الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آثارُها وجودًا وعدمًا.
كما أشار إليه في "المراقي" بقوله:
أصلٌ كبيرٌ في أمورِ الآخرة
…
والنافعاتِ عاجلًا والضائرة
قال المؤلفُ
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(فصل
فأمَّا الدلالة على صحةِ العلةِ باطرادها ففاسدٌ. . .) الخ.
اعلمْ -أولًا- أنَّ هذا المسلكَ من مسالك العلةِ هو المعروفُ ب
الطرد
، ويُسمى بالدورانِ الوجوديِّ، وهو مختلَفٌ في صحةِ دلالته على العلة:
فجمهورُ العلماء على أنَّه مردودٌ، وعليه درج المؤلف.
وذهب طوائفُ من أصحاب أبي حنيفة إلى أنَّه حجةٌ إنْ سلمَ من الانتقاضِ وجرى على الاطراد.
ومثاله: المائعُ الذي تبنى عليه القناطرُ، ويُصادُ فيه السمكُ، تقعُ به الطهارة.
فنقولُ: ليس بعلةٍ؛ لأنَّ الطهارةَ تقعُ بغيرِ المذكورِ، كالترابِ ونحوه.
(1)
(3/ 863).
وذهب كثيرٌ من الشافعيةِ إلى أنَّه حجَّةٌ بشرطِ مقارنةِ الحكمِ والوصفِ في جميعِ الصورِ غير صورة النزاعِ، إلحاقًا للنادرِ بالأغلب.
وقيل: تكفي المقارنةُ في صورة واحدة. ولا يخفى بُعْدُه.
وذهب الكرخيُّ من الحنفيةِ إلى أنَّه مقبولٌ جدلًا لا فتيا وعملًا. وهو بعيدٌ أيضًا.
فإذا عرفتَ ذلك، فاعلمْ أنَّ معنى الطردِ هو ما قدَّمنا من أنَّه الملازمةُ في الثبوت، أي كلما ثبت الوصفُ ثبتَ معه الحكم.
والمرادُ بالطردِ هنا الملازمةُ في الثبوتِ فقط، أي وعدمُ الملازمةِ في الانتفاء، فقولُ المؤلفِ:(فأمَّا الدلالةُ على صحةِ العلةِ باطرادها ففاسدٌ) يعني به دورانَ الحكمِ معها وجودًا فقط لا عدمًا.
وخلاصةُ ما ذكر فيه المؤلفُ أنَّه لا يدلُّ على العلية، إذْ لا معنى له إلا سلامتها من مفسدٍ واحدٍ هو النقضُ، والنقضُ هو وجودُ الحكم دونَ الوصفِ -كما سنوضحُه إنْ شاء اللَّه تعالى في مبحثِ القوادح-، وانتفاءُ المفاسدِ ليس بدليلِ على الصحة، بل لو سلم من كل مفسدٍ لم يكن دليلًا على الصحة، كما لو سلمتْ شهادةُ المجهولِ من جارح لم تكنْ حجةَ ما لم تقمْ بينة معدلةٌ مزكية، فكذلك لا يكفي في الصحةِ انتفاءُ المفسدِ، بل لابدَّ من دليلٍ على الصحة.
فلو قيل: دليلُ صحتها انتفاءُ المفسدِ، لقال الخصمُ: دليلُ فسادها انتفاءُ المصحح.
قال المؤلفُ
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(ثم للمعترضِ في إفساده المعارضة بوصفٍ مطردٍ يختصُّ بالأصلِ فلا يجدُ إلى التخلصِ عنه طريقًا، كقولهم في الخلِّ: مائعٌ لا يُصادُ من جنسه السمكُ، ولا تبنى عليه القناطرُ، فلا تحصلُ الطهارةُ به كالمرقِ) انتهى.
أي ومعلومٌ أنَّ كونه مائعًا لا يُصادُ من جنسه السمكُ. . . الخ، دائرٌ معه الحكمُ الذي هو عدمُ الطهارة، مع أنَّها أوصافٌ طرديةٌ لا تُناطُ بمثلها الأحكام؛ فظهرَ أنَّ الحكمَ يدورُ مع الوصفِ في الوجودِ وليس علة له.
تنبيه:
ذكر جماعةٌ من الأصوليين أنَّه يشترطُ في عدم الاحتجاجِ باطراد الوصفِ أن لا يكون مناسبًا بالذاتِ أو بالتبع.
فإنْ كان مناسبًا بالذاتِ فهو قياسٌ عليه لا طردٌ.
وإن كان بالتبعِ فهو قياسُ شبهٍ لا طردٌ.
وإلى هذا أشار صاحبُ "المراقي" بقوله معرِّفًا للطردِ:
حصولُ حكمٍ حيثما الوصفُ حصل
…
والاقترانُ في انتفا الوصفِ انحظل
ولم يكن تناسبٌ بالذاتِ
…
أو تبعٌ فيه لدى الثقاتِ
(1)
(3/ 864).
ثم يبينُ صاحبُ "المراقي" إبطالَ الردِّ بأنَّ المنقولَ عن الصحابةِ هو التعليلُ بالمناسبِ دون الطردِ حيث قال:
وردَّه النقلُ عن الصحابة
…
ومَنْ رأى بالأصل قد أجابه
ومعنى قوله: "ومن رأى بالأصلِ قد أجابه" أنَّ من رأى كون الطرد يفيدُ العلية أجاب المانعَ لذلك بأنَّ الأصل في الملازمةِ في الوجودِ أنْ تكونَ لموجبٍ يقتضي ذلك، وهو كونُ الوصفِ الدائر معه الحكم في الوجودِ علةً له.
تنبيه:
لا يلتبسُ عليك الطردُ بالوصف الطردي، فإنَّ الطردَ هو ما عرفناهُ الآن في هذا المسلك، والوصفُ الطرديُّ هو الذي ليس في إناطةِ الحكمِ به مصلحة، كالطولِ والقصر.
قال المؤلفُ
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(متى لزِم من الوصف المتضمن للمصلحةِ مفسدةٌ مساويةٌ للمصلحةِ أو راجحةٌ عليها، فقيل: إنَّ المناسبةَ تنتفي. . .) الخ.
اعلمْ أنَّ التحقيقَ في هذه المسألة أنَّ الخلافَ فيها لفظيٌّ؛ لأنَّ المصلحةَ إذا استلزمتْ مفسدةً مساويةً أو راجحةً، فإنَّ الحكمَ لا ينبني على تلك المصلحةِ قولًا واحدًا؛ لأنَّ الشرع لا يأمرُ باستجلاب مصلحةٍ مؤديةٍ لمفسدةٍ أكبر منها، أو مساويةٍ لها.
(1)
(3/ 865).