الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَاجْلِدُوا} [النور/ 2]؛ لأنَّنا نقولُ: هذا القياسُ مقدَّم على ذاك العمومِ ومخصصٌ له، لأنَّه أخصُّ منه في محلِّ النزاع.
فائدة:
اعلمْ أنَّ أول مَنْ قاس قياسًا فاسدَ الاعتبار إبليسُ، حيث عارضَ النصَّ الصريحَ الذي هو السجودُ لآدمَ بأنْ قاسَ نفسه على عنصره، وقاسَ آدمَ على عنصره، فأنتج من ذلك أنَّه خيرٌ من آدم، وأنَّ كونه خيرًا من آدمَ يمنعُ سجودَه له المنصوصَ عليه من اللَّه.
وقياسُ إبليس هذا مردودٌ مِنْ ثلاثةِ أوجه:
الأول: هو ما ذُكِرَ من كونه فاسدَ الاعتبارِ لمخالفةِ النصِّ.
الثاني: منعُ كونِ النارِ خيرًا من الطينِ، بأنَّ النار طبيعتها الخفةُ والطيشُ والإفسادُ والتفريق، وأنَّ الطينَ طبيعتُه الرزانةُ والإصلاحُ، تودعه الحبةَ فيعطيكها سنبلةً، والنواةَ فيعطيكها نخلةً، وإذا نظرتَ إلى ما في البساتينِ الجميلةِ مِنْ أنواع الفواكه والحبوب والزهورِ عرفتَ أنَّ الطينَ خيرٌ من النار.
الثالث: أنَّا لو سلمنا جدليًّا أنَّ النار خيرٌ من الطينِ، فشرفُ الأصلِ لا يستلزمُ شرف الفرعِ، فكمِ من أصلٍ رفيعٍ وفرعُه وضيعٌ.
إذا افتخرتَ بآباءٍ لهم شرف
…
قلنا: صدقتَ ولكن بئس ما ولدوا
السؤالُ الثالث: فساد الوضع:
وضابطُه: أنْ يكونَ الدليلُ على غير الهيئة الصالحةِ لأخذِ الحكمِ
منه.
كأنْ يكونَ صالحًا لضدِّ الحكمِ أو نقيضِه، كأخذ التوسيع من التضييق، والتخفيفِ من التغليظ، والنفي من الإثبات، أو الإثباتِ من النفي.
فمثالُ أخذ التوسيعِ من التضييقِ: قولُ الحنفيِّ: الزكاةُ واجبةٌ على وجه الإرفاقِ لدفع حاجة المسكين، فكانت على التراخي، كالديةِ على العاقلة.
فالتراخي الموسعُ ينافي دفع الحاجةِ المضيق.
ومثالُ أخذ التخفيفِ من التغليظِ: قولُ الحنفيِّ: القتلُ العمدُ العدوانُ جنايةٌ عظيمةٌ فلا تجبُ فيه الكفارةُ، كالردَّة.
فعظمُ الجنايةِ يناسبُ تغليظَ الحكمِ، لا تخفيفَه بعدمِ الكفارة.
ومثالُ أخذِ النفي من الإثباتِ: قولُ الشافعيِّ في معاطاةِ المحقرات: لم يوجد فيها سوى الرضا، فلا ينعقدُ بها البيعُ، كغير المحقرات.
فالرضا يناسبُ الانعقادَ لا عدمَه.
ومثالُ أخذ الإثباتِ من النفي: قولُ من يرى صحةَ انعقاد البيع في المحقراتِ وغيرها بالمعاطاةِ، كالمالكيةِ: بيعٌ لم توجد فيه الصيغةُ فينعقدُ.
فإنَّ انتفاء الصيغةِ يناسبُ عدمَ الانعقادِ لا الانعقاد.
واعلمْ أنَّ من صور فساد الوضعِ كون الوصف الجامعِ ثبتَ اعتبارُه
بنصٍّ أو إجماع في نقيضِ الحكمِ أو ضدِّه، أعني الحكم في قياسِ المستدلِّ، كقول الحنفيِّ: الهرُّ سبعٌ ذو نابٍ فيكونُ سؤرُه نجسًا كالكلبِ.
فيقالُ: وصفُ السبعيةِ اعتبره الشارعُ علةً للطهارةِ حيثُ دُعِيَ إلى دارٍ فيها كلبٌ فامتنعَ، وإلى دارٍ فيها سنَّورٌ فلم يمتنعْ، فسئل عن ذلك فقال: الهرُّ سبعٌ.
مثَّل بهذا بعضُ الأصوليين.
والظاهرُ أنَّه على تقدير ثبوتِ الحديثِ، قد يكونُ الامتناعُ عن دارٍ فيها كلبٌ من أجلِ أنَّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتًا فيه كلبٌ. واللَّه أعلم.
وعرَّف في "المراقي" فساد الوضعِ بقوله:
من القوادحِ فسادُ الوضعِ أن
…
يجي الدليلُ حائدًا عن السنن
كالأخذِ للتوسيعِ والتسهيل
…
والنفي والإثباتِ مِنْ عديل
والجواب عن فسادِ الوضعِ بأحدِ أمرين:
الأول: أنْ يَدْفَعَ قول الخصم: إنَّه يقتضي نقيضَ الحكم، كقول الحنفي: قولكم: إن القتل عمدًا يقتضي نقيضَ نفي الكفارةِ الذي هو وجوبها مدفوعٌ؛ فإنَّ جناية القتل لعظمها تستدعي أمرًا أغلظَ من الكفارةِ، وهو القصاصُ، فلا يقتضي عظمها نقيضَ نفي الكفارة.
الثاني: أنْ يبينَ أن ما ذكره يقتضيه دليلُه من جهةٍ أخرى، كقولِ الحنفي في مسألةِ الزكاةِ المتقدمة: إنَّما قلتُ بالتراخي لمناسبته للرفقِ