الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه:
هذه الصورةُ التي فسَّر بها المؤلفُ تنقيحَ المناطِ، وهي تنقيحُه بالنقص، هي السبر والتقسيم بعينه، وتنقيحُه بالزيادة هي مفهومُ الموافقةِ بعينه وهو المعروفُ عند الشافعي رحمه الله بالقياس في معنى الأصل.
الضربُ الثالثُ:
تخريج المناط
. وهو استخراج العلةِ بمسلكِ المناسبةِ والإخالةِ بعينه. وسيأتي -إن شاء اللَّه- في استنباطِ العلة بالمناسبة.
هذا هو المعروفُ في الاصطلاح.
وظاهرُ كلامِ المؤلفِ أنَّ مرادَه بتخريج المناطِ هو استخراجُ العلةِ بالاستنباطِ مطلقًا، فيدخلُ فيه السبرُ والتقسيمُ والدورانُ الوجوديُّ والعدمي مع المناسبةِ والإخالة.
قال المؤلف
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(فصل في
إثباتِ القياسِ على منكريه
قال بعض أصحابنا: يجوزُ التعبدُ بالقياسِ شرعًا وعقلًا؛ لقول أحمدَ رحمه الله: لا يستغني أحدٌ عن القياس.
(1)
(3/ 806).
وبه قال عامةُ الفقهاءِ والمتكلمين.
وذهبَ أهلُ الظاهرِ والنظامِ إلى أنَّه لا يجوزُ التعبدُ به عقلًا ولا شرعًا، وأومأَ إليه أحمدُ رحمه الله فقال: يجتنبُ المتكلمُ في الفقه المجمل والقياس. وحمله القاضي على قياسٍ يخالفُ نصًّا. .) الخ.
اعلمْ أولًا أنَّ ما ورد عن الصحابةِ مِنْ ذمِّ الرأي والتحذيرِ منه، إنَّما يعنون به الرأي الفاسدَ، كالقياس المخالفِ للنصِّ، أو المبني على الجهل؛ لإجماعهم على العمل بالرأي والاجتهاد فيما لا نصَّ فيه.
وإلى هذا أشار في "المراقي" بقوله:
وما روي من ذمه فقد عني
…
به الذي على الفسادِ قد بني
وذكر المؤلف أدلة لوجوب العملِ بالقياسِ، منها:
1 -
أنَّ عدمَ العمل به يُفضي إلى خلوِّ كثيرٍ من الحوادثِ عن الأحكامِ؛ لقلةِ النصوصِ وكونِ الصورِ لا نهايةَ لها.
2 -
ومنها: أنَّ العقلَ يدركُ حكمَ العلل الشرعية، إذْ مناسبتُها للحكمِ عقليةٌ مصلحيةٌ يدركُ العقلُ طلب تحصيلها وورود الشرع بها.
3 -
ومنها: أننا نستفيدُ بالقياسِ ظنًّا غالبًا، والعملُ بالظنِّ الراجح متعينٌ.
4 -
ومنها: إجماعُ الصحابة رضي الله عنهم على الحكمِ بالرأي في الوقائع الخاليةِ من النصِّ، كقياسهم العهدَ على العقدِ في الإمامةِ العظمى، وكاجتهادهم في مسالةِ الجدِّ والإخوة، وتمثيلهم في ذلك
بالغصنين والخليجين، وكقولهم في المشرَّكة، وكقول أبي بكر رضي الله عنه في الكلالة:"أقول فيها برأي"، وكقول عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري:"اعرف الأشباه والأمثالَ، وقس الأمورَ برأيك"، وكقولهم في السكرانِ:"إذا سكرَ هذى وإذا هذى افترى"، فحدوه حدَّ الفرية، وكقول معاذٍ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يجتهدُ حيثُ لا كتابَ ولا سنة، فصوَّبه النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وأمثالُ هذا كثيرٌ جدًّا، إنْ لم تتواتر آحادها حصل بمجموعها العلمُ الضروري أنهم كانوا يجتهدون فيما لا نصَّ فيه.
5 -
وقد استدلَّ على إثبات القياسِ بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (2)} [الحشر/ 2]، وحقيقةُ الاعتبار مقايسةُ الشيء بغيره، كقولهم: اعتبر الدينارَ بالصنجةِ. وهذا الاعتبارُ هو القياس.
6 -
وقولُه صلى الله عليه وسلم: "الحمدُ للَّه الذي وفَّق رسولَ رسولِ اللَّه لما يُرضي رسولَ اللَّه".
7 -
وقولُه صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهدَ الحاكمُ فأخطأ فله أجرٌ".
8 -
وقولُه صلى الله عليه وسلم: "أرأيتِ لوْ كان على أبيكِ دينٌ فقضيتِه أكان ينفعُه؟ " قالتْ: نعم، قال:"فدَيْنُ اللَّهِ أحقُّ أنْ يُقضى"؛ فهو تنبيهٌ على قياس دَيْنِ اللَّهِ على دَيْنِ المخلوق.
9 -
وقولُه صلى الله عليه وسلم لعمرَ حين سأله عن القبلةِ للصائم: "أرأيت لوْ تمضمضتَ"؛ فهو قياسٌ للقُبلةِ على المضمضةِ بجامع أنَّ الكل مقدمةُ الفطر.