الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمثالُ هذا كثيرٌ جدًّا.
تنبيه:
هذه الأدلة التي ذكر المؤلفُ منها ما هو أعمُّ مِنْ محلِّ النزاعِ؛ لأنَّ مطلقَ الاجتهادِ أعمُّ من القياس، ومنها ما يدلُّ على محلِّ النزاع كقصة معاذٍ، فإنَّه صرَّحَ فيه بأنَّ اجتهادَه فيما لا نصَّ فيه، وذلك إنَّما يكونُ بالإلحاقِ بالمنصوصِ، وكحديثِ الدَّينِ والمضمضة.
ومِنْ أصرحِ الأدلة على إثبات القياسِ ما ثبت في الصحيحينِ مِنْ قصة الذي وُلِدَ له ولدٌ أسود يخالفُ لونُه لونَ أُمِّه وأبيه، فقاسه صلى الله عليه وسلم على أولادِ الإبلِ الحُمْرِ يكونُ فيها الأَوْرق، وقال فيه عليه الصلاة والسلام:"فلعلَّه نزعه عرقٌ"، والقصة صحيحةٌ مشهورة.
قال المؤلف
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(أوجه تطرقِ الخطأ إلى القياس)
اعلمْ أنَّ القياسَ يتطرقُ إليه الخطأُ من خمسةِ أوجه:
1 -
ألا يكون الحكمُ معللًا، كأن يُعَلَّلَ نقضُ الوضوءِ بلحم الجزورِ بأنَّه حارٌّ، فيُلحقُ به لحم الظبي فيجعله ناقصًا. وهذا بناء على أنَّ نقضَ الوضوءِ بلحم الجزورِ ليس تعبديًّا.
2 -
ألا يصيب علته في نفس الأمرِ، كأنْ لا تكون علة الربا في البرِّ
(1)
(3/ 832).
الطعم، بالنسبة إلى مَنْ يُعَلِّلُ بالطعم.
3 -
أنْ يقصرَ في بعض أوصاف العلة، كأنْ يقول: علةُ القصاصِ القتلُ العمدُ، ويحذف العدوان، فيلزمُ على علته القصاصُ مِن وليِّ الدم إذا اقتصَّ من القاتلِ لأنَّ قصاصَهُ منه قتلُ عمدٍ.
4 -
أنْ يجمعَ إلى العلةِ ما ليس منها، كما لو جعل علة وجوبِ الكفارةِ على المواقع في نهارِ رمضانَ كونَه أعرابيًّا مجامعًا، فيلزمُ عليهَ أنَّ جماعَ الحضري ليَس علة الكفارة، وهو باطلٌ.
5 -
أنْ يخطئ في وجود العلة في الفرعِ، كما لو ظنَّ التفاح مكيلًا فيلحقُه بالبر في الربا بجامع الكيل.
تنبيه:
اعلمْ أنَّ هذه الخمسة المذكورة هنا راجعةٌ إلى القوادحِ الآتية في آخر الكتاب.
أمَّا الأول: وهو ألا يكون الحكمُ معللًا. . . الخ، فهو راجعٌ إلى نوع من أنواع القادحِ المعروفِ بعدم التأثير، وهو المعبرُ عنه بعدمِ التأثيرِ في الوصف، كما سيأتي إيضاحُه -إن شاء اللَّه-.
وأمَّا الثاني: وهو ألا يصيب علته في نفس الأمر. . . الخ، فهو راجعٌ إلى القادح المذكورِ آنفًا -أيضًا-.
وإن كان هناك مجتهدٌ آخرُ يُعَلِّلُ ذلك الحكم بعلة أخرى فهو راجعٌ إلى القادحِ المعروفِ بمركب الأصل.
وأمَّا الثالث: وهو أنْ يُقصر في بعضِ أوصاف العلةِ. . . الخ، فهو راجعٌ إلى القادح المسمى بالكسر؛ لأنَّه إخلالٌ بجزئي العلة، والإخلالُ بجزئها كسرٌ لها. وهذا القادحُ لم يذكرهُ المؤلف.
وأمَّا الرابع: وهو أن يجمعَ إلى العلة ما ليس منها. . . الخ، فهو راجعٌ -أيضًا- إلى عدم التأثير في الوصف؛ لأنَّ حكمَ جزء العلة كحكمِ جميعها.
وأمَّا الخامس: وهو أنْ يخطئ في وجود العلة في الفرع، فهو راجعٌ إلى نوعٍ من أنواع القادحِ المسمى "بالمنع"، وهو منعُ وجود العلةِ في الفرع.
قال المؤلف
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(فصل
إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق ينقسم إلى مقطوع ومظنون:
فالمقطوع ضربان:
أحدهما: أنْ يكونَ المسكوتُ عنه أوْلى بالحكم مِن المنطوق، ولا يكون مقطوعًا به حتى يوجدَ فيه المعنى الذي في المنطوقِ وزيادة. . .) الخ.
اعلمْ أولًا: أنَّ الإلحاق مِنْ حيثُ هو ضربان:
(1)
(3/ 833).
الأول: الإلحاقُ بنفي الفارق.
الثاني: الإلحاقُ بالجامع.
وضابطُ الأول: أنَّه لا يحتاجُ فيه إلى التعرضِ للعلة الجامعة، بل يكتفى فيه بنفي الفارقِ المؤثرِ في الحكم، كإلغاء الفارقِ بينَ البولِ في الماء الراكد، وبين البولِ في إناءٍ وصبه فيه.
إذا علمتَ ذلك فاعلم أنَّ التحقيقَ أنَّ نفي الفارق أربعة أقسامٍ؛ لأنَّ نفيه إمَّا أنْ يكون قطعيًّا أو مظنونًا، وفي كلٍّ منهما إمَّا أنْ يكونَ المسكوتُ عنه أولى بالحكم مِن المنطوق أو مساويًا له.
فالمجموعُ أربعة:
الأول: هو ما كان المسكوتُ عنه فيه أولى بالحكم من المنطوقِ، مع القطعِ بنفي الفارق، كإلحاقِ أربعةِ عدولٍ بالعدلين في قبول الشهادةِ في قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق/ 2]، وإلى مثقال الجبل
(1)
بمثل الذرَّة في المؤاخذةِ في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} الآية [الزلزلة/ 7]، وكإلحاق الضرب بالتأفيفِ في الحرمةِ في قوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} الآية [الإسراء/ 23].
الثاني: هو ما كان المسكوتُ عنه فيه مساويًا للمنطوقِ مع القطعِ بنفي الفارقِ أيضًا، كإلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في الحرمة
(1)
كذا في الأصل المطبوع. ولعل الصواب: وكإلحاق مثقال الجبل.
في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية [النساء/ 10].
وكإلحاق صبِّ البول في الماء بالبول فيه المذكور في حديثِ "لا يبولنَّ أحدُكم في الماءِ الدائمِ الذي لا يجري ثم يغتسلُ فيه" الحديث.
الثالث: هو ما كان المسكوتُ عنه فيه أولى مع نفي الفارقِ بالظنِّ الغالب، كإلحاقِ شهادةِ الكافرِ بشهادة الفاسقِ في الردِّ المنصوصِ عليه بقوله تعالى:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} [النور/ 4]، لاحتمالِ الفرقِ بأنَّ الكافرَ يحترزُ عن الكذبِ لدينه في زعمه، والفاسقُ متهمٌ في دينه.
وكإلحاق العمياءِ بالعوراءِ في منع التضحيةِ المنصوصِ في الحديث، فالعمياءُ أولى بالحكمِ المذكورِ من العوراء، ولكنَّ نفيَ الفارقِ مظنونٌ ظنًّا غالبًا مزاحمًا لليقين، وليس قطعيًّا، كما قاله غيرُ واحد.
ووجهُ ذلك أنَّ الغالبَ على الظنِّ أنَّ علة منع التضحيةِ بالعوراء هي كونُ العورِ نقصًا في ثمنها وقيمتها، والعمياءُ أحرى بذلك من العوراء، ولكنْ هنالك احتمالٌ آخرُ، هو أنْ تكونَ العلةُ هي أنَّ العورَ مظنَّةُ الهزالِ؛ لأنَّ العوراءَ ناقصةُ البصرِ إذْ لا ترى إلَّا ما قابل عينها المبصرة، ونقصُ بصرها المذكور مظنةٌ لنقصِ رعيها، ونقصُ رعيها مظنةٌ لهزالها. وهذه العلةُ المحتملةُ ليستْ موجودةً في العمياء؛ لأنَّ مَنْ يعلفها يختارُ لها أجودَ العلف، وذلك مظنةُ السِّمَن.
وبما ذكرنا تعلمُ أنَّه لا يلزمُ مِنْ كون المسكوتِ عنه أولى بالحكمِ
مِن المنطوقِ أنْ يكونَ قطعيًّا، خلافًا لما ذكره المؤلفُ رحمه الله، وأنه لا يلزمُ -أيضًا- مِنْ كونه مساويًا أن يكون نفيُ الفارقِ ظنيًّا، خلافًا لظاهر كلامه.
الرابع: هو ما كان المسكوتُ عنه فيه مساويًا للمنطوقِ به مع كونِ نفي الفارقِ مظنونًا لا مقطوعًا، كإلحاق الأمةِ بالعبد في سراية العتق المنصوص عليه في العبد في الحديث الصحيح، فالغالبُ على الظنِّ أنَّه لا فرقَ في سراية العتقِ بين الأمةِ والعبد؛ لأن الذكورة والأنوثةَ بالنسبةِ إلى العتقِ وصفانِ طرديَّانِ لا يُعَلَّقُ بواحدٍ منهما حكمٌ من أحكام العتق.
وهناك احتمالٌ آخر هو الذي منع كون نفي الفارقِ قطعيًّا، وهو احتمالُ أن يكونَ الشارعُ إنَّما نصَّ على العبدِ في قوله:"مَنْ أعتق شركًا له في عبدٍ. . . " الحديث، لخصوصيةٍ في العبد لا توجدُ فى الأمةِ، وهي أنَّ العبدَ إذا أُعتقَ يزاولُ مِنْ مناصبِ الرجالِ ما لا تزاوُله الأنثى ولو حرةً.
تنبيه:
اعلم أنَّ نفي الفارق الذي ذكرنا أقسامه الأربعة إنَّما هو قسمٌ من تنقيح المناط، وهو مفهومُ الموافقةِ بعينه، واختلف العلماءُ في دلالته على مدلوله، هل هي قياسيةٌ أو لفظية؟ ولهم في ذلك أربعةُ مذاهب:
الأول: أنَّ دلالة مفهوم الموافقةِ إنَّما هي مِنْ قبيلِ القياس، وهو المعروفُ عند الشافعي بالقياسِ في معنى الأصل، ويقالُ له: القياسُ الجلي.
الثاني: أنَّ دلالة الموافقةِ لفظيةٌ، لكن لا في محلِّ النطق، لأنَّ ما دلَّ عليه اللفظُ في محلِّ النطقِ هو المنطوقُ، وما دلَّ عليه لا في محلِّ النطقِ هو المفهومُ، وكلاهما من دلالة اللفظ.
الثالثُ: أنَّها دلالةٌ لفظيةٌ مجازيةٌ -عند القائلين بالمجاز-، وهو عندهم من المجاز المرسل، ومن علاقاتِ المجاز المرسل الجزئيةُ والكلية.
قالوا: ففي مفهوم الموافقةِ يطلقُ الجزءُ ويُراد الكلُّ، وبعبارةٍ أخرى يُطلقُ الأخصُّ ويُرادُ الأعمُّ، فقد أطلقَ التأفيفَ في الآية وأريدَ به عمومُ الأذى، مجازًا مرسلًا كما زعموا.
قالوا: وكذلك أطلق النهي عن أكل مال اليتيم، وأريد الإتلاف، فيدخلُ الإحراقُ والإغراقُ وغيرهما من أنواع الإتلاف، مجازًا مرسلًا كما زعموا -أيضًا-.
الرابع: أنَّها لفظيةٌ؛ لأنَّ العرفَ اللغويَّ نقل اللفظ من وضعه لمعناهُ الخاصِّ إلى ثبوته فيه، وفي المسكوتِ عنه -أيضًا-.
قالوا: فعرفُ اللغةِ نقلَ التأفيفَ من معناه الخاصِّ إلى عمومِ الأذى، ونقل أكل مال اليتيمِ من معناهُ الخاصِّ إلى عمومِ الإتلاف.
وعلى هذا تكونُ دلالتُه لفظيةً، من قبيلِ الحقيقةِ العرفية.
وأكثرُ الأصوليين على أنَّ اللفظَ دلَّ عليه لا في محلِّ النطق.
الضربُ الثاني: هو الإلحاقُ بالعلةِ الجامعة، كإلحاقِ الذُّرة بالبُرِّ