الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإنزال محكمًا غير منسوخ.
واعلم أنه لا يجوز النسخُ بمفهوم المخالفة؛ لضعفه، ولاختلافٍ في اعتباره.
وأشار إلى حكم مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة في النسخ صاحب "المراقي" بقوله:
وجاز بالفحوى ونسخه بلا
…
أصل وعكسه جوازُه انجلى
ورأيُ الاكثرين الاستلزامُ
…
وبالمخالفة لا يرام
وهي عن الأصل لها تجرد
…
في النسخ وانعكاسه مستبعد
قال المؤلف
(1)
-رحمه اللَّه تعالى-:
(فصل
في
ما يُعرف به النسخ:
اعلمْ أنَّ ذلك لا يعلمُ بدليل عقليٍّ ولا بقياسٍ، بل بمجرد النقل. . .) إلى آخره.
حاصلُ هذا المبحث أنَّ العقل والقياس لا يُعرف بهما الناسخ من المنسوخ، وأنَّ ذلك إنما يعرف بمجرد النقل الدال على ذلك، ولذلك طرق:
منها: أن يكون في اللفظ ما يدلُّ على النسخ، كقوله صلى الله عليه وسلم:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" الحديث.
(1)
(1/ 337).
الثاني: أن يذكر الراوي تاريخ سماعه، نحو: سمعتُ عام الفتح كذا، وسمعت في حجة الوداع كذا، أي شيئًا يناقضه، فيعرف الناسخُ بتأخره، فما في حجة الوداع يكون ناسخًا لما في عام الفتح؛ لتأخره عنه، إذا لم يمكن الجمع بينهما.
الثالث: إجماعُ الأمة على أنَّ هذا الحكم منسوخ، وأنَّ ناسخه متأخر، ومثَّل له ابن السمعاني بنسخ وجوب الزكاة لغيرها من الحقوق المالية.
ومنها: أن ينقل الراوي الناسخ والمنسوخ، فيقول:"رخص لنا في المتعة ومكثنا ثلاثة، ثم نهانا عنها".
ومنها: أن يكون راوي أحد الخبرين أسلم في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أول الإسلام، كرواية طلق بن علي وأبي هريرة في الوضوء من مس الفرج، واللَّه تعالى أعلم.
هكذا ذكر المؤلف رحمه الله.
قال مقيده -عفا اللَّه عنه-:
اعلم أن محلَّ التقديم لخبر متأخر الإسلام عمن أسلم قبله فيما إذا مات الأول قبل صحبة الثاني النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
أما إن عاش الأولُ حتى صحب الآخرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلا يكون حديث المتأخر ناسخًا لحديث متقدم الإسلام؛ لاحتمال أن يكون متقدم الإسلام روى الحديث بعد متأخر الإسلام، إذ لا مانع من ذلك عقلًا، ولا عادةً، ولا شرعًا، ولأجل هذا قال بعض العلماء: لا يقدم حديث
أبي هريرة المذكور على حديث طلق من هذا الوجه، بناءً على أنه لم يثبت وفاة طلق قبل صحبة أبي هريرة.
واعتمد هذا صاحب "نشر البنود" في شرح قوله في "مراقي السعود" عاطفًا على ما لا يقبل النسخ به:
وكون راويه الصحابي يقتفي
…
ومثله تأخر في المصحف
واللَّه جل وعلا أعلم.
وقوله: يقتفي، أي يتبع الآخر في الإسلام، يعني أنه أسلم بعده، فكأنَّ إسلامه يقتفي إسلامه.
وحديث أبي هريرة هو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أفضى بيده إلى ذكره وليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء".
وحديث طلق هو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مس الذكر فقال: "وهل هو إلا بضعة منك".
مع أنَّ حديث طلقٍ مضعَّف؛ قال النووي في شرح المهذب: إنَّه ضعيفٌ باتفاق الحفاظ، وقد بيَّن البيهقيُّ وجوهًا من وجوه تضعيفه.
وهذا هو مضمون الحديثين، واللَّه تعالى أعلم، وصلى اللَّه على محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
* * *