الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الخلاف.
وقد ذكر الإمام أحمد أن أم الولد كان حكمها حكم الأمةِ بإجماع، ثم أعتقهن عمر، وخالفه عليٌّ بعد موته.
وحدُّ الخمر كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه أربعين، ثم جلد عمر ثمانين، ثم جلد عليٌّ أربعين، ولولا اشتراطُ انقراضِ العصر لما جاز ذلك.
وأشار في "المراقي" إلى أن مذهب الأكثرِ عدم اشتراطِ انقراض العصر بقوله:
ثم انقراض العصرِ والتواترُ
…
لغو على ما ينتحيه الأكثرُ
مسألة
إجماعُ أهل كلِّ عصر حجةٌ
كإجماعِ الصحابة، خلافًا لداود، فعنده إجماعُ الصحابة لا غير هو المعتبر، وقد أومأ أحمد رحمه الله إلى ذلك
(1)
.
وحاصل ما ذكره المؤلف في هذا المبحث أنَّ الإجماعَ من الأمة معتبر في كل عصر، فالماضي لا يُعتبر، والمستقبل لا يُنتظر، وكلية الأمة حاصلة بالموجودين في كلِّ عصر.
وخالفَ الظاهريةُ في إجماع غير الصحابة، وأومأ إليه أحمد، ويعتبر في الإجماعِ الغائبُ لا الميتُ.
(1)
(2/ 460).
فصل
إذا اختلف الصحابةُ على قولين، فأجمع التابعون على أحدهما، فقال أَبو الخطَّاب والحنفية: يكونُ إجماعًا؛ لأنَّه اتفاق من جميعِ أهل العصر.
وقال القاضي وبعضُ الشَّافعية: لا يكونُ إجماعًا؛ لأنَّ الذين ماتُوا هم مخالفون لا يسقطُ قولُهم بموتهم
(1)
.
أمَّا إذا اختلف الصحابةُ ثم اتفقُوا بعدَ الاختلاف، كاختلافهم في إمامة أبي بكر ثم اتفاقهم عليها بأن رجع بعضُهم إلى قول الآخرين، فهو إجماع منهم، كما هو الحقُّ. وخالف فيه الصَّيرفي من الشافعية.
واعلم أنَّ غير الصحابة من أهل كلِّ عصر كذلك عند الجمهور، فإذا اختلفُوا ثم اتفقُوا كان إجماعًا، وإذا اتفق مَنْ بعدهم على أحد قوليهم ففيه الخلاف المذكور، والراجحُ أنَّه إجماع.
فصل
إذا اختلف الصحابةُ إلى قولين لم يجزُ إحداثُ ثالثٍ مخالفٍ لقوليهما، في قول الجمهور.
وقال بعضُ الحنفية والظاهرية: يجوز
(2)
.
(1)
(2/ 464).
(2)
(2/ 488).
فحجةُ الأول: أنَّ اختلافهم إلى القولين في قوة الإجماعِ على بطلان ما سواهما.
وحجة الثاني: أنَّهم خاضوا في المسألة خوض مجتهدين، ولم يحرِّمُوا ولم يصرِّحوا بتحريم قول ثالث. وأنَّ الصحابة لو علَّلوا بعلة، أو استدلُوا بدليل، فلمن بعدهم التعليلُ والاستدلال بغير ذلك؛ لأنَّهم لم يصرِّحُوا ببطلان ذلك. وأنَّهم لو اختلفُوا في مسألتين، فذهب بعضهم إلى الجواز فيهما وذهب الآخرون إلى المنع فيهما، فذهب التابعيُّ إلى التجويز في إحداهما والمنع في الأخرى كان له ذلك.
مثال إحداث الثالث المخالف: ما حكاهُ ابنُ حزم من أنَّ الأخ يحجب الجدَّ؛ لأن الصحابة اختلفوا في ذلك إلى قولين، فمن قائل إنَّ الجدِّ أب يحجبُ الأخَ، ومن قائل: يرثان معًا؛ فكان إجماعًا على أنَّ للجدِّ نصيب؛ فالقولُ بحجب الأخ له خرقٌ لإجماعهم بإحداث هذا الثالث.
قال مقيِّده -عفا اللَّه عنه-:
حاصلُ تحرير هذه المسألة عند الأصوليين أنهم اختلفوا في إحداث القول الثالث، فقال بعضهم: لا يكون إلَّا خارقًا للإجماع، فهو ممنوع مطلقًا، ومثاله ما ذكرناه عن ابن حزم.
وقال بعضهم: هو قد يكون خارقًا فيمتنع، وغير خارق فيجوز.
مثال الخارق: الجد والإخوة، وقد تقدم.
ومثالُ غير الخارق: ما لو فرضنا أنَّه تقدَّم القولان في متروك
التسمية، لكونه يؤكل عند البعض مطلقًا، وممنوعًا عند بعض مطلقًا، فعلى قول القائل بأنَّه يؤكل في تركها نسيانًا لا عمدًا [لا يكون خارقًا]
(1)
؛ لأنَّه وافق بعضًا في كل منهما ولم يخالفهم جميعًا، لأنَّه في حالة النسيان وافق القائل بالإباحة، وفي حالة العمد وافق القائل بالمنع.
ومن أمثلته: اختلافُ العلماء في فسخ النكاح بعيوب الزوجين المعروفة، فمن قائل: يفسخ بكلها، ومن قائل: لا يفسخُ بشيءٍ منها، فلو أُحْدِثَ قول ثالث بالفسخِ ببعضها دون البعض، لم يكن خارقًا، لموافقته لكل مذهب في البعض
(2)
.
تنبيه:
إحداثُ التفصيلِ جعلَه قوم داخلًا في إحداث القول الثالث.
وقال قومٌ: ليس داخلًا فيه، وهو ممنوع أيضًا إن كان التفصيلُ خارقًا للإجماع.
(1)
زيادة يقتضيها السياق. وليست في الأصل المطبوع.
(2)
بيان وجه موافقة المذهب الثالث هنا أنَّه لو كانت العيوب مثلًا خمسة، كالفتق والعفل والجب والجذام والبرص، فقال صاحب المذهب الثالث بجواز الفسخ بالثلاثة الأولى فقط التي هي عيوب الفرج، ومنع في الاثنتين الباقيتين، لكان موافقًا للمذهبين في البعض، حيث وافق من يقول بالفسخ بجميعها في ثلاثة منها فقط، ووافق من يقول بالمنع منها كلها في اثنين فقط. "عطية".
ومثالُه: اختلاف العلماء في توريث العمة والخالة، فمن قائل: لا ترثان، ومن قائل: ترثان، فلو أحدث التفصيل بإرث العمة دون الخالة أو العكس كان باطلا؛ لأنه خارق لإجماعهم على أنهما سواء، لأنَّهم لو قالوا في المسألتين: إنهما سواء، امتنع التفصيل بينهما قولًا واحدًا.
واعلم أنَّ الأصوليين اختلفوا في انقسام الأمة إلى قسمين في مسألتين، وكلاهما مخطئ في إحداهما.
وحاصلُ تحرير هذا المقام أنَّ له ثلاث حالاتٍ، اثنتان يتفق عليهما، وواحدةٌ هي المختلف فيها.
فالمتفق عليهما:
1 -
اتفاقُهم على الخطأ في المسألةِ الواحدة من الوجه الواحد، فهذا لا يجوزُ إجماعًا.
2 -
اتفاقُهم على الخطأ في مسألتين متباينتين، كخطأ بعضهم في مسألة من الجنايات، وخطأ البعض الآخر في مسألة من العبادات، فهذا يجوزُ إجماعًا.
ومحل الخلاف:
3 -
المسألة الواحدةُ ذات الوجهين، نحو المانع من الميراث، فإنه جنس واحد إلَّا أنَّه ينقسم إلى نوعين -مثلًا- قَتْلٌ ورِقٌّ، فهل يجوزُ أن يقول بعضهُم: القاتل يرث والعبد لا يرث؟ ويقول البعض الآخر بعكس ذلك؟ فيخطئ كلٌّ منهما فيما أصابَ فيه الآخر؟