الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أنه يُفَرَّقُ بين خطاب التكليف وخطاب الوضع بفارقين ظاهرين، وهما: أنَّ خطاب الوضع علامته أنه إما أن لا يكون في قدرة المكلف أصلًا، كزوال الشمس والنقاء من الحيض، أو يكون في قدرته ولا يؤمرُ به، كالنصاب للزكاة، والاستطاعة للحج، وعدم السفر للصوم.
وبهذا تعرف أنَّ خطاب التكليف علامتهُ أمران: أن يكون في قدرة المكلف، ويؤمر به فعلًا، كالوضوء للصلاة، أوْ تركًا كسائر المنهيات.
وخطاب الوضع أعمُّ من خطاب التكليف؛ لأنَّ كلَّ تكليف معه خطابُ وضعٍ، إذ لا يخلو من شرط أو مانع مثلًا، وقد يوجد خطاب الوضع حيث لا تكليف، كلزوم غرم المتلفات وأروش الجنايات لغير المكلَّف كالصبي، وقيل: بينهما عموم وخصوص من وجه، واعتمده القرافي في الفروق.
أمَّا
العلة
فهي في اللغة: عبارةٌ عما اقتضى تغييرًا، ومنه سُميَّت علةُ المريض؛ لأنَّها اقتضت تغير الحال، ومنه قول زهير:
إن تلق يومًا على علاته هَرِمًا
…
تلق السماحة منه والندى خُلُقا
أي إن تلقه على علاته -أي حالاته المقتضية تغيير الجود، كالفقر والجدب- تلقه متصفًا بالجود والسماحة على كل حال.
والعلة العقلية عبارة عما يوجب الحكم لا محالة، كتأثير حركة الأصبع في حركة الخاتم، وتأثير الكسر في الانكسار والتسويد في السواد.
والفقهاء يستعملون العلة في ثلاثة أشياء:
الأول: ما يوجب الحكم لا محالة، أي إذا وجد وجد قطعًا، وهو المجموع المركب من مقتضى الحكم، وشرطه، ومحله، وأهله، كوجوب الصلاة؛ فإنه حكم شرعي، ومقتضيه أمرُ الشارع بالصلاة، وشرطه أهلية المصلي لتوجه الخطاب إليه بأن يكون بالغًا عاقلًا، ومحله الصلاة، وأهله المصلي، فإذا وجد هذا المجموع وجدت الصلاة، ويطلق على هذا المجموع اسم العلةِ تشبيهًا بالعلة العقلية.
وقول المؤلف
(1)
في هذا البحث:
(والأهل والمحل وصفان من أوصافها. . .) إلى آخره.
صوابُه أن يقول: ركنان من أركانها؛ لأنَّ الأهل والمحل ركنان من أركانها على هذا التفسير لها.
الثاني من الأشياء التي يطلقون عليها العلة: هو العلة التي تخلَّف شرطها أو وجد مانعها، كاليمين مع عدم الحنث بالنسبة لوجوب الكفَّارة، فاليمين علةُ الكفَّارة، وشرط وجوبها بها الحنثُ، فتسمى اليمين دون الحنث علةً وهي علةٌ تخلَّف شرطها، وهكذا في نحوه، وهذا أولى عند المؤلف.
الثالث من الأشياء التي يطلقون عليها اسم العلة: هو الحكمة.
وضابط الحكمة أنها هي المعنى الذي من أجله صارَ الوصف علة،
(1)
(1/ 245).