الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلبه غير جازم.
والندب في اللغة: الدعاءُ إلى الفعل. ومنه قوله:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
…
في النائبات على ما قال برهانًا
والثواب في اللغة: الجزاء مطلقًا. ومنه قوله:
لكلِّ أخي مدحِ ثوابٌ علمته
…
وليس لمدح الباهلي ثوابُ
أي جزاء.
وزَعْمُ أنَّ الثواب يختصُّ بجزاء الخير بالخير غيرُ صحيح، بل يطلق الثواب أيضًا على جزاء الشرِّ بالشرِّ في اللغة، ومنه قوله تعالى:{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} الآية [المائدة/ 60]، وقوله تعالى:{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} [المطففين: 36].
والعقابُ في اللفة التنكيل على المعصية. ومنه قولُ النابغة الذبياني:
ومن عصاكَ فعاقِبْهُ معاقبةً
…
تنهى الظلومَ ولا تقعد على ضَمَدِ
المباح
قال المؤلف
(1)
رحمه الله:
(1)
(1/ 194).
(القسمُ الثالث: المباح. وحدُّه: ما أذن اللَّه في فعله وتركه غير مقترن بذم فاعله وتاركه ولا مدحه، وهو من الشرع. . .) الخ كلامه.
اعلم أن الإباحة عند أهل الأصول قسمان:
1 -
الأولى: إباحةٌ شرعية، أي عُرِفَتْ من قِبَل الشرع، كإباحة الجماع في ليالي رمضان المنصوص عليها بقوله:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة/ 187]، وتسمى هذه الإباحة: الإباحة الشرعية.
2 -
الثانية: إباحةٌ عقلية، وهي تسمى في الاصطلاح: البراءة الأصلية، والإباحة العقلية، وهي بعينها استصحاب العدم الأصليِّ حتى يرد دليل ناقل عنه.
ومن فوائد الفرق بين الإباحتين المذكورتين أن رفع الإباحة الشرعية يُسمَّى نسخًا، كرفع إباحة الفطر في رمضان، وجعل الإطعام بدلًا عن الصوم المنصوص في قوله:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة/ 184]، فإنه منسوخ بقوله:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة/ 185].
وأما الإباحةُ العقليةُ فليس رفعُها نسخًا؛ لأنَّها ليست حكمًا شرعيًّا، بل عقليًّا، ولذا لم يكن تحريم الربا ناسخًا لإباحته في أول الإسلام؛ لأنها إباحةٌ عقلية، وأمثال ذلك كثيرة جدَّا.
والمباح في اللغة: هو ما ليس دونه مانع يمنعه. ومنه قولُ عبيد بن الأبرص:
ولقد أبحنا ما حَمَيْت
…
ولا مبيح لما حَمَيْنَا
تنبيه:
قد دلَّت آيات من كتاب اللَّه على أنَّ استصحاب العدم الأصلي حجةٌ على عدم المؤاخذة بالفعل حتى يَرِدَ دليلٌ ناقل عن العدم الأصلي.
من ذلك أنهم كانوا يتعاملون بالربا، فلمَّا نزل تحريم الربا خافوا من أكل الأموال الحاصلة منه بأيديهم قبل تحريم الربا، فأنزل اللَّه في ذلك:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة/ 275]، فقوله تعالى:{فَلَهُ مَا سَلَفَ} يدلُّ على أن ما تعاملوا به من الرِّبا على حكم البراءة الأصلية قبل نزول التحريم لا مؤاخدة عليهم به.
ونظير ذلك قوله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء/ 22]، وقوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء/ 23]، فإنَّ قوله تعالى:{إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} في الموضعين استثناء منقطع، أي لكن ما سلف قبل التحريم على حكم البراءة الأصلية، فهو عفو.
ونظائر هذا في القرآن الكريم كثيرة، ومن أصرح الآيات في ذلك قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة/ 115] فإنهم لمَّا استغفروا لموتاهم المشركين، فنزل قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة/ 113] ندموا على استغفارهم للمشركين،