الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسبب الجناية حسب التفصيل السابق ذكره، فهل يقتصر على ذلك جزاء للجناية على الجنين أم أنه يجب على الجاني عقوبات أخرى مثل الكفارة. والحرمان من الميراث وكلاهما يعد حقا من حقوق الله تعالى؟ هذا ما سنوضحه بحول الله وقوته فيما يأتي:
المبحث الثامن: الكفارة للجناية على الجنين ومن تجب عليه:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الكفارة للجناية على الجنين:
إن الكفارة عقوبة فيها معنى العبادة؛ لأنها تؤدى بالمال أو الصيام، كذلك تكفر الذنب وتقرب العبد من الله عز وجل، وقد أوجبها الشارع الحكيم في بعض الحالات، فهل هي واجبة على من أسقط جنينا أم لا؟
اختلف الفقهاء في إيجابها في الجناية على الجنين على مذهبين:
1 -
فذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب الكفارة جزاء الجناية على الجنين مطلقا، سواء ألقت الأم الجنين حيا أو ميتا ووافقهم الحنفية فيما لو ألقت الأم الجنين حيا ثم مات، ووافقهم الظاهرية في حالة ما إذا كان الإسقاط بعد أربعة أشهر (1)؛ وذلك
(1) تكملة المحلى لأبي رافع 11/ 31.
وجه الدلالة من هذه الآية: أن هذه الآية أوجبت الكفارة مع الدية في القتل الخطأ، ولا شك أن الجناية على الجنين قتل خطأ أو شبه عمد، فيدخل في عموم هذه الآية. كما أن الجنين مضمون بالدية فوجبت فيه الكفارة، إلا أن الأحاديث بينت أن دية الجنين نصف عشر الدية فتظل الكفارة كما هي على الوجوب حيث لا دليل على إلغائها.
وبما روي عن الزهري في رجل ضرب امرأته فأسقطت، قال:" يغرم غرة وعليه عتق رقبة ولا يرث من تلك الغرة شيئا ".
وقال إبراهيم النخعي في المرأة تشرب الدواء أو تستدخل الشيء فيسقط ولدها قال: " تكفر وعليها غرة "(2).
واستدل الأحناف على ما ذهبوا إليه بأن الجنين حينما خرج حيا فمات علم أنه كان حيا وقت الضرب، فأدى الضرب إلى قتل
(1) سورة النساء الآية 92
(2)
المغني مع الشرح 9/ 667. .
النفس، وأنه في معنى الخطأ، فتجب فيه الدية والكفارة.
2 -
وذهب المالكية إلى عدم وجوب الكفارة للجناية على الجنين سواء ألقي حيا أو ميتا بل هي مستحبة فقط، ووافقهم الحنفية في حالة ما إذا نزل الجنين ميتا.
ووافقهم الظاهرية إن كان الإسقاط قبل أربعة أشهر. واستدلوا جميعا على ذلك: بأن الكفارة عقوبة فيها معنى العبادة شرعت لتكفير الذنب ومحو الجرم الذي اقترفه المذنب بالتقرب إلى الله عز وجل، وقد عرفت في النفوس الكاملة بالنص، فلا يقاس عليها الجنين؛ وذلك لأن الجنين نفس من وجه دون وجه، بدليل أنه لا تجب فيه كمال الدية؛ ولأن الكفارة من باب المقادير، والمقادير لا تعرف بالرأي والاجتهاد بل بالتوقيف، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا حين تحدث في الجناية على الجنين، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، مع أن الحال حال الحاجة إلى بيان.
الرأي المختار:
وبعد فإنني أرى أن الجنين إن انفصل عن أمه ميتا لا يجب فيه الغرة؛ وذلك لوجود الشك في الجناية: هل هي التي قتلته أم