المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فالقذارةُ علةٌ لمنعِ الأكل، ولكنَّها عورضتْ بما هو أقوى منها.   ‌ ‌تنبيهات: التنبيه - مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر- ط عطاءات العلم

[محمد الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌حقيقة الحكم وأقسامه

- ‌(أقسامُ أحكام التكليف

- ‌(ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌المندوب

- ‌المباح

- ‌ الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها

- ‌المكروه

- ‌الأمرُ المطلقُ لا يتناول المكروه

- ‌الحرام

- ‌ خطابُ الكفَّار بفروع الإسلام:

- ‌ الشروط المعتبرةُ لفعل المكلَّف به

- ‌المقتضى بالتكليف فعلٌ وكفٌّ

- ‌ العلة

- ‌ السبب

- ‌ الشرط

- ‌ الصحة

- ‌ الفساد

- ‌باب أدلة الأحكام

- ‌كتاب اللَّه

- ‌المحكم والمتشابه

- ‌(باب النسخ

- ‌ الفرق بين النسخ والتخصيص

- ‌ نسخُ الأمر قبل التمكن

- ‌ نسخ العبادة إلى غير بدل

- ‌ النسخ بالأخف والأثقل

- ‌ نسخ القرآن بالقرآن، والسنة المتواترة بمثلها، والآحاد بالآحاد

- ‌ نسخ السنة بالقرآن

- ‌ نسخ القرآن بالسنة المتواترة

- ‌ النسخ بالقياس

- ‌ما يُعرف به النسخ:

- ‌السُّنَّة

- ‌حدُّ الخبر:

- ‌ العلمُ الحاصلُ بالتواتر

- ‌ ما حصل به العلم في واقعة يحصل به في غيرها

- ‌ أخبارُ الآحاد

- ‌ حصول العلم بخبر الواحد

- ‌ التعبد بخبر الواحد سمعًا

- ‌ خبرُ مجهول الحال

- ‌ التزكية والجرح

- ‌ تعارض الجرحُ والتعديل

- ‌ الدليل على جواز الرواية والعملِ بالإجازة

- ‌زيادة الثقةُ

- ‌ الرفع والوصل نوعٌ من الزيادة

- ‌ رواية الحديث بالمعنى

- ‌ نقل الحديث بالمعنى في التَّرجمة

- ‌ الإجماع

- ‌ اعتبارِ علماء العصرِ من أهل الاجتهاد

- ‌إجماعُ أهل المدينة ليس بحجةٍ

- ‌إجماعُ أهل كلِّ عصر حجةٌ

- ‌ الإجماع السكوتي

- ‌ مستندِ الإجماع

- ‌الأخذُ بأقل ما قيلَ

- ‌الأصول المختلف فيها

- ‌ شرع من قبلنا

- ‌قول الصحابي

- ‌قول الصحابي الذي ليس له حكمُ الرفعِ

- ‌الاستحسان

- ‌الاستصلاح

- ‌ التأويل

- ‌التأويل الفاسد، والتأويل البعيد

- ‌ المجمل

- ‌ الإجمال في لفظ مركب

- ‌ البيان

- ‌ لا يجوزُ تأخير البيان عن وقت الحاجة)

- ‌ تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة:

- ‌باب الأمر

- ‌ الأمرِ بعد الحظر

- ‌الأمرُ المطلقُ لا يقتضى التكرارَ

- ‌الواجبُ المؤقتُ لا يسقطُ بفواتِ وقته

- ‌ الأمر يقتضي الإجزاءَ بفعل المأمور به

- ‌الأمر بالأمر بالشيء

- ‌ألفاظ العموم خمسةُ

- ‌أقلُّ الجمع

- ‌ الدليلُ على أنَّ العبرةَ بعموم اللفظِ لا بخصوصِ السبب

- ‌ تخصيص العموم إلى أن يبقى واحدٌ

- ‌اللفظ العامُّ يجبُ اعتقادُ عمومه

- ‌ الأدلة التي يُخصُّ بها العمومُ

- ‌فصل في الاستثناء

- ‌ تعدد الاستثناء

- ‌إذا تعقب الاستثناءُ جُمَلًا

- ‌ الشرط

- ‌ المطلق والمقيد

- ‌ إذا كان هناك مقيدان بقيدين مختلفين

- ‌ دلالةُ الاقتضاء

- ‌ دلالة الإشارة:

- ‌ دلالةُ الإيماء والتنبيه:

- ‌ مفهومُ الموافقة

- ‌الفرقُ بين مفهوم الصفة ومفهومِ اللقب:

- ‌ موانع اعتبارِ مفهوم المخالفة

- ‌باب القياس

- ‌ تحقيقُ المناطِ

- ‌ تنقيحُ المناط

- ‌ تخريج المناط

- ‌ إثباتِ القياسِ على منكريه

- ‌(أوجه تطرقِ الخطأ إلى القياس)

- ‌أَضْرُبُ إثباتِ العلةِ بالنقل:

- ‌أضربُ إثباتِ العلةِ بالاستنباطِ

- ‌ المناسبة

- ‌الدورانِ

- ‌النقضُ برائحة الخمر

- ‌الطرد

- ‌ قياسِ الشَّبه

- ‌ غلبةَ الأشباهِ

- ‌ قياس الدلالة

- ‌أركان القياس

- ‌ العلة:

- ‌ اطراد العلةِ

- ‌المستثنى من قاعدةِ القياسِ

- ‌ الصفاتِ الإضافيةِ

- ‌ تعليلُ الحكم بعلتين)

- ‌ إجراءُ القياس في الأسباب)

- ‌(فصل القوادح

- ‌الأول: الاستفسار:

- ‌السؤالُ الثاني: فساد الاعتبار:

- ‌فائدة:

- ‌السؤالُ الثالث: فساد الوضع:

- ‌تنبيهان:

- ‌السؤال الرابع: المنع:

- ‌السؤالُ الخامس: التقسيم:

- ‌(ويشترطُ لصحةِ التقسيمِ شرطان):

- ‌السؤال السادس: المطالبة:

- ‌السؤال السابع: النقض:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيهات:

- ‌السؤال الثامن: القلب:

- ‌السؤال التاسع: المعارضة:

- ‌السؤال العاشر: عدمُ التأثير:

- ‌تنبيهان:

- ‌السؤال الحادي عشر: التركيب:

- ‌السؤال الثاني عشر: القول بالموجب:

- ‌تنبيهان:

- ‌ التقليد)

- ‌ ترتيب الأدلة

- ‌الترجيح

- ‌ الترجيح: بأمرٍ يعودُ إلى المتن

- ‌ النكرة في سياق النفي

- ‌العامُّ الذي لم يدخله تخصيصٌ مقدم على العامِّ الذي دخله تخصيصٌ

- ‌ الترجيح بين علل المعاني

- ‌ الترجيح بين المرجحات

- ‌ المرجحات يستحيل حصرها

- ‌مسائل كتاب الاستدلال

الفصل: فالقذارةُ علةٌ لمنعِ الأكل، ولكنَّها عورضتْ بما هو أقوى منها.   ‌ ‌تنبيهات: التنبيه

فالقذارةُ علةٌ لمنعِ الأكل، ولكنَّها عورضتْ بما هو أقوى منها.

‌تنبيهات:

التنبيه الأول: قولُ المؤلفِ

(1)

رحمه الله في هذا المبحث: (وأمَّا الكسر: وهو إبداء الحكمةِ بدون الحكمِ، فغيرُ لازمٍ. . .) الخ.

فيه نظرٌ من جهتين:

الأولى: أنَّه عرَّف الكسر بأنَّه إبداء الحكمةِ بدونِ الحكم. والكسرُ يشملُ أعمَّ ممَّا ذكره.

الثانية: أنَّه قال: لا يلزمُ به قدحٌ. وبه قال بعضُ الأصوليين، واختاره ابنُ الحاجبِ في بعضِ المواضعِ من مختصره. مع أنَّ جماعةً من أهل الأصولِ صححوا أنَّه قادحٌ.

قال ابنُ الحاجب في مختصره الأصولي في عدِّه للقوادحِ: "الرابع عشر: الكسر وهو نقضُ المعنى، والكلامُ فيه كالنقضِ".

وقال صاحبُ "جمع الجوامع" في مبحث القوادحِ: "ومنها: الكسرُ، قادحٌ على الصحيحِ؛ لأنَّه نقضُ المعنى، وهو إسقاطُ وصفٍ من العلةِ. . . " الخ.

فالظاهرُ أنَّ الكسر كالنقض، فعلى أنَّ النقضَ قادحٌ فالكسرُ كذلك، والجوابُ عنه كالجوابِ عنه.

(1)

(3/ 940).

ص: 459

وقال صاحبُ "الضياء اللامع في شرح جمع الجوامعِ": "واتفق أهل العلم على صحته وإفساد العلةِ به". انتهى محلُّ الغرضِ منه.

واعلمْ أنَّ مِنْ أنواع الكسر ما ذكره المؤلفُ، وهو إبداء الحكمةِ بدون الحكمِ، وجزمَ بأنَّه غيرُ قادحٍ، واختاره ابن الحاجبِ في بعضِ المواضع من مختصره، ومثَّل له بقول الحنفي في المسافرِ العاصي بسفره: مسافرٌ، فيترخصُ في سفره، كغير العاصي.

فإذا قيلَ له: ولم قلتَ: إنَّ السفرَ علةٌ للترخُّص؟ قال: بالمناسبة؛ لما فيه من المشقةِ المقتضيةِ للترخص؛ لأنَّه تخفيفٌ، وهو نفعٌ للمترخص.

فيعترضُ عليه بصنعةٍ شاقةٍ في الحضر، كحمل الأثقالِ وضربِ المعاولِ وما يوجبُ قربَ النار في ظهيرةِ القيظِ في القُطْرِ الحارِّ، فهنا قد وجدت الحكمةُ وهي المشقة، ولم يوجد الحكمُ الذي هو قصرُ الصلاة وإباحةُ الفطر -مثلًا-.

والجوابُ عن هذا: أنَّ الشرعَ إنَّما اعتبرَ مشقةَ السفر، فالعلةُ في الترخيصِ السفرُ، وحكمتها رفعُ المشقة.

فأصلُ العلةِ لم يوجدْ في الصنعةِ الشاقةِ في الحضر، فلم يقعْ كسرٌ في العلة، وسفرُ العاصي بسفره علةٌ للترخص، والمانعُ من تأثيرها هنا عند من يقولُ به أنَّ الترخيصَ تخفيفٌ، والتخفيفُ على العاصي إعانةٌ له على معصيته، واللَّه يقول:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة/ 2].

ص: 460

ومن أنواعِ الكسرِ: تخلفُ الحكمةِ

(1)

مع وجودِ الحكم. اختلف فيه: هل ينتفي فيه الحكمُ لانتفاء حكمته، أو لا ينتفي بناءً على أنَّ المعللَ بالمظانِّ لن يتخلفَ فيه الحكمُ بتخلفِ الحكمةِ نظرًا إلى إناطةِ الحكمِ بالمظنة؟

وإلى هذا الخلافِ أشار في "مراقي السعودِ" بقوله:

وفي ثبوتِ الحكمِ عند الانتفا

للظنِّ والنفي خلافٌ عرفا

وقال في شرحِه لمراقي السعودِ المسمى بنشر البنود: "لكنَّ الفروعَ المبنيةَ على هذه القاعدةِ، منها ما رجح فيه ثبوتُ الحكمِ، كاستبراء الصغيرةِ، فإنَّ حكمةَ الاستبراء تحقُّقُ براءةَ الرحمِ، وهي متحققةٌ بدون الاستبراء. وكمن مسكنه على البحرِ ونزل منه في سفينةٍ قطعتْ به مسافةَ القصرِ في لحظةٍ، فإنَّه يجوزُ له القصرُ في سفره هذا.

ومنها ما يرجحُ فيه انتفاء الحكمِ لانتفاء حكمته قطعًا، إلغاءً للمظنةِ مِنْ أصلها، أو بدليلٍ مخصوصٍ اقتضى إلغاء المظنَّةِ فيها.

وعلى هذا يتخرجُ كثيرٌ من المسائلِ، كشرعِ الاستنجاءِ من حصاةٍ لا بلل معها، والغسلِ من وضع الولدِ جافًّا، وعدمِ نقضِ الوضوء إذا لم توجد اللذَّةُ في اللمس بباطنِ الكفِّ أو الأصابع، والنقضِ بالقُبلةِ على الفمِ إذا لم توجد اللذةُ" اهـ. منه.

(1)

المراد بالحكمة هنا: العلة، أي علة الحكم؛ لأن العلة تقدم أنها تطلق على سبب الحكم، كما تطلق على حكمة الحكم، فالعلة هنا المشقة، والحكمة التخفيف. "عطية".

ص: 461

ومن المسائلِ التي تتخرجُ على القاعدةِ المذكورة: ما لو قال لامرأتِه: "أنتِ طالقٌ" مع آخر جزءٍ مِنْ الحيض. فهذا طلاقٌ صادف الحيضَ، وهو علةٌ لتحريم الطلاقِ، ولكن يستعقبُ العدةَ، فلا تطويلَ فيه. فالحكمةُ الموجبةُ للمنع التي هي التطويلُ منتفيةٌ هنا، فمنهم مَنْ نظر إلى المعنى وقال: هو سُنِّيٌّ، ومنهم مَنْ نظرَ إلى مظنَّةِ التطويلِ وهو الحيضُ، فقال: هو بدعيٌّ.

وكذلك لو قال لها: "أنتِ طالقٌ" مع آخر جزءٍ من الطهر.

فعلى أنَّ هذه المسائل المذكورةَ وأمثالها الكثيرةَ ينتفي فيها الحكمُ لانتفاء حكمتِه، فتخلفُ الحكمةِ عن الحكمِ كسرٌ قادحٌ في العلةِ، ولذا انتفى حكمُها بانتفاء الحكمة.

وعلى أنَّ الحكمَ فيها باقٍ مع انتفاء حكمته، فعلى قول من يقولُ: إنَّ هذا النوعَ من الكسرِ غيرُ قادحٍ، فلا إشكال.

وعلى قول من يقولُ: إنَّه قادحٌ، فالجوابُ عنده أنَّ هذه المسائلَ عُلِّقَ الحكمُ فيها بمظنَّةِ وجودِ الحكمةِ، والمعروفُ أنَّ المعلَّل بالمظانِّ لا يتخلفُ الحكمُ فيه بتخلفِ الحكمة؛ لأنَّ الحكمَ فيها منوطٌ بالمظنَّة. وأشار بعضُ أهل العلمِ إلى هذا بقوله:

إنْ عُللَ الحكمُ بعلةٍ غلبْ

وجودُها اكتفى بذا عن الطلب

لها بكلِّ صورةٍ. . .

. . . . . . . . . . . . . . .

وعليه، فالمانعُ من القدحِ بهذا النوع من الكسرِ إناطةُ الحكمِ بمظنَّةِ الحكمةِ لا بنفسِ الحكمة، وذلك لأنَّ نفس الحكمةِ ربما لا

ص: 462

يمكنُ انضباطها، فلو علقنا حكم قصر الصلاةِ وإباحةِ الفطر في رمضان -مثلًا- بحصولِ المشقةِ لم تنضبطْ هذه الحكمة؛ لاختلافها باختلافِ الأشخاصِ والأحوال، فأنيطَ بسفر أربعةِ بردٍ -مثلًا- لأنَّه مظنَّةُ المشقة. ومِنْ هنا لم يُنْظَرْ إلَّا للمظنَّةِ عند مَنْ يقولُ بذلك.

ومن أنواع الكسرِ: إبطالُ المعترضِ جزءًا من المعنى المعلَّلِ به، ونقضُه ما بقيَ من أجزاء ذلك المعنى المعلَّل به.

فعلمَ أنَّه إنَّما يكونُ في العلةِ المركبةِ من وصفينِ فأكثر.

والقدحُ به مقيَّدٌ بأنْ يعجزَ المستدلُّ عن الإتيانِ ببدلٍ من الوصفِ الذي أبطله المعترض، فإنْ ذكر بدلًا يصلحُ أنْ يكونَ علةً للحكمِ ألغي الكسرَ واستقامَ الدليل.

وإبطالُ الجزء بأنْ يبينَ المعترضُ أنَّه ملغيٌّ بوجود الحكمِ عند انتفائه.

والمرادُ بنقضِ الباقي عدمُ تأثيرِه في الحكمِ، وله صورتان:

الصورةُ الأولى: أنْ يأتيَ المستدلُّ ببدل الوصفِ المسقطِ عن الاعتبار، كما يقالُ في وجوب أداء صلاةِ الخوفِ: هي صلاةٌ يجبُ قضاؤها لو لم تفعل، فيجبُ أداؤَها، قياسًا على صلاة الأمنِ، فإنَّها كما يجبُ قضاؤها لو لم تفعل يجبُ أداؤها.

فوجوبُ القضاء هو العلةُ، ووجوبُ الأداء هو الحكمُ المعلَّلُ بتلك العلة.

ص: 463

فيعترضُ بأنَّ خصوص الصلاةِ ملغيٌّ، ويبينُ بأنَّ الحجَّ واجبُ الأداء كالقضاء.

فيبدلُ المستدلُّ خصوص الصلاةِ بوصفٍ عامٍّ هو العبادةُ، بأنْ يقول: عبادةٌ يجبُ قضاؤها لو لم تُفْعَلْ. . . الخ.

فينقضُ عليه المعترضُ -أيضًا- هذا البدلَ بصوم الحائضِ، فإنَّه عبادةٌ يجبُ قضاؤها، ولا يجبُ أداؤها، بل يحرم.

والصورةُ الثانية: أن لا يبدل المستدلُّ الوصف الذي أبطله المعترضُ، فلا يبقى للمستدلِّ علةٌ في المثالِ المذكورِ إلَّا قوله:"يجبُ قضاؤها"، فينقضُه المعترضُ بأنْ يقول: ليس كلُّ ما يجبُ قضاؤه يجبُ أداؤه، بدليلِ صومِ الحائضِ في رمضان، فإنَّها يجبُ عليها قضاؤه، ولا يجبُ عليها أداؤه، بل يحرم.

فعُلم ممَّا ذكرنا أنَّ الكسر يصدقُ بأنواعٍ، منها ما لا ينبغي أنْ يختلفَ في أنَّه قادحٌ، ومنها ما اختلفَ فيه، والأظهرُ في بعضِ صورِه عدمُ القدح.

وقد أشار صاحبُ "مراقي السعودِ" إلى أنَّه قادحٌ، مع ذكر بعضِ صوره بقوله في مبحثِ القوادح:

والكسرُ قادحٌ ومنه ذكرا

تخلفَ الحكمةِ عنه مَنْ درى

ومنه إبطالٌ لجزءٍ والحيل

ضاقتْ عليه في المجيءِ بالبدل

وضابطُ الكسرِ المنطبقِ على جميعِ جزئياتِه: أنَّه إظهارُ خللٍ في

ص: 464

بعضِ العلَّة، فيصدقُ بوجودِ حكمتها بدونِها، وبوجودها دون حكمتها، وبإبطال بعضِ أجزائها مع العجزِ عن بدلٍ منه صالحٍ.

وقد تقدَّم إيضاحُ ذلك كلِّه بأمثلته.

وبما ذكرنا تعرفُ ما في كلام المؤلفِ رحمه الله كما أشرنا إليه.

التنبيه الثاني: أظهرُ قولَيْ أهل الأصولِ -عندي- وجوبُ الاحترازِ في الدليلِ عن صورة النقضِ، بأنْ يذكرَ في دليلهِ ما تخرجُ به الصورةُ التي يردُ عليها النقضُ، كأنْ يقول في علةِ القصاصِ: قتلٌ عمدٌ عدوانٌ واقعٌ مِنْ غيرِ والدٍ لولده، فيجبُ فيه القصاص.

فقوله: "واقعٌ مِنْ غيرِ والدٍ لولده" احترز به عن صورةِ النقضِ، فلو لم يحترزْ بذلك عنها لقالَ المعترضُ: هذه العلةُ منتقضةٌ بقتلِ الوالدِ ولدَه، فهو قتلٌ عمدٌ عدوانٌ ولا قصاصَ فيه.

وهكذا في الأمثلةِ السابقة، خلافًا لمن قال من الأصوليين: لا يجبُ الاحترازُ المذكورُ، بل يستحبُّ.

وقال المؤلفُ

(1)

رحمه الله في هذا المبحثِ:

(والأليقُ وجوبُ الاحترازِ؛ فإنَّه أقربُ إلى الضبطِ، وأجمعُ لنشرِ الكلامِ، وهو هينٌ).

(1)

(3/ 938).

ص: 465

وإن اختارَ وجوبَه غيرُ واحدٍ، واختار ابنُ الحاجبِ في مختصره الأصوليِّ أنَّ الاحترازَ المذكورَ ليس بلازمٍ.

وفيه أقوالٌ وتفصيلٌ معروفٌ عند الأصوليين أشار إليه ابنُ الحاجب.

وقال صاحبُ "جمع الجوامع": "ويجبُ الاحترازُ منه على المناظرِ مطلقًا، وعلى الناظرِ إلَّا فيَما اشتهر من المستثنيات، فصار كالمذكور، وقيل: يجب مطلقًا. وقيل: إلَّا في المستثنياتِ (مطلقًا) ". انتهى محلُّ الغرضِ منه.

ومرادهُ بالمستثنياتِ العرايا ونحوها.

والذين لم يوجبوا الاحترازَ المذكورَ وجهوا ذلك بأنَّ النقضَ سؤالٌ خارجٌ عن القياسِ، فلا يجبُ إدخالُه في صلبِ القياسِ، بل إذا أورده المعترضُ لزمَ جوابُه بما يدفعُه، كسائرِ الأَسئلة، ولأنَّ فيه تنبيهًا للمعترضِ على موضع النقض، وقد يدَّعي أنَّ الوصفَ الذي به الاحترازُ طرديٌّ، وذلَك يؤدي إلى انتشار الكلام، وهو خلاف المطلوبِ من المناظرة.

وأمَّا الذين أوجبوا الاحترازَ المذكور فقد وجهوا ذلك بأنَّ فيه حسم مادةِ الشغبِ وانتشار الكلامِ وسدًّا لبابه، فكان واجبًا، لما فيه من صيانةِ الكلامِ عن الانتشار.

وهذا الأخيرُ أظهرُ عندنا، وقد أجاب القائلونَ به بأنَّ سؤال النقضِ وإنْ كان خارجًا عن القياس فهو مصححٌ له، ومانعٌ مِنْ إظهارِ خللِ

ص: 466

النقضِ فيه.

وأجابوا عن كونه فيه تنبيهٌ للمعترضِ على موضعِ النقضِ بأنَّ ذلك لا يمنعُ وجوبَ الاحترازِ؛ لأنَّ المناظرةَ المشروعةَ مبنيةٌ على العدل والإنصافِ، وقصدِ ظهورِ الحقِّ، لا على المشاغبةِ وقصدِ غلبةِ الخصم.

التنبيه الثالث: قد قدَّمنا أنَّ من أجوبةِ المستدلِّ عن النقضِ منعَه وجود الوصف الذي هو العلةُ في صورةِ النقضِ، فلو أراد المعترضُ إثباتَ وجوده بالدليلِ فقد اختلف أهلُ الأصولِ هل يُمَكَّنُ مِنْ ذلك؟ إلى أربعةِ مذاهب:

الأول -وبه قال الأكثرُ-: إنَّه ليس له ذلك؛ لأنَّ فيه نقل الكلام إلى مسألةٍ أخرى، وبذلك يصيرُ المعترضُ مستدلًّا، والمستدلُّ معترضًا، وكلُّ ذلك على خلافِ ما تقتضيه طريقةُ الجدل.

الثاني: أنَّ له ذلك؛ لأنَّه متممٌ للنقض.

الثالث -وبه قال الآمديُّ-: إن تعينَ ذلك طريقًا للمعترضِ في دفع كلام المستدلِّ وجبَ قبولُه، وإنْ أمكنَ القدحُ بطريقٍ أخرى هي أقربُ للمقصودِ فلا يقبلُ منه ذلك.

الرابع -وحكاه ابن الحاجب، واختاره بعضهم-: هو أنَّ العلةَ إنْ كانت حكمًا شرعيًّا لم يقبلْ منه ذَلك؛ لما فيه من الانتشار، وإنْ كانت حكمًا عرفيًّا أو عقليًّا فله ذلك؛ لقربِ المأخذ في العقلياتِ والعرفياتِ دون الشرعيات.

ص: 467

ولم يذكر صاحبُ "جمع الجوامع" هذا القول الأخير؛ لأنَّه لم يره لغيرِ ابن الحاجبِ، كما ذكره عنه المحلي.

التنبيه الرابع: قد قدمنا أنَّ من أجوبة النقضِ منعَ المستدل تخلفَ الحكم، فإن منعه وقال: بل الحكمُ موجودٌ فلا نقض، فأراد المعترضُ إقامة الدليل على عدم الحكم؛ فقال بعضهم: له ذلك؛ إذ به يحصل مطلوبه، وهو النقضُ بتخلف الحكمِ عن الوصف.

وقال بعضهم: ليس له ذلك؛ لأنَّه انتقالٌ من الاعتراضِ إلى الاستدلال.

وقال بعضهم: له ذلك إن لم يكن طريقٌ آخر أولى بالقدح نظير ما تقدم.

والقولُ بمنعه من الاستدلال مطلقًا صححه صاحبُ "جمع الجوامع".

وقال صاحبُ "الضياء اللامع": وعزاه ولي الدين لأكثر النُّظار.

التنبيه الخامس: لو أقام المستدلُّ الدليل على وجود العلة في محل التعليلِ، وذلك الدليل موجود في محل النقض، فنَقَضَ المعترضُ العلَة، فقال المستدل: لا نسلِّم وجوده في محل النقض، فقال المعترض: ينتقضُ دليلُك؛ لوجوده في محل النقض دون مدلوله وهو وجود العلة = فاختلف: هل يسمع منه ذلك أو لا؟

فقال الجدليون: لا يسمع. واختاره صاحب "جمع الجوامع" وغير واحد؛ لأنَّه انتقال.

ص: 468