الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المؤلف
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(فصل
انفرادُ الثقةِ في الحديث بزيادةٍ مقبول، سواء كانت لفظًا أو معنى. . .) الخ.
خلاصةُ ما ذكره في هذا الفصل أن الثقةَ إذا روى زيادةً في الحديث لم يروها غيرُه، بل انفرد بها، فروايتُه لها مقبولة.
واستدلَّ لذلك بأمرين:
الأول: أن الثقةَ لو انفردَ بحديثٍ لَقُبِلَ، فكذلك الزيادة في حديثٍ.
الثاني: إمكانُ انفراده دون غيره بحفظ الزيادة، لاحتمال أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذكر الحديث في مجلسين، وذكر الزيادة في أحدهما دون الآخر، وحضر هذا المجلس الذي ذكر فيه ال
زيادة الثقةُ
الذي زادها ولم يحضره الآخر الذي روى الحديث بدونها، كما يحتملُ أيضًا أن الراوي الذي لم يرو الزيادة دخل في أثناء المجلس، وقد سمع غيره الزيادة قبل دخوله، أو عَرض له في أثناءِ الحديثِ ما يزعجُه أو يدهشُه عن الإصغاءِ أو يوجبُ له القيامَ عن تمامِ الحديث، وسَمع غيره الزيادة بعد أن عرضَ له هو ما يمنعُه من سماعها، كمَا يحتملُ أنْ يسمعَ جميع الحديث وينسى منه بعضَ الذي زاده الثقةُ الآخر.
(1)
(2/ 419).
فهذه الاحتمالاتُ تبينُ أنَّ انفرادَ الثقة بحفظها دون غيره ممكن، وقد أخبر بها الثقةُ، ولا داعي لردِّ خبر ثقةٍ عن أمرٍ ممكنٍ لم يُعارِضْهُ فيه غيرُه كما ترى.
فإنْ عُلِمَ أنَّهما معًا إنَّا سمعا في مجلسٍ واحد، فقال أَبو الخطاب: يُقدَّمُ قولُ الأكثرين وذوي الضبط، فإنْ تساووا في الحفظ والضبط قدِّمَ قول المثبت.
وإيضاح معنى قول أبي الخطاب المذكور أن السماع إذا كان في مجلس واحد قُدِّمَ قول الأكثرين، سواء كانوا رواة الزيادة أو غيرهم، تغليبًا لجانب الكثرة، لأن الخطأ أبعد عن العدد الكثير من غيره، فإن تساووا في العدد قُدِّمَ أحفظهم وأضبطهم، للترجيح بالحفظ والضبط، فإن استووا في الكثرة والحفظ قُدِّمَ قول المثبت على النافي.
وقال القاضي: إذا تساويا، فى روايتين. أي إحداهما: قبول الزيادة، وهو الصحيح. والأخرى: عدمُ قبولِ الزيادة.
هذا حاصل كلامه رحمه الله.
واعلم أن التحقيق في هذه المسألة أن فيها تفصيلًا، لأنها واسطة وطرفان:
طرفٌ لا تقبل فيه الزيادة على التحقيق، وهو ما إذا كانت الزيادة مخالفةً لروايةِ الثقاتِ الضابطين، لأنها يحكمُ عليها حينئذ بالشذوذ فتُرَدُّ.
وطرفٌ تقبلُ فيه الزيادة بلا خلاف، وهو ما إذا تفرَّدَ ثقة بجملةِ
حديثِ لا تعرض فيه لما رواه بمخالفة أصلًا، ومِمَّن حكى الإجماع على قبول هذا الطرفِ الخطيبُ.
وواسطةٌ هي محلُّ الخلاف، وهو زيادةُ لفظة في حديث لم يذكرها غيرُ مَنْ زادَ من رواة ذلك الحديث، كحديثِ حذيفة "وجُعلت لنا الأرض مسجدًا وطهورًا"؛ انفرد أَبو مالك سعد بن طارق الأشجعي فقال:"وجعلت تربتها لنا طهورًا" وسائر الرواةِ لم يذكروا ذلك.
والصحيحُ قبولُ مثل هذه الزيادة، كما قرر المؤلف رحمه اللَّه تعالى، وعليه جمهورُ الأصوليين.
ومن أمثلة هذا الباب: حديثُ ابن مسعود الثابتُ في الصحيحين قال: سألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "أيُّ العملِ أفضل؟ قال: "الصلاة على وقتها"، اتفق أصحاب شعبة عنه على هذا اللفظ، وزاد عليُّ بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم فقال: "الصلاةُ في أولِ وقتها" كما أخرجها الحاكم والدارقطني والبيهقي من طريقه.
وكذلك روى الزيادة المذكورةَ الحسن بن علي المعمري في "اليوم والليلة" عن أبي موسى محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة كذلك.
قال ابنُ حجر في "الفتح": وكذلك روى الزيادة المذكورةَ عثمانُ بن عمرَ عن مالك بن مِغْوَل عن شيخِ شعبةَ في الحديث المذكورِ، وهو الوليد بن العَيْزار، عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود، أخرجه ابنُ خزيمةَ في صحيحه والحاكم وغيرهما، قاله ابنُ حجر -أيضًا-.
فالظاهرُ ثبوتُ هذه الزيادة وإن لم تكن في جميع طرقها.
وقال النووي في "شرح المهذب": إنَّها ضعيفة.
ومن أمثلته -أيضًا- حديث الصحيحين عن أَنس: "أُمِرَ بلال أن يشفعَ الأذان، ويوتر الإقامة".
زاد سماك بنُ عطية "إلَّا الإقامة"، وزيادتُه لها عن أيوب عن أبي قلابةَ عن أَنس ثابتةٌ في صحيح البخاري وغيره.
ومن أمثلة ما قدَّمنا في هذا الباب من أن راوي الحديث بدون الزيادة قد يدخل في أثناء الحديث فتفوته الزيادة: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عقبة بنُ عامر رضي الله عنه قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروَّحتها بعشيٍّ، فأدركت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائمًا يحدِّث الناس فأدركت من قوله:"ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلًا عليها بقلبه ووجهه إلَّا وجبت له الجنَّةَ"، فقلتُ: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال: إني قد رأيتُك جئت آنفًا، قال:"ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه وأن محمدًا عبد اللَّه ورسوله، إلَّا فتحت له أَبواب الجنَّةَ الثمانية يدخل من أيها شاء".
هذا لفظ مسلم في صحيحه.
ومثال ما قدَّمنا من أن راوي الحديث بدون الزيادة قد يعرض له في أثناء الحديث ما يزعجه عن سماع الزيادة التي رواها غيره: ما ثبت في