الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
يَقْنُتْ القنوت: الطاعة في سكون والعبادة في خشوع مَرَضٌ: تطلع إلى الفسق والفجور وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ يقال: قررت في المكان أقر به: إذا أقمت فيه وَلا تَبَرَّجْنَ التبرج: الظهور مع إظهار ما يجب ستره الرِّجْسَ: الدنس الحسى وَالْحِكْمَةِ هي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المعنى:
لما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في بيت النبوة، ومصدر العلم والمعرفة، ومنبع الحكمة وأساس الهداية كان الذنب منهن كبيرا، والمعصية الصغيرة في قوة الكبيرة، لذلك ضاعف الله لهن الجزاء ضعفين إذا أتين بفاحشة مبينة، ومن يقنت منهن لله ورسوله، وتعمل صالحا في سكون وخشوع وقنوت، مع إخلاص في النية وصدق في الطوية لقربهن من رسول الله وشرفهن بصحبته، وتمتعهن بنور الوحى. من يقنت منهن يؤتها الله أجرها مرتين، ويضاعف لها الثواب ضعفين، وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً نعم وقد أعد الله وهيأ رزقا كريما- لم يجر على يد أحد- في الجنة، ولا غرابة فهن في منازل رسول الله في أعلى عليين فوق منازل البشر جميعا تكريما للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه آداب إلهية أمر الله- تعالى- بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن في ذلك، وكلها تهدف إلى بعد المرأة عن منطقة الخطر، واجتنابها الطرق التي قد تؤدى بها إلى الوقوع في المعصية، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بالبعد التام عن هذا كله، وإنما جاء الخطاب لهن أولا لأنهن في مركز القيادة وفي بيت النبوة وهن أمهات المؤمنين، وعندهن الكثير من الأخبار، والناس في أشد الحاجة لمعرفة سيرة الرسول إذ هو القدوة الحسنة للمسلمين، فنساؤه معرضات للتحدث معهن وسؤالهن عن الوحى والحديث، فكان النهى أولا، وليعلم الجميع أن هذا دواء أعطى أولا لأطهر النساء وأعفهن على الله، وفي قبوله فليتنافس المتنافسون.
يا نساء النبي لستن كأحد من النساء في الفضل والشرف والقرب من الرسول مصدر الخير والنور، وهذا كقولهم: إن فلانا ليس كآحاد الناس، على معنى أن فيه مزية وأفضلية ليست في غيره، ونساء كذلك
يا نساء النبي لستن كبقية النساء فأنتن أمهات المؤمنين وزوجات خير المرسلين وليس النبي كالناس بل هو غيرهم كما يقول في
الحديث: «لست كأحدكم»
وقد تحقق فيكم شروط التقوى، والأكرم عند الله هو التقى فلستن كغيركن.
وإذا كان الأمر كذلك فلا تخضعن بالقول، ولا تلن فيه بل ليكن كلامكن مع الناس بجد وحزم وخشونة وقوة فلا يطمع الذي في قلبه مرض الفسق والفجور، أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا، وكلامهن فصلا، ولا يكن على وجه الليونة والطراوة حتى يطمع فيهن ضعاف الإيمان ممن في قلوبهم مرض، وفي عقولهم قصر.
وليس معنى هذا أن يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على حال فيها إيذاء وأن يقلن منكرا من القول! لا. بل أمرهن أن يقلن قولا معروفا عند الحاجة مع الكف والبعد عن مواطن الريبة وأفهام السوقة ومن في قلبه مرض.
وقرن في بيوتكن. ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، والجاهلية الأولى هي الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء التي تردى فيها العرب قبل الإسلام، وليس هناك أولى وأخرى، والتبرج المنهي عنه ظهور المرأة على وجه لا يرضاه الشرع تكريما لها وصونا لعفافها ومحافظة على مكانتها في مجتمعها.
نهى الله نساء نبيه عن التبرج ليعلم العالم أجمع ما في التبرج من الخطر الداهم، وإذا خص الله الخطاب بهن- وإن كان المراد العموم- وهن أزواج حبيبه المصطفى فقد دل ذلك على أنه علاج وصف لبيت أكرم الخلق على الله وأحبهم وأقربهم لديه، أفيليق بنا نحن المسلمين ألا نتأسى بأزواج النبي؟ وألا نعالج نساءنا بما عالج به الخبير البصير نساء حبيبه ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ولعل ذلك بعض السر في تخصيص الخطاب بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
وأمر الله نساء رسوله أن يقرن في بيوتهن وأن يقمن بها فلا يبرحنها إلا لضرورة، فالبيت مملكة المرأة، وهو معهد الطفولة، ومصنع الرجولة، وسكن الرجل ومستراحه، وفيه يقضى نصف وقته ليستريح، وفي البيت متسع لنشاط المرأة، وفيه ما يستنفد حيويتها، وهو في أشد الحاجة لها ولإشرافها حتى تخرج لنا جيلا جديدا، وتبعث لنا بأزواج وإخوة يعرفون وطنهم وحقه، ودينهم وواجبه.
والشرع حينما أمر نساء النبي بأن يقرن في بيوتهن لم يحرم عليهن الخروج للحاجة مطلقا ولكن المهم إذا خرجن فلا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى فذلك خير لهن وايم الله!! يا لله من النساء البارزات، العاريات الكاسيات، المائلات المميلات، المتبرجات الكاشفات عن سوقهن ونحورهن، أستغفر الله، بل الكاشفات عن كل شيء!! الصابغات وجوههن بالأصباغ التي يندى لها وجه المروءة والرجولة، الويل ثم الويل لتلك الشعور المكشوفة والسيقان والنحور الظاهرة!! يا أيها النساء حافظن على أنفسكن، واحفظن هذا الجمال لأربابه، ولا تعرضنه عرضا في السوق فيقل بها بل يضيع، فأحب شيء إلى الإنسان ما منع.
وليس معنى هذا أن الدين يكره الزينة أو النظافة، لا: بل هو يدعو النساء إلى التزين ما استطعن ولكن لأزواجهن! أما أن تظل المرأة في بيتها وعند زوجها على حالتها الطبيعية فإذا برزت إلى الشارع وخرجت جمعت المساحيق ووضعت الأصباغ وحاولت إظهار كل جزء فيها، لمن هذا؟! إن زوجك أولى به، فإذا خرجت في الشارع لضرورة فليكن ذلك بأدب واحتشام وبعد عن التبرج الممقوت الذي كان يفعل في الجاهلية الأولى من الإماء وبعض الساقطات، وإذا كان تبرج الجاهلية السابقة مذموما، ونحن نعلم أن الناس كانوا فيها على جانب من شظف العيش وقلة المدنية وبداوة التفكير فما يكون الوضع الذي نحن فيه الآن والذي نراه في عواصم الأمم الإسلامية؟! نهاهن الله عن الخضوع في القول والليونة فيه، وعن التبرج وإبداء ما يحسن إخفاؤه ثم أمرهن بالصلاة المطهرة للنفس والمقومة للشخص والموصلة بالله، وبالزكاة المنظمة للمجتمع، المطهرة له من أدران الحسد والحقد، والباعثة على التعاون، وبطاعة الله ورسوله في كل شيء، وليست هذه الأوامر والنواهي لشيء يعود نفعه على الله- معاذ الله- ولكن الباعث على ذلك كله إنما هو إرادة الله لأن يذهب عنكم (يا آل بيت النبي) الرجس والدنس، ويطهركم من كل ما يشينكم تطهيرا كاملا يليق بكم.
ومن هم آل البيت؟ هم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده كفاطمة وعلى والحسن. أما دخول أزواجه فيهم فلأن السياق السابق واللاحق فيهن، وأما دخول على وفاطمة والحسن والحسين فلأن الله قال: ويطهركم بالميم، ولو كان المراد الزوجات فقط لقال عنهن:
ويطهركن، ولورود أحاديث صحيحة تثبت ذلك، على أن المسألة بسيطة جدّا للغاية، والإسلام يكره المغالاة في المحبة والبغض مطلقا ولو كان لآل البيت.
واذكرن يا نساء النبي ما يتلى عليكن من آيات الله القرآنية، والحكمة التي ينطق بها رسول الله، واعملن بذلك كله إن الله كان لطيفا بعباده خبيرا بهم، فكل ما أمر به وحث عليه فهو في منتهى الحكمة فتقبلوه واعملوا به.
يا نساء الأمة الإسلامية لستن كغيركن من نساء العالم أجمع. إن اتقيتن الله: فلا تخضعن في القول حتى يطمع فيكن الطامعون ضعاف الإيمان والعقول.
وقلن قولا معروفا، فيه خير وبعد عن الشر ما استطعتم..
وقرن في بيوتكن ولا تخرجن إلا لضرورة، فإذا خرجتن فلا تتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وتظهرن في الشارع بهذا الوصف المنافى للآداب الإسلامية وأقمن الصلاة التي هي عماد الدين، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله في كل أمر ونهى فإن في ذلك كله خيرا لكن وأى خير؟ إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا، فطهرن النفوس وأصلحن القلوب وأعمرنها بنور الإيمان إن الله لطيف بكن حيث أمركن بهذا خبير بحالكن وبنفوسكن وما ركب فيكن من غرائز تثار عند مخالطة الرجال، وتندفع لأتفه الأسباب..
وأما خروج عائشة- رضى الله عنها- في موقعة الجمل، فما كان لحرب، ولكن تعلق الناس بها، وشكوا إليها ما صار إليه الحال، ورجوا بركتها وإصلاح ذات البين بها، وظنت هي فخرجت لتصلح بين الناس وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما «1» وانتهى الأمر بطعن الجمل الذي تركبه فأركبها علىّ- رضى الله عنه- إلى المدينة في ثلاثين امرأة، وكانت عائشة أم المؤمنين برة تقية مجتهدة مثابة في تأويلها مأجورة على فعلها. والله أعلم.
روى أن بعض النساء شكون إلى رسول الله أن كل شيء للرجال، وأن النساء لا يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية.
وإن وضعها هنا وهي تحمل علامات الإيمان الكامل إشارة إلى ما يجب أن يعرف به
1- سورة الحجرات آية 9.