الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو بعلةٍ غيرِ المتأخرة، بخلافِ قياس الدلالة، لجوازِ تأخيرِ الدليلِ عن المدلول.
ومنع غيرُ واحدٍ ظهورَ حكمِ الفرع للمكلَّفينَ قبل ظهورِ حكمِ الأصلِ مطلقًا. وعليه درج صاحبُ "المراقي" بقوله:
منع الدليلين وحكم الفرعِ
…
ظهوره قبل يرى ذا منعِ
الركنُ الرابعُ:
العلة:
وهي الجامعُ بين الفرع والأصل، وهو الوصفُ المشتملُ على الحكمةِ الباعثةِ على تشريع الحكم.
فتعريفُ المؤلفِ لها بأنَّها مجردُ علامةٍ لا يخلو من نظرٍ، وقد تبِعَ فيه غيرَه، وهو مبنيٌّ على قول المتكلمين: إنَّ الأحكامَ الشرعيةَ لا تُعَلَّلُ بالأغراضِ قائلينَ: إنَّ الفعل من أجل غايةٍ معينةٍ يتكملُ صاحبُه بوجود تلك الغاية، واللَّه جلَّ وعلا منزَّهٌ عن ذلك؛ لأنَّه غنيٌّ لذاته الغنى المطلق.
والتحقيقُ أنَّ اللَّه يشرعُ الأحكامَ من أجل حِكمٍ باهرةٍ ومصالح عظيمةٍ، ولكنَّ المصلحةَ في جميع ذلك راجعةٌ إلى المخلوقينَ الذين هم في غايةِ الفقرِ والحاجةِ إلى مَا يشرعُه لهم خالقهم من الحكمِ والمصالح، وهو جلَّ وعلا غنيٌّ لذاته الغنى المطلق، سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليقُ بجلاله وكماله.
واعلمْ -أولًا- أنَّ العلةَ قد تكونُ حكمًا شرعيًّا، كما تقدم في قياس الدلالة.
وتكونُ وصفًا عارضًا، كالشدةِ في الخمر.
وتكونُ وصفًا لازمًا، كالأنوثةِ في ولايةِ النكاح.
وقد تكونُ فعلًا للمكلَّف، كالقتلِ والسرقة.
وتكونُ وصفًا مجردًا، كالكيلِ عند مَنْ يعللُ به تحريم الربا في البرِّ.
وقد تكونُ مركبةً من أوصافٍ، كالقتل العمدِ العدوانِ، وكالاقتياتِ والادخارِ وغلبةِ العيشِ، عند مَنْ يعلِّلُ بذلك تحريمَ الربا في البرِّ.
وقد تكونُ نفيًا، نحو: لم ينفذْ تصرفُه لعدم رشدِه.
وتكونُ وصفًا مناسبًا وغيرَ مناسبٍ:
فالمنالسبُ كالإسكار لتحريم الخمر.
والظاهرُ أنَّ المرادَ بغيرِ المناسبِ يشملُ أمرين:
الأول: هو ما لم يتحقق فيه المناسبةُ ولا عدمها، كما تقدَّم في الدوران وقياسِ الشبهِ مِنْ أنَّ الوصفَ المدارَ في الدورانِ والوصف الجامعَ في قياس الشبهِ لا يشترطُ في واحدٍ منهما تحققُ المناسبةِ فيه، بل يكفي في الدواران احتمالُ المناسبةِ، ويكفي في الشبهِ أنْ يشبهَ المناسبَ مِنْ جهةٍ، ولو كان يشبهُ الطرديَّ من جهةٍ أخرى.
وكذلك الوصفُ المومى إليه في مسلك الإيماءِ والتنبيه، فالأكثرونَ من الأصوليين لا يشترطونَ فيه المناسبة.
والثاني: هو ما تخلفت فيه الحكمةُ عن العلةِ في بعضِ الصورِ مع كونِ وجودها هو الغالب.
ومثالُه: المسافرُ سفر ترفُّهٍ كالنائمِ على محملٍ، فإنَّ أكثر أهل العلم على أنَّ له أنْ يترخص بسفره ذلك، فيقصرَ الصلاةَ ويُفطرَ في رمضان، لأنَّ العلةَ التي هي السفرُ موجودةٌ، ووصفُ السفرِ في هذا المثالِ ليس مناسبًا لتشريع الحكم؛ لتخلف الحكمة؛ لأنَّ حكمةَ التخفيفِ بالقصرِ والإفطارِ هي تخفيفُ المشقةِ على المسافر، وهذا المسافرُ المذكورُ لا مشقةَ عليه أصلًا.
ووجهُ بقاءِ الحكمِ هنا مع انتفاءِ حكمته هي أنَّ السفر مظنَّةُ المشقةِ غالبًا، والمعلَّلُ بالمظانّ لا يتخلفُ بتخلفِ حكمته، اعتبارًا بالغالبِ وإلغاءً للنادر.
وممَّا يوضحُ ذلك أنَّ الوصف الطرديَّ المحضَ لا يُعَلَّلُ به قولًا واحدًا.
وربما كانت العلةُ وصفًا غيرَ موجودٍ في محلِّ الحكمِ إلا أنَّه يترقبُ وجوده، كتحريم نكاحِ الأمةِ لعلةِ خوفِ رقِّ الولدِ.
قال المؤلف
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(قال بعضُ أصحابنا: مِنْ شرطِ العلةِ أنْ تكونَ متعدية، فإنْ كانت قاصرةً على محلِّها، كتعليلِ الربا في الأثمانِ بالثمنيَّة، لم يصح، وهو
(1)
(3/ 888).
قولُ الحنفيةِ. . .) الخ.
اعلمْ أنَّ علةَ الحكمِ إذا كانت لا تتعدَّاهُ إلى غيره، أجمع العلماءُ على منع القياس بها، لعدمِ تعديها إلى الفرع.
واختلفوا في صحةِ تعليلِ محلِّها القاصرةِ عليه بها:
فذكر المؤلفُ عن الأصحابِ عدمَ صحته، وعزاهُ للحنفية، واستدلَّ له بثلاثةِ أمور:
الأول: أنَّ علل الشرع أماراتٌ، والقاصرةُ ليست كذلك.
الثاني: أنَّ الأصل عدمُ العمل بالظنِّ، وإنَّما جُوِّزَ لضرورة العملِ بالأدلةِ الظنِّية، والقاصرةُ لا عمل بها.
الثالثُ: أنَّ القاصرةَ لا فائدةَ فيها.
وأجاز التعليلَ بها أكثرُ المالكيةِ والشافعية، وصححه صاحبُ "جمع الجوامع"، واختاره أبو الخطَّاب، وعليه درج في "المراقي" بقوله:
وعلَّلوا بما خلتْ مِنْ تعدية
…
ليعلم امتناعه والتقوية
وذكروا لها فوائد، منها:
1 -
أنَّها تقوي الحكمَ بإظهارِ حكمته، وذلك أدعى إلى القبولِ والطمأنينة.
2 -
ومنها أنَّها يعلمُ بسببها امتناعُ القياسِ عليه، لكونها قاصرةً على