أحكام القران للجصاص 3/ 423، والمبسوط 6/ 233، وحاشية ابن عابدين 3/ 466.
(3)
أحكام القرآن للقرطبي 17/ 374.
(4)
المدونة 2/ 296، أحكام القرآن للقرطبي 17/ 374، الشرح الكبير وحاشية 2/ 439، والشرح الصغير 1/ 484
والحنابلة (1).
وحجة هذا القول:
1 -
أنه شبه زوجته بعضو من أعضاء أمه، فكان مظاهرا، كما لو شبهها بظهرها.
2 -
أنه عضو يحرم التلذذ به، فكان كالظهر (2).
ونوقش هذان الدليلان: بأن محصلهما إلحاق بقية الأعضاء بالظهر، وهذا قياس مع الفارق؛ إذ التشبيه بالظهر معناه. تشبيه جماع الزوجة بجماع الأم.
القول الرابع: أنه إن شبه زوجته بعضو من أعضاء أمه كاليد والبطن والشعر، ونحو ذلك مما لا يذكر في موضع الكرامة، أو شبه زوجته بعضو شائع من أمه فظهار. وإن شبهها برأس أمه أو عينها، ونحو ذلك مما يذكر موضع الكرامة والإعزاز، فليس ظهارا، إلا مع نيته.
وهذا مذهب الشافعية (3).
وحجة هذا القول: ما تقدم من حجة قولهم في المسألة السابقة.
(1) معونة أولي النهى 7/ 207، وكشاف القناع 5/ 369.
(2)
المصادر السابقة
(3)
الأم 5/ 277، وروضة الطالبين 8/ 263، ومغني المحتاج 3/ 353.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم- القول الأول؛ لما تقدم في المطلب الرابع من المبحث الثاني، وقد يستثنى من ذلك ما إذا شبه زوجته بعضو يفيد تشبيه جماع الزوجة بجماع الأم في الحرمة، كالفرج، والله أعلم.
المسألة الثالثة: تشبيه عضو من أعضاء زوجته بعضو من أعضاء أمه غير الظهر:
كأن يقول: يدك كيد أمي، أو كرجل أمي. . . ونحو ذلك فاختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول: أنه لا يكون مظاهرا حتى يشبه جملة أمه وهو قول للشافعي (1)، ورواية عن الإمام أحمد (2).
وتقدم دليل هذا القول في المسألة السابقة (3).
القول الثاني: أنه إذا شبه عضوا من أعضاء زوجته مما يعبر به عن الكل كالرأس، أو جزءا مشاعا كالنصف والربع ونحو ذلك بعضو يحرم النظر إليه من أمه كالفخذ ونحوه كان مظاهرا.
وهذا مذهب الحنفية (4). وتقدم دليلهم.
(1) المصادر السابقة ص 355
(2)
المصادر السابقة ص 357
(3)
انظر ص355
(4)
المصادر السابقة ص 355
القول الثالث: أنه ظهار مطلقا. وهو مذهب المالكية (1)، والحنابلة (2).
لكن عند المالكية سواء كان العضو في المشبه، أو المشبه به في حكم المتصل كاليد والرجل، أو المنفصل كالشعر والريق.
وعند الحنابلة وبعض المالكية: أن العضو إذا كان في حكم المنفصل كالشعر لا يكون تشبيهه أو التشبيه به في حكم الظهار. وتقدم دليل هذا القول (3).
القول الرابع: إن كان العضو المشبه، أو المشبه به كاليد أو البطن أو الشعر ونحو ذلك مما لا يذكر في موضع الكرامة والإعزاز فظهار وإن كان العضو كالرأس والعين ونحو ذلك مما يذكر في موضع الكرامة والإعزاز فليس ظهارا إلا مع نيته.
وهو مذهب الشافعية (4). وتقدم دليله (5).
الترجيح:
الراجح- والله أعلم- ما ذهب إليه أهل القول الأول لما تقدم في المطلب الرابع من المبحث الثاني. وقد يستثنى من ذلك ما إذا شبه عضوا من أعضاء زوجته بعضو من أعضاء أمه يفيد
(1) المصادر السابقة ص 356
(2)
المصادر السابقة ص 357
(3)
انظر: ص 356
(4)
انظر: ص 355
(5)
انظر: ص 355