الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجامعِ الكيل.
(طرق إثبات العلة)
اعلمْ أنَّ إثباتَ العلةِ له طريقان: النقلُ، والاستنباط.
فالنقلُ ثلاثةُ أضربٍ، والاستنباطُ ثلاثةُ أضربٍ كذلك.
أَضْرُبُ إثباتِ العلةِ بالنقل:
الضربُ الأول: النصُّ الصريحُ على العِلِّية، نحو:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة/ 32]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّما جُعِلَ الاستئذانُ مِنْ أجلِ البصر".
والمؤلفُ جعل اللامَ -لامَ التعليلِ-، والباء، ونحو ذلك، من الصريح، نحو:{إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة/ 143]، ونحو:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال/ 13، الحشر/ 4]، ونحو ذلك.
وغيرُه جعلَ هذا من الظاهر لا من الصريح.
الضربُ الثاني: الإيماءُ والتنبيه، أنْ يُقْرَنَ الحكمُ بوصفٍ على وجهٍ لو لم يكنْ علةً لكان الكلامُ معيبًا عند العقلاء.
وأنواعُ الإيماءِ والتنبيه -عند المؤلف- ستةٌ:
الأول: أنْ يُذكر الحكمُ عقب وصفٍ بالفاءِ، فيدلَّ على أنَّ ذلك الوصفَ علةٌ لذلك الحكمِ، نحو: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي
الْمَحِيضِ} [البقرة/ 222]، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة/ 38].
ويلحق بهذا ما رتبه الراوي بالفاءِ، كقوله:"سها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فسجد"، و"رَضَّ يهوديٌّ رأسَ جاريةٍ فأمرَ عليه الصلاة والسلام أنْ يُرَضَّ رأسُه بين حجرين".
وبعضُ علماء الأصولِ يقول: إنَّ ما رتبه الراوي الفقيه بالفاء مقدَّمٌ على ما رتبه بها الراوي غيرُ الفقيه.
الثاني: ترتيبُ الحكم على الوصف بصيغة الجزاء يدلُّ على التعليل، كقوله تعالى:{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب/ 30]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)} [الطلاق/ 2].
الثالث: أنْ يُذْكَر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أمرٌ حادثٌ فيجيبُ بحكم، فيدل على أنَّ ذلك الأمرَ المذكورَ له صلى الله عليه وسلم علةٌ لذلك الحكم الذي أجابَ به، كقول الأعرابي:"واقعتُ أهلي في نهارِ رمضان"، فقال له صلى الله عليه وسلم:"أعتق رقبةً"، فدلَّ على أنَّ الوقاعَ هو علةُ العتق.
الرابع: أن يَذْكُر مع الحكم شيئًا لو لم يُقَدَّر التعليل به لكان لغوًا غير مفيدٍ، وهو قسمان:
الأول: أن يستنطقَ السائلَ عن الواقعةِ بأمرٍ ظاهرِ الوجود، ثم يذكر الحكم عقبه، كقوله لمَّا سئل عن الرطب بالتمرِ، قال:"أينقصُ الرطبُ إذا يبسَ؟ " قالوا: نعم، قال:"فلا إذًا"، ، فلو لم يكن نقصانُ الرطب باليبس علةً للمنع لكان الاستكشافُ عنه لغوًا.
الثاني: أن يعدل في الجوابِ إلى نظيرِ محلِّ السؤال، كما روي أنَّه
لمَّا سألته الخثعميةُ عن الحجِّ عن الوالدين، فقال صلى الله عليه وسلم:"أرأيتِ لو كان على أمِّك دينٌ فقضيتِهِ، أكان ينفعها؟ " قالت: نعم، قال:"فديْنُ اللَّهِ أحقُّ بالقضاء"، ففُهِمَ منه التعليل بكونه دينًا.
الخامس: أن يُذْكَر في سياق الكلامِ شيءٌ لو لم يعلل به صار الكلامُ غيرَ منتظم، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة/ 9]، فإنَّه يفهم منه أنَّ علة النهي عن البيع كونه مانعًا من السعي إلى الجمعة.
السادس: ذكرُ الحكم مقرونًا بوصفٍ مناسبٍ، كقوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} [الانفطار/ 13 - 14] أي لبرِّهم وفجورهم.
الضرب الثالث: ثبوتُ العلةِ بالإجماع، كالإجماع على تأثيرِ الصغرِ في الولايةِ على المال.
واعلمْ أنَّ بعضَ الأصوليين يقولون بتقديم الإجماع على النصِّ، لأنَّ النصَّ يحتملُ النسخَ، والإجماعَ لا يحتملُه. وسيأتي بيانُ ذلك، وبيانُ موجب تقديم الإجماع على النصِّ، في الكلام على ترتيب الأدلة.
ومرادهم بالإجماع الذي يقدمُ على النصِّ خصوصُ الإجماعِ القطعي دون الإجماع الظنيِّ.
وضابطُ الإجماع القطعي هو الإجماعُ القولي، لا السكوتي، بشرط أن يكونَ مشاهدًا أو منقولًا بعدد التواترِ في جميع طبقاتِ السند.