الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المؤلف
(1)
-رحمه للَّه تعالى-:
(باب النسخ
النسخُ في اللغة: الرفع والإزالة، ومنه: نسخت الشمسُ الظلَّ، ونسخت الريح الأثر. وقد يطلقُ لإرادة ما يشبه النقلَ، كقولهم: نسختُ الكتابَ).
معنى كلامه ظاهر، وقولُه:"ما يشبه النقلَ" عبَّر بأنَّه يشبهه لأنَّه ليس نقلًا حقيقيًّا؛ لأنَّ ما في الكتابِ المنقولِ منه لم يُنقل بالكلية، وإنما نقلت صورته منه في الكتابِ الثاني.
واعلم أنَّ النسخَ جاءَ في القرآن العظيم لثلاثة معاني، وجاء بمعناه اللغويِّ، وهو الرفع والإبطال من غير تعويض شيءٍ عن المنسوخ، وهذا في قوله تعالى:{فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج/ 52].
وجاءَ بمعناه الشرعي، وهو رفع حكم شرعيٍّ بخطابٍ جديد، وذلك في قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة/ 106].
وجاء بمعنى نسخ الكتاب، أي كتابته، كقوله تعالى:{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)} [الجاثية/ 29]، وقوله:{وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف/ 154].
(1)
(1/ 283).
قال المؤلف
(1)
رحمه الله:
(فأمَّا النسخُ في الشرع فهو بمعنى الرفع والإزالة لا غير. وحدُّه: رفعُ الحكم الثابتِ بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه.
ومعنى الرفع: إزالة الحكم على وجه لولاه لبقي ثابتًا).
وقولُه: (بخطاب متقدم) متعلقُ بالثابت، يعني أنَّه ثابتٌ بخطابٍ شرعي متقدم لا بالبراءة الأصلية.
وقولُه: (بخطاب متراخ عنه) متعلق برفع الحكم، يعني أنه مرفوع بخطابٍ متراخٍ عنه لا متصل به.
وإيضاحُ تقريره: أنَّ النسخَ هو أنْ يرفعَ حكمٌ ثابتٌ بخطابٍ متراخٍ حكمًا ثابتًا بخطابٍ متقدم.
واحترز بقوله: (رفع الحكم) عمَّا لم يرفع أصلًا، كالأحكام التي لم يدخلها نسخ.
واحترز بقوله: (بخطابٍ متقدم) عمَّا كانَ ثابتًا بالبراءة الأصلية، كعدمِ حرمة الرِّبا، وعدمِ وجوب الصيامِ والصلاة، فإنَّ رفعه ليس بنسخ؛ لأنَّه كان ثابتًا بالبراءة الأصلَيةِ، لا بخطابٍ شرعي.
واحترز بـ (خطاب ثانٍ) عن زوال الحكمِ بالجنونِ ونحوه، فليس بنسخ؛ لأنَّه لم يُرفعْ بخَطابٍ ثانٍ.
(1)
(1/ 283).
واحترز بتراخيه عن المتصلِ بالخطاب الأول، فإنَّه تخصيصٌ له وبيان، لا نسخٌ له، كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران/ 97] فإنَّ بدل البعض من الكلَّ فيه رفعُ حكمِ وجوبِ الحجِّ عن غير المستطيع ولكنه متصل به، فليس نسخًا، لأنَّه لم يتراخ عنه.
وكقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور/ 33] فرفعُ حكم الأمرِ بالكتابةِ في حقِّ مَنْ لَم يُعْلَمْ فيه خيرٌ، المفهوم من الشرط، ليس نسخًا لأنه متصلٌ به، وستأتي إن شاء للَّه أمثلةٌ كثيرةٌ لهذا في مبحثِ المخصصاتِ المتصلة.
قال المؤلف
(1)
-رحمه للَّه تعالى-:
(وقال قومٌ: إنَّ النسخ كشفُ مدة العبادة بخطاب ثان. . .) إلى آخره.
حاصلُ هذا القول الأخير أنَّ النسخِ بيان لانقضاء زمن الحكم الأول؛ لأن ظاهر الخطاب الأول أَنَّ الحكمَ مؤبدٌ، والناسخ قد دَلَّ على انتهاءِ زمنه.
وأشارَ إلى القولين في "المراقي" بقوله في تعريفِ النسخ:
رفع لحكم أو بيانُ الزمن
…
بمحكم القرآن أو بالسنن
وعلى هذا القول الثاني فالنسخ يرجع إلى التخصيص في الأزمان،
(1)
(1/ 284).