الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُقَدَّمُ من عُلِمَتْ جهة تحمله من سماع لفظ الشيخ أو القراءة عليه ونحو ذلك على رواية من لم تُعلم جهةُ تحمله.
وتُقَدَّمُ رواية المكلَّف وقت التحمل على رواية من هو صبيٌّ وقت التحمل، والحالُ أنَّه أدَّى بعد البلوغ؛ للاختلاف في المتحمل قبل البلوغ، وعدم الاختلاف في المتحمل بعد البلوغ؛ لأنَّ ما لا خلاف فيه يقدم على ما فيه خلافٌ، وإن كان المشهور المعروفُ قبول رواية من تحمَّل قبل البلوغ إذا كانت التأدية بعد البلوغ.
ويُقَدَّمُ راوي الحديث بلفظه على الراوي بالمعنى؛ لسلامة المرويِّ باللفظ عن احتمال وقوع الخلل في المرويِّ بالمعنى.
ويُقَدَّمُ خبر الراوي الذي لم ينكر شيخُه أنَّه حدَّثه على خبر من أنكر شيخُه الذي روى عنه روايته له عنه، وإن قلنا بأنَّ إنكاره لا يضر.
ويُقَدَّمُ ما في الصحيحين أو أحدهما على ما ليس فيهما.
إلى غير ذلك.
وكثيرٌ ممَّا ذكرنا من المرجِّحات باعتبار السند لا يخلو من خلافٍ، ولكن له كله وجهٌ من النظر.
الوجه الثاني من
الترجيح: بأمرٍ يعودُ إلى المتن
، كاعتضادِ أحد الدليلين المتعارضين بكتابٍ أَو سنةٍ أو غير ذلك من الأدلة، كأحاديثِ صلاة الصبح فإنَّ في بعضها التغليس بها، أي فعلها في بقية الظلام، وفي بعضها الإسفار بها، فتعتضدُ أحاديث التغليسِ بعموم قوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران/ 133].
وكأن يختلف في وقف أحد الخبرين على الراوي، والآخر يتفق على رفعه.
وكأن يكون راوي أحدهما قد نُقِلَ عنه خلافُه، فتتعارض روايتاه، ويبقى الآخر سليمًا عن التعارضِ، فيكون أولى.
وكأن يكون أحدهما مرسلًا، والآخر متصلًا، فالمتصلُ أولى؛ لأنَّه متفقٌ على الاحتجاجِ به، وذلك مختلفٌ فيه.
هذا حاصل ما ذكره المؤلف، وللأصوليين باعتبار حال المتن مرجحاتٌ كثيرةٌ غير ما ذكرها المؤلف:
منها: كثرةُ الأدلة، فالخبر الذي اعتضد بأدلة كثيرة مقدمٌ على ما اعتضد بأقل من ذلك من الأدلة.
ومنها: أن يكون المتنُ قولًا فهو مقدمٌ على الفعل، كما أنَّ الفعل مقدَّمٌ على التقرير. وإنَّما كان القولُ أقوى من الفعل لاحتمال الفعل الاختصاص به صلى الله عليه وسلم.
ويُفْهَمُ منه أن ليس كلُّ قول أقوى، بل إذا احتمل القول الاختصاص فلا يكون أقوى من الفعل، فلا يَرِدُ قولهم: إنَّ الإحرام بالعمرة من الجعرانة أفضل منه من التنعيم، تقديمًا لفعله صلى الله عليه وسلم على أمره لعائشة بالإحرام من التنعيم؛ لأنَّ أمره وإن كان قولًا يحتمل الخصوصية لعائشة، فليس أقوى من فعله، بل هو دونه كما قالوا؛ لاحتمال أنَّه إنَّما أمرها بذلك لضيق الوقت، لا لأنَّه أفضل، ويمكنُ على هذا أن يقاس على عائشة كلُّ من كان له عذرٌ.
وإنَّما كان الفعل مُقَدَّمًا على التقرير لأنَّ التقرير كالفعل الضمني، والفعل الصريحُ مقدَّمٌ على الضمني.
قال بعضهم: ويقدم تقريره ما وقع بحضرته على ما بلغه فأقرَّه.
ومنها: الفصاحة، فالخبر الفصيح يقدم على غير الفصيح؛ للقطع بأنَّ غير الفصيح مرويٌّ بالمعنى؛ لفصاحته صلى الله عليه وسلم.
ولا عبرة بزيادة الفصاحة، فلا يقدم الخبر الأفصح على الفصيح. وقيل: يقدم عليه؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، فيبعد نطقه بغير الأفصح، فيكون مرويًّا بالمعنى، فيتطرقُ إليه الخللُ.
وأجيب بأنَّه لا يعدُّ في نطقه بغير الأفصح؛ لأنَّه كان يخاطبُ العرب بلغاتهم.
ومنها: الزيادة، فالخبرُ المشتملُ على الزيادةِ يقدم على غيره؛ لما فيه من زيادةِ العلم، كخبر التكبير في العيدِ سبعًا، مع خبر التكبير فيه أربعًا، خلافًا لمن قدَّم الأقلَّ كالحنفية.
ومنها: ورود أحد الخبرين بلغة قريش، مع أنَّ الثاني واردٌ بغيرها؛ لاحتمال الوارد بغيرها الرواية بالمعنى، فيتطرَّق إليه الخلل.
ومنها: دلالة أحد الخبرين على علوِّ شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقوته، ودلالة الآخر على الضعف وعدم القوة؛ لأنَّ قوته صلى الله عليه وسلم وعلوَّ شأنه كان يتجدَّد شيئًا فشيئًا، فما أشعر بعلوِّ شأنه مقدَّمٌ على غيره، لأنَّ المشعر بعلوِّ شأنه معلومٌ أنَّه هو المتأخر.
ومنها: أن يتضمن الخبر قصة مشهورة، فإنه يقدَّم على المتضمن قصة خفية؛ لأنَّ القصة المشهورة يبعد الكذبُ فيها. قاله القرافي.
ومنها: ذكر السبب، فالخبر المذكور فيه السبب مقدمٌ على ما ليس كذلك؛ لاهتمام راوي الأول به، واهتمامُه دليلٌ على كمال ضبطه للمرويِّ؛ لأنَّه يترتبُ عليه عادةً.
وأيضًا، فإنَّ علم السبب يعين على فهم المراد، ولأجل ذلك اعتنى المفسرون بذكر أسباب نزول الآيات.
ومنها: أن يكون أحد الخبرين رواه راويه عن شيخه بدون حجاب، مع أنَّ الثاني رواه من وراء حجاب، كرواية القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنَّ بريرة عتقت في حال كون زوجها عبدًا، على رواية الأسود بن يزيد عنها أنَّه كان حرًّا؛ لأنَّ القاسم كان محرمَها لكونها عمَّته، وكان يسمعُ منها بدون حجابٍ، بخلاف الأسود.
ومنها: الخبر المدنيُّ، فإنَّه مقدمٌ على الخبر المكيِّ؛ لتأخره عنه.
ومعلومٌ أنَّ المدنيَّ ما رُوِيَ بعد الشروع في الهجرة، والمكيَّ ما رُوِيَ قبل الشروع فيها.
فيشملُ المدنيُّ ما ورد بعد الخروج من مكة، وقبل الوصول إلى المدينة في سفر الهجرة.
هذا هو الاصطلاح المشهور في المدنيِّ والمكيِّ.
ولذا كان المشهور عندهم في آية {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص/ 85] أنَّها مدنية، مع أنَّها نزلت بالجحفة في سفر الهجرة، كما قاله غير واحد.
ومنها: كون أحد الخبرين جامعًا بين الحكم وعلته، مع أنَّ الآخر ليس كذلك؛ لأنَّ الجامع بين الحكم والعلة أقوى في الاهتمامِ بالحكم من الخبر الذي فيه الحكم دون علته.
كحديثِ البخاري: "مَنْ بدَّل دينَه فاقتلوه"، فهذا الحديث يدلُّ بمسلك الإيماء والتنبيه على أنَّ علة القتل هنا هي تبديلُ الدين، فيشملُ الذكر والأنثى، مع الحديثِ الصحيح الآخر أنَّه صلى الله عليه وسلم "نهى عن قتل النساء والصبيان"، ففيه الحكم دون ذكر العلة، فيقدم عليه الأول لذكر العلة مع الحكم، فيكون الأرجح قتل المرتدة، خلافًا لمن منع قتل النساء مطلقًا بالكفر، مرتداتٍ كنَّ أو حربياتٍ، كالحنفية.
ومعلوم أنَّ النصَّين المذكورين بينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجه، والأعمَّان من وجهٍ يظهر تعارضهما في الصورة التي يجتمعان فيها، فيجب الترجيح، وهي هنا في المثالين: النساءُ المرتداتُ، فإنَّهنَّ يدخلن في عموم "مَنْ بدَّلَ دينَه فاقتلوه" بناء على ما هو الحقُّ من شمول لفظة "مَنْ" للأنثى، كقوله تعالى:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} الآية [الأحزاب/ 31]، {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ} الآية [الأحزاب/ 30]، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} الآية [النساء/ 124]، كما أنهنَّ يدخلن في عموم النهي عن قتل النساء الكافرات.
وإلى الترجيح بين الأعمَّين من وجهٍ أشار في "مراقي السعود" بقوله:
وإنْ يكُ العمومُ مِنْ وجهٍ ظَهَر
…
فالحكمُ بالترجيح حتمًا معتبر
ومنها: تأكيد الخبر، فالخبرُ المشتملُ على تأكيدٍ يقدم على الخبر الذي لم يشتمل عليه.
مثال المشتمل على توكيدٍ: حديثُ: "أيَّما امرأة نكحتْ بغير إذن وليها فنكاحُها باطلٌ باطلٌ"، مع حديث:"الأيِّمُ أحقُّ بنفسها" على تسليم ما فسرته به الحنفية؛ لأنَّ القصد مطلقُ المثالِ لا مناقشة أدلة الأقوال، فتكرار البطلان في الخبر الأول توكيدٌ لحكمه، فيرجح حكمه على الخبر الذي لم يؤكَّد حكمه.
ومنها: التهديد، فالخبر الذي فيه تهديدٌ وتخويفٌ مقدمٌ على ما ليس كذلك، ومثَّل له بعضهم بحديث عمَّار رضي الله عنه:"من صامَ يومَ الشكِّ فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم".
ففي الحديثِ تخويفٌ مِنْ صوم يوم الشك بأنَّه معصية للرسول صلى الله عليه وسلم، فيقدم هذا الحديثُ على الأحاديثِ المرغبةِ في صوم النفل.
فإنْ قيل: التخويفُ المذكورُ من كلام الراوي، فليس ترجيحًا باعتبار حال المتن.
فالجوابُ: أنَّ حكمه الرفعُ، إذ لا يقالُ من جهة الرأي. نعم للناظر أن يقول: في التمثيل المذكور نظر؛ لأنَّه تقديمُ خاصٍّ على عامٍّ، فلا تعارضَ أصلًا. ويمكنُ أن يجاب بأنَّ الخاصَّ إنَّما رجح على العام في خصوص ما تعارضا فيه فقط. واللَّه تعالى أعلم.
ومنها: إطلاق العامِّ عن ذكر سببٍ، فالعامُّ المطلقُ الذي لم يذكر