الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا علمت ذلك فهذه تفاصيل الأحكام الشرعية.
قال المؤلف
(1)
رحمه الله:
(أقسامُ أحكام التكليف
خمسة: واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحظور).
التكليف لغة: هو إلزام ما فيه كلفة، أي مشقة.
ومنه قول الخنساء:
يُكَلِّفُه القومُ ما نابهم
…
وإنْ كان أصغرهم مولدًا
وقول علقمة بن عبدة التميمي:
تكلِّفني ليلى وقد شَطَّ وَلْيُها
…
وعادت عوادٍ بيننا وخطوبُ
وحده في الاصطلاخ: قيل: "إلزام ما فيه مشقة".
وقيل: "طلب ما فيه مشقة".
فعلى الأول لا يدخل في حده إلا الواجب والحرام؛ إذْ لا إلزام بغيرهما، وعلى الثاني يدخل معهما المندوب والمكروه؛ لأنَّ الأربعة مطلوبة.
وأما الجائز فلا يدخل في تعريف من تعاريف التكليف؛ إذْ لا طلب به أصلاً، فعلا ولا تركًا، وإنَّما أدخلوه في أقسام التكليف مسامحةً
(1)
يعني ابن قدامة في كتابه "روضة الناظر وجنة المناظر"(1/ 146)، تحقيق د. عبد الكريم النملة، مكتبة الرشد، الطبعة السابعة.
وتكميلًا للقسمة المشار إليها بقول المؤلف
(1)
: (وجه هذه القسمة أن خطاب الشرع إمَّا أنْ يَرِدَ باقتضاءِ الفعلِ أو التركِ أو التخيير بينهما، فالذي يَرِدُ باقتضاءِ الفعل أمرٌ، فإن اقترن به إشعارٌ بعدم العقاب على الترك فهو ندب، وإلا فيكون إيجابًا، والذي يَرِدُ باقتضاء التركِ نهيٌ، فإن أشعر بعدم العقاب على الفعل فكراهةٌ، وإلا فحظرٌ).
كلامه واضح.
الواجب
ثم قال
(2)
: (وحد الواجب: "ما تُوُعِّدَ بالعقاب على تركه".
وقيل: "ما يعاقب تاركه".
وقيل: "ما يلزم تاركه شرعًا العقاب").
اعلم أولًا: أنَّ الوجوب في اللغة هو سقوط الشيء لازمًا محلَّه، كسقوط الشخص ميتًا، فإنه يسقط لازمًا محلَّه لانقطاع حركته بالموت، ومنه قوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج/ 36] أي سقطت ميتة لازمة محلَّها، وقوله صلى الله عليه وسلم في الميت:"فإذا وجب فلا تبكين باكية".
وقول قيس بن الخطيم:
أطاعت بنو عوفٍ أميرًا نهاهمُ
…
عن السِّلْمِ حتى كان أول واجبِ
ويطلق الوجوب على اللزوم.
(1)
(1/ 146 - 148).
(2)
(1/ 150).
وفي الاصطلاح عرَّفه المؤلف بأنه: "ما تُوُعِّدَ بالعقاب على تركه". والوعيد بالعقاب على تركه لا ينافي المغفرة، كما بيَّنه تعالى بقوله:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء/ 48].
وإن شئت قلت في حد الواجب: "ما أُمر به أمرًا جازمًا".
وضابطه: أن فاعله موعود بالثواب، وتاركه متوعد بالعقاب، كالصلاة والزكاة والصوم.
قال المؤلف
(1)
رحمه الله:
(والفرض هو الواجب على إحدى الروايتين).
فحاصل كلامه أنَّ الفرض هو الواجب على إحدى الروايتين، وهو قول الشافعي ومالك، وعلى الرواية الأخرى فالفرض آكدُ من الواجب، فالفرضُ ما ثبت بدليل قطعيٍّ كالصلاة، والواجب ما ثبت بدليل ظنيٍّ كالعمرة عند من أوجبها، وهو قول أبي حنيفة.
وقيل: الفرضُ ما لا يسامَحُ بتركه عمدًا ولا سهوًا كأركان الصلاة، والواجب ما يسامَحُ فيه إن وقع من غير عمدٍ كالصلاة بالنجاسة عند من يقول بالمسامحة في ذلك.
واصطلح كثير من العلماء من مالكية وشافعية وحنابلة على إطلاق الواجب على السنة المؤكدة تأكيدًا قويًّا.
(1)
(1/ 151).
فصل
قال المؤلف
(1)
رحمه الله:
(والواجب ينقسم إلى معيَّن وإلى مبهم في أقسام محصورة. . .).
اعلم أن الواجب ينقسمُ ثلاثة تقسيمات:
1 -
ينقسم باعتبار ذاته إلى واجب معيَّن لا يقومُ غيرُه مقامه، كالصوم والصلاة.
وإلى مبهم في أقسام محصورة، فهو واجبٌ لا بعينه، كواحدةٍ من خصال الكفارة في قوله تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة/ 89]، فالواجب واحد منها لا بعينه، فأي واحد فعله الحانث أجزأه.
وزَعْمُ المعتزلة أنَّ التخيير مطلقًا ينافي ذلك الوجوب باطلٌ؛ لأنَّه لم يخير بين الفعل والترك تخييرًا مطلقًا حتى ينافي ذلك الوجوب، بل لا يجوز ترك بعضها إلا مشروطًا بفعل بعضٍ آخر منها، فلو ترك جميعها لكان آثمًا، ولا خيار له في ترك الجميع، ولا يجب عليه فعل جميعها إجماعًا.
فتبين أن الواجب واحدٌ منها لا بعينه؛ لأن كل واحد منها يفي بالمقصود الشرعي، ولا يحصل دون واحد منها.
(1)
(1/ 156).
وكذلك غير المحصورة، كإعتاق رقبة في الظهار أو اليمين، فإن الواجب في ذلك رقبة لا بعينها من غير حصر لما تجب منه.
ونظير ذلك تزويج المرأة الطالبة للنكاح من أحد الكفأين الخاطبين، وعقد الإمامة لأحد الرجلين الصالحين؛ فإن كل ذلك يجب في واحد لا بعينه، ولا يمكن أن يقال فيه بإيجاب الجميع ولا بسقوط إيجاب الجميع كما ترى.
2 -
وينقسمُ الواجبُ -أيضًا- باعتبار وقته إلى مضيَّقٍ وموسَّع.
فالواجبُ المضيَّقٌ: هو ما وقتُه مضيَّق.
وضابطُ ما وقتُه مضيَّقٌ واجبًا كان أو غيره: هو ما لا يسع وقتُه أكثر من فعله، كصومِ رمضانَ في الواجب، وستة من شوال عند من يقول بأنَّها لابد أَن تكون متتابعة تلي يوم الفطر، وهو ظاهر حديث أبي أيوب، وحديث ثوبان، والأيام البيضِ في غير الواجب.
والواجبُ الموسَّعُ هو ما يسعُ وقتُه أكثر من فعله، كالصلوات الخمس. ومثالُه في غير الواجب: الوتر، وركعتا الفجر، والعيدان، والضحى.
والوقت في الاصطلاح: هو الزمن الذي قدَّره الشارع للعبادة.
وما زعمه بعضهم من أنَّ الواجب الموسع مستحيل، زاعمًا أنَّ التخيير في فعل العبادة ذات الوقت الموسع في أول الوقت ووسطه ينافي الوجوب، إذ الواجب حتمٌ، لا تخييرَ فيه، ولا يجوز تركه = فهو باطل -أي الزعم بأنَّ الواجب الموسع مستحيل-؛ لأن الواجب
الموسع من قبيل الواجب المبهم في واحد لا بعينه، كالصلاة يجب أن تؤدى في حصةٍ من حصص الوقت لا بعينها، كوجوب واحدةٍ من خصال الكفارة لا بعينها، فأي حصة من حصص الوقت من أوله أو وسطه أو آخره فعل فيها الصلاة أجزأته، كما أن أي واحدة من خصال الكفارة فعلها أجزأته.
وقد أجمع العلماءُ على أنَّ من أدى الصلاة في أول وقتها أنه يثاب ثواب الفرض، وتلزمه نية الفرض -محلُّ الاستدلال لزومُ نية الفرض مع جواز التأخير-؛ فدلَّ ذلك على بطلان قول من قال: إنه لو وجبت في أول الوقت لما جاز ترك أدائها إلى وسط الوقت أو آخره، وتبين أنها غير واجبة في أول الوقت، لأن التخيير في تركها في ذلك الوقت إلى ما بعده ينافي الوجوب، ولا شك أن ذلك كله باطل كما بينا.
3 -
وينقسم الواجبُ -أيضًا- باعتبار فاعله إلى واجب عينيٍّ وواجب على الكفاية.
فالواجب العيني: هو ما يَنْظُرُ فيه الشارع إلى ذات الفاعل، كالصلاة والزكاة والصوم؛ لأن كل شخص تلزمه بعينه طاعة اللَّه عز وجل؛ لقوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات/ 56].
وأمَّا الواجب على الكفاية فضابطه أنه ما يَنْظُرُ فيه الشارعُ إلى نفس الفعل، بقطع النظر عن فاعله، كدفن الميت، وإنقاذ الغريق، ونحو ذلك؛ فإنَّ الشارع لم ينظر إلى عين الشخص الذي يدفن الميت أو ينقذ الغريق، إذ لا فرق عنده في ذلك بين زيد وعمرو، وإنما ينظر إلى نفس
الفعل الذي هو الدفن والإنقاذ مثلًا، وستأتي مسألة فرضِ الكفاية في مباحث الأمر -إن شاء اللَّه تعالى-.
فصل
قال المؤلف
(1)
:
(إذا أخرَّ الواجب الموسَّع فمات في أثناء وقته قبل ضيقه لم يمت عاصيًا. . .) الخ.
خلاصة ما ذكره المؤلف في هذا الفصل أنَّ المكلف إذا مات في أول الوقت أو وسطه والحال أنه لم يؤدِّ الصلاة لم يمت عاصيًا؛ لأن الوقت موسع، والوقت الموسع يجوزُ للإنسان أن يأتي بالصلاة في أية حصة شاءها من حصصه، سواءً كانت من أوله أو وسطه أو آخره.
وأمَّا إن مات والحالُ أنه لم يبق من الوقت قدر ما يسع الصلاة، فإنه إذًا يموت غير عاصٍ فيما إذا لم يغلبْ على ظنه أنه يموت في أول الوقت أو وسطه، كالمحكوم عليه بالقتل مع تعيين وقت التنفيذ؛ لأن الوقت يضيق في حقِّه بسبب ظن الموت.
فلو تخلف الظن وسلم من الموت، وأدى الصلاة في آخر الوقت، فهل تكون صلاته أداء -وهو الظاهر؛ لوقوعها في الوقت- أو تكون قضاءً ولو وقعت في آخر الوقت، بناءً على أن الوقت ضاق في حقه بسبب ظن الموت، بدليل أنه لو مات في الوقت مع ظن الموت
(1)
(1/ 177).