الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة الحكم وأقسامه
اعلم أنَّه رحمه الله ترجم هذه الترجمة التي لفظها (حقيقة الحكم وأقسامه) ولم يبين حقيقة الحكم ولا أقسامه، وإنَّما ذكر منها الأقسام الشرعية فقط، ونحن نبين كل ذلك إن شاء اللَّه تعالى.
اعلم أنَّ الحكم في اللغة: هو المنع. ومنه قيل للقضاء: حكم؛ لأنه يمنع من غير المَقْضِيِّ.
تقول: حَكَمَه كنَصَرَه، وأحكمه كأكرمه، وحكَّمه بالتضعيف بمعنى منعه. ومنه قول جرير:
أَبَنِي حنيفة أَحْكِمُوا سفهاءكم
…
إني أخافُ عليكمُ أن أغضبا
وقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لنا في كل يومٍ مِن مَعَدٍّ
…
سبابٌ أو قتالٌ أو هجاءُ
فنحكم بالقوافي مَنْ هجانا
…
ونضرب حين تختلط الدماءُ
ومن الحكم بمعنى المنع: حَكَمَةُ اللجام، وهي ما أحاط بحنكي الدابة، سُمِّيَتْ بذلك لأنَّها تمنَعها من الجري الشديد.
والحَكَمةُ أيضًا: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه، تمنعه من مخالفة راكبه، وكانت العرب تتخذها من القِدِّ والأبق وهو القنب. ومنه قول زهير:
القائد الخيل منكوبًا دوابرها
…
قد أحكمت حكمات القِدِّ والأبقا
والحكم في الاصطلاح هو: إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه. نحو: زيد قائم وعمرو ليس بقائم.
وهو ينقسم بدليل الاستقراء إلى ثلاثة أقسام:
1 -
حكم عقلي: وهو ما يعرف فيه العقلُ النسبةَ إيجابًا أو سلبًا. نحو: الكل أكبر من الجزء إيجابًا. الجزء ليس أكبر من الكل سلبًا.
2 -
حكم عادي: وهو ما عرفت فيه النسبة بالعادة. نحو: السيقمونيا مسهل للصفراء، والسكنجبين مسكن لها.
3 -
حكم شرعي: وهو المقصود، وحَدَّه جماعة من أهل الأصول بأنه: خطاب اللَّه المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف به.
فخرج بقوله: "خطاب اللَّه" خطاب غيره؛ لأنه لا حكم شرعيًّا إلا لله وحده جلَّ وعلا، فكل تشريع من غيره باطل، قال تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام/ 57]، {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى/ 10]، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء/ 59].
وخرج بقوله: "المتعلق بفعل المكلف" ما تعلق بذات اللَّه تعالى، نحو:"لا إله إلا اللَّه"، وما تعلق بفعله نحو قوله تعالى:{خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [الأنعام/ 102]، وما يتعلق بذوات المكلفين نحو:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} الآية [الأعراف/ 11]، وما تعلق بالجمادات نحو:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف/ 47].
وخرج بقوله "من حيث أنه مكلف به" خطاب اللَّه تعالى المتعلق بفعل المكلَّف لا من حيث أنه مكلَّف به، كقوله تعالى:{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار/ 12]، فإنه خطاب من اللَّه متعلق بفعل المكلف من حيث إن الحفظة يعلمونه، لا من حيث إنه مكلف به.
واعلم أنَّ عبارات الأصوليين اضطربت في تعريف الحكم الشرعي، وسبب اضطرابها أمران:
أحدهما: أنَّ بعضَ المكلفين غير موجود وقتَ الخطاب، والمعدوم ليس بشيء حتى يخاطب.
ثانيهما: زعمهم أنَّ الخطاب هو نفس المعنى الأزلي القائم بالذات المجردِ عن الصيغة.
وسنبين إن شاء اللَّه تعالى غلطهم الذي سبَّب لهم تلك الإشكالات في مبحث الأمر.
واعلم أنَّ الحكم الشرعيَّ قسمان:
أولهما: تكليفي، وهو خمسة أقسام: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام.
والثاني: خطاب الوضع، وهو أربعة أقسام: العلل والأسباب والشروط والموانع.
وأدخل بعضُهم فيه الصحةَ والفساد، والرخصةَ والعزيمة، وبعضُهم يجعل الصحة والفساد من خطاب التكليف.