الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأكثرون عندهم لا يقدح
…
بل هو تخصيص وذا مصحح
وقد روي عن مالك تخصيص
…
إنْ يك الاستنباط لا التنصيص
وعكسُ هذا قد رآه البعضُ
…
ومنتقى ذي الاختصارِ النقضُ
إنْ لمْ تكن منصوصةً بظاهرِ
…
وليس فيما استنبطت بضائرِ
إنْ جا لفقد الشرط أو لما منع
…
والوفقُ في مثل العرايا قد وقع
تنبيه:
والجوابُ عن النقضِ بناءً على أنَّه قادحٌ مِنْ أوجهٍ خمسة:
الأول: منعُ وجودِ الوصفِ -أي العلةِ- في صورةِ النقض، فيصيرُ تخلفُ الحكمِ لعدمِ وجودِ علته، فلا نقضَ إذن.
ومثالُه: أنْ يُقال فيما لو رمى الوالدُ ولده بحديدةٍ -مثلًا- فقتله: قتلُ عمدٍ عدوانٍ، وهذه علةُ القصاصِ في هذه الصورة، وقد تخلفَ الحكمُ عنها مع وجودها، فهذا نقضٌ للعلة.
فيقول المالكيُّ -مثلًا-: العلةُ غيرُ موجودةٍ في هذه الصورة، فعدمُ القصاص فيها لعدمِ وجود العلة، ففيها دليلٌ على صحةِ انعكاس العلةِ الذي هو عدمُ الحكمِ عند عدمها، بل رميُ الوالدِ لولدهِ بحديدةٍ أو نحوها أنْ يقصدَ به التأديبَ ولا يقصدُ به القتلَ، فلم يتحققْ وجودُ القتلِ العمد العدوانِ في هذه الصورة.
وقد قدَّمنا مرارًا أنَّ المثال يصحُّ على شطرِ خلافٍ، وأنَّه يكفي فيه الفرضُ والاحتمالُ، لأنَّ المرادَ منه فهمُ القاعدة.
الثاني من أجوبةِ النقض: منعُ تخلفِ الحكمِ عن العلةِ بأنْ يقول: الحكمُ موجودٌ لوجود علته.
ومثالُه: ما لو ذبح الوالدُ ولده أو شقَّ بطنه، أو قطع رأسه، أو نحو ذلك مما لا يحتملُ التأديبَ بحالٍ، وإنَّما هو صريحٌ في قصدِ قتله عمدًا عدوانًا، فإنَّ المالكيةَ يقولون بوجوب القصاصِ من الأبِ في هذه الصورة.
فلو قال غيرهم في الصورةِ المذكورةِ: قتلُ عمدٍ عدوانٍ، وهذه هي علةُ القصاصِ، وقد تخلف عنها الحكمُ الذي هو القصاصُ، وذلك نقضٌ للعلة.
فإنَّهم يجيبون -أي المالكيةُ- عن هذا النقضِ بمنع تخلف الحكمِ، بل يقولون: الحكمُ غيرُ متخلفٍ -هنا-، والقصاصُ واجبٌ من الأَبِ في هذه الصورة، وقولكم: الوالدُ سببٌ في وجود الولدِ فلا يصحُّ أنْ يكون الولدُ سببًا في إعدامه، منتقضٌ بما لو زنى الأبُ بابنته، فإنَّه يرجمُ اتفاقًا، فقد كان سببًا في وجودها، وكانت سببًا في إعدامه، وجنايةُ الزنا ليست أعظمَ مِنْ جنايةِ القتل.
وشرطُ صحة الجواب بهذا أنْ لا يكونَ انتفاء الحكم في صورةِ النقضِ مذهب المستدلِّ، فالذي يرى عدم القصاصِ من الأبِ في الصورةِ المذكورةِ لا يمكنه أنْ يجيبَ عن النقضِ المذكور بوجودِ الحكمِ الذي هو القصاصُ؛ لأنَّه يرى عدمَ وجوبه.
الثالث مِنْ أجوبةِ النقض: بيانُ وجود مانعٍ مِن تأثيرِ العلةِ في
الحكم، أو فقدِ شرطِ تأثيرها فيه عند مَنْ يرى ذلك مانعًا من النقض.
ومثالُ بيان مانعٍ من تأثيرها: أنْ يُقال في قتل الوالدِ ولده: قتلُ عمدٍ عدوانٍ، وهذه علةُ القصاصِ، والحكمُ الذي هو القصاصُ متخلفٌ هنا عن علته، إذْ لا قصاصَ من الوالدِ لولده، فالعلةُ منتقضةٌ لوجودها بدونِ حكمها.
فيُجابُ عن هذا بأنَّ القتل العمدَ العدوانَ علةٌ للقصاصِ، ولكنَّ هذه العلةَ منع من تأثيرها في الحكمِ في هذه الصورةِ مانعٌ هو الأبوة.
ومن أمثلته: المغرورُ بحرِّية الأمةِ، فتزوجها يظنُّها حرةً، لغرورِ سيِّدها له بدعواهُ أنَّها حرةٌ، على قول منْ يقولُ إنَّ ولدَه منها حرٌّ، ولا يلزمه دفعُ قيمتِه لسيِّدها الذي غرَّه.
فيُقالُ: رقُّ الأمِّ علةٌ لرقِّ ولدها؛ لأنَّ كلَّ ذاتِ رحمٍ فولدُها بمنزلتها، وقد وجدتْ في هذه الصورةِ علةُ رقِّ الولدِ التي هي رقُّ أمِّه مع تخلف الحكمِ لأنَّ ولد المغرورِ حرٌّ، فهذا نقضٌ للعلة.
فيُجابُ عن هذا بأنَّ رقَّ الأمِّ علةٌ لرقِّ الولد، ولكن هذه منع من تأثيرها في حكمها في هذه الصورةِ مانعٌ هو الغرور.
ومثالُ فقدِ شرط تأثير العلةِ في حكمها: ما لو سَرَقَ أقلَّ من نصابٍ، أو سرقَ نصابًا من غير حرز مثله، فيقالُ: هذا قد وجدتْ منه السرقةُ، وهي علةُ القطع، وقد تخلف عنها حكمُها الذي هو القطعُ، وهذا نقضٌ لها.
فيجابُ بأنَّ السرقةَ هي علةُ القطع، ولكنْ شرطُ تأثير هذه العلةِ في
حكمها مفقودٌ هنا؛ لأنَّه يشترطُ في تأثيرها في حكمها أنْ يكونَ المسروقُ نصابًا، وأنْ يكونَ السارقُ أخرجه مِنْ حرز مثله.
الرابع من أجوبةِ النقض: كونُ الصورةِ الواردِ فيها النقضُ مستثناةً بالنصِّ من القاعدةِ الكلية، بأنْ يقول في بيع العرايا: بيعُ رطبٍ بتمرٍ، وعلةُ التحريمِ التي هي المزابنةُ موجودةٌ فيه، وقد تخلف حكمُها عنها وهو منعُ البيعِ، فهو نقضٌ للعلة.
فيُجابُ عن هذا بأنَّ هذه الصورةَ أخرجها دليلٌ خاصٌّ مع بقاءِ علتها معتبرةً في تحريم الرطبِ بالتمرِ في ما سواها.
وقد يقولُ المستدلُّ للمعترضِ بالنقضِ في هذه الصورةِ المذكورةِ: هذا واردٌ عليك وعليَّ، فليس بطلانُ مذهبي به أولى مِنْ بطلانِ مذهبك.
ومثلُ هذا لا خلافَ بين العلماء في أنَّه تخصيصٌ لحكمِ العلةِ لا نقضٌ لها، فهو تخصيصُ العامِّ بقصره على بعضِ الأفرادِ بدليل خاصٍّ.
الخامس من أجوبةِ النقض: هو أنْ تكونَ المصلحةُ المشتملةُ عليها العلةُ معارضةً بمفسدةٍ أرجح منها، أو مساوية لها، كأن يقال في أكل المضطرِّ الميتةَ: قذارةُ الميتةِ علةٌ لحرمةِ أكلها، والعلةُ التي هي قذارتها موجودةٌ في هذه الصورة، مع أنَّ الحكمَ الذي هو منع الأكل متخلفٌ عنها.
فيُجابُ عن هذا بأنَّ مصلحةَ تجنبِ المستقذراتِ معارضةٌ في هذه الصورةِ بمفسدةٍ أرجح منها هي هلاكُ المضطر إنْ لم يأكل الميتةَ،