الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإلى هذه الأقوال في هذه المسألة أشار في "المراقي" بقوله:
والأمرُ للوجوب بعد الحظلِ
…
وبعد سؤلٍ قد أتى للأصلِ
أو يقتضي إباحة للأغلب
…
إذا تعلقَ بمثل السبب
إلَّا فذى المذهب والكثيرُ
…
له إلى إيجابه مصيرُ
قال المؤلف
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(فصل
الأمرُ المطلقُ لا يقتضى التكرارَ
في قول أكثر الفقهاء والمتكلمين، وهو اختيار أبي الخطاب، وقال القاضي وبعضُ الشافعية: يقتضى التكرارَ. . .) الخ.
خلاصةُ ما ذكره المؤلفُ في هذا المبحث أنَّ الأمر المطلقَ؛ أي غير المقيَّدِ بمرةٍ ولا تكرارٍ ولا صفةٍ ولا شرطٍ، فيه أربعة أقوال:
الأوَّل: لا يقتضي التكرار. وهو الحق.
الثَّاني: يقتضيه.
الثالث: إن عُلِّقَ على شرطٍ اقتضى التكرار، وإلَّا فلا.
الرابع: إنْ كُرِّرَ لفظُ الصيغة اقتضى التكرار، وإلا فلا.
أعلم أولًا أنَّ ذكر القول بأنَّه إنْ علِّق على شرطٍ مكرر سهوٌ من
(1)
(2/ 616).
المؤلف رحمه الله؛ لأنَّ الكلام في الأمر المطلقِ خاصةَ، والمعلقُ على شرطٍ غيرُ مطلق.
والحقُّ أنَّ المطلقَ لا يقتضى التكرار، بل يخرجُ من عهدته بمرةٍ واحدة، فلو قال لوكيله: طلِّق زوجتي، فليس له إلَّا تطليقة واحدة. ولو قال لعبده: اشتر متاعًا لم يلزمْه ذلك إلا مرَّة واحدة. وهذا لا شك فيه، سواء قلنا باقتضائه المرة، أو مطلق الماهية، لأنَّ معناهما آيلٌ إلى شيء واحد؛ فادِّعاءُ اقتضاء التكرارِ لا وجه له ألبتة.
وكذلك تكرير الصيغة، فكونُه للتأكيد أظهر.
تنبيهان:
الأوَّل: إذا عُلِّق الأمرُ على شرطٍ، فالظاهرُ أنَّه يكونُ بحسب ما يدلُّ عليه ذلك الشرطُ لغة، فإن كان يفيدُ التكرار تكرَّرَ، وإلَّا فلا.
مثالُ الأوَّل: كما جاءك زيدٌ فأعطه درهمًا.
ومثالُ الثَّاني: إنْ جاءك زيدٌ فأعطه درهمًا.
الثَّاني: قول المؤلف
(1)
: (وقولهم: إنَّ الحكم يتكررُ بتكرر العلة، فكذا الشرطُ.
قلنا: العلة تقتضي حكمها، فيوجدُ بوجودها، والشرطُ لا يقتضي. . .) إلخ.
(1)
(2/ 621).
معناه أنَّه قائل بأن الحكم يتكرر بتكرر علته، وكذلك كلام محشيه.
والظاهرُ أنَّ ذلك لا يصحُّ على الإطلاق؛ لأنَّ تكرر العلة قد يتكررُ معه الأمرُ وقد لا يتكرر، إمَّا إجماعًا، وإمَّا على قول.
فمثالُ ما لا يتكررُ فيه الأمرُ بتكرر علته قولًا واحدًا: مَنْ بال مرَّات متعددة، أو جامعَ كذلك، فعلة وجوب الوضوء والغسل متكررةٌ، والأمرُ بهما غيرُ متكررٍ، بل يكفي فيهما واحد.
وكذلك من زنا مرَّات قبل أن يُحَدَّ، أقيم عليه حَدٌّ واحد.
ومثالُ ما يتكررُ فيه إجماعًا: أن يضرب امرأةً حاملًا فتسقط جنينين، فعليه غُرَّتان. ومنْ وُلِدَ له توأمان فعليه عقيقتان.
ومثالُ ما اختُلف فيه: تعددُ صاع المُصَرَّاة بتعدد الشِّياه، وتعدد كفارة الظِّهار إنْ ظاهر من زوجاتٍ، وتعدد غسل الإناء بتعدد ولوغ كلبٍ أو كلاب، وتعدُّد الحمد بتعدُّد العُطاس، وحكاية أذان المؤذنين، إلى غير ذلك.
قال المؤلف
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(مسألة
الأمر يقتضي فعل المأمور على الفور في ظاهر المذهبِ، وهو قول
(1)
(2/ 623).
الحنفية. وقال أكثر الشَّافعية: هو على التراخي. . .) الخ.
خلاصةُ ما ذكره في هذا المبحث أنَّ فيه القولين المذكورين.
وكونه للفور هو الحقُّ؛ لأمورٍ:
الأوَّل: أن ظواهر النصوص تدلُّ عليه، كقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران/ 133]، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ. . .} الآية [الحديد/ 21]، وقوله:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [المائدة/ 48]، وقد مدح اللَّه تعالى المسارعين بقوله:{أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} الآية [المؤمنون/ 61].
الثَّاني: أنَّ السيد لو أمر عبده فلمْ يمتثلْ، فعاقبه، لم يكن له عذرٌ بأنَّ الأمرَ على التراخي، وذلك مفهومٌ من وضع اللُّغة.
الثالث: أنَّه لو قيل: هو على التراخي، فلا بدَّ أن يكون لذلك التراخي غايةٌ أو لا.
فإن قيل: له غاية. قلنا: مجهولة، والتكليفُ بالمجهول لا يصحُّ.
وإن قيل: إلى غير غاية. قلنا: أدَّى ذلك إلى سقوطه، والفرضُ أنَّه مأمورٌ به.
وإن قيل: غايته الوقتُ الذي يغلبُ على الظنِّ البقاءُ إليه. فالجوابُ أنَّ ظنَّ البقاء معدومٌ؛ لأنَّه لا يدري أيخترمه الموتُ الآن، وقد حذَّر تعالى من التراخي لئلا يفوت التدارك باقتراب الأجل، بقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ