الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
الصُّورِ: هو بوق ينفخ فيه قبل قيام الساعة فَصَعِقَ صعق الرجل: إذا غشى عليه من هزة أو صوت شديد، وصعق: إذا مات، والمراد
المعنى
الثاني أَشْرَقَتِ: أضاءت بِنُورِ رَبِّها أى: تجليه للحكم والعدل بين الناس، وقيل:
هو نور يخلقه الله بلا واسطة أجسام مضيئة وَوُضِعَ الْكِتابُ المراد: صحائف الأعمال سِيقَ: السّوق يقتضى الحث على المسير بعنف وشدة مع الكفار، ومع المؤمنين بلين ولطف للإسراع بالإكرام.
زُمَراً: جماعة قليلة متفرقة مرتبة حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ: وجبت كلمة العذاب، أى: حكم الله عليهم بالشقاوة حَافِّينَ: محدقين ومحيطين حول العرش.
المعنى:
وتلك آية أخرى دالة على كمال قدرته ونفاذ إرادته مظهرها يكون يوم القيامة حيث يكون الأمر يومئذ لله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ونفخ صاحب الصور الموكل به من الملائكة، نفخ فيه النفخة الأولى فصعق ومات كل من في السموات والأرض إلا من شاء الله عدم موته ساعة النفخة فيموت بعدها كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [سورة القصص آية 88] .
ثم ينفخ فيه نفخة أخرى فإذا الخلائق كلها قيام ينظرون الأمر والتوجيه، أو ينظرون نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم، ولا يمنع هذا قول الله في حقهم: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ «1» . وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ «2» أى: يسرعون المشي، لأن لهم في ذلك الوقت مواقف متعددة.
(1) - سورة المعارج آية 43.
(2)
- سورة يس آية 51.
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ عند ذلك بِنُورِ رَبِّها أى: أضاءت بنوره، ولعل هذا إشارة إلى تجليه- عز وجل لفصل القضاء أو الحكم بين الناس بالعدل، ولا يبعد أن يكون هذا النور هو الذي يعنيه
الحديث: حجابه النور
. وهو نور يظهر عند ذلك التجلي، وفي الحق أن الأمر فوق ما تنتهي إليه عقول البشر، والله أعلم بكتابه، وأشرقت أرض المحشر بنور ربها جل شأنه، ووضع الكتاب وبرزت صحائف الأعمال ليتلقاها أصحابها باليمين أو بالشمال، وجيء بالنبيين- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- ليسألوا عما فعلوا، وجيء بالشهداء الذين يشهدون على الأمم أو الأفراد وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ «1» وقيل: المراد بالشهداء الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «2» وقيل: هم الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله.
ووفيت كل نفس ما عملته من خير أو شر، ولا عجب فالذي يجازيها هو أعلم بما فعلته من خير أو شر يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ «3» .
وهاك تفصيلا لتوفية كل نفس عملها: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً يا سبحان الله!! أيساقون إليها سوق الأنعام بالشدة والغلظة؟! يساقون إليها زمرا وجماعات مرتبة على حسب شرورها وآثامها حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها لهم كالسجن يفتح بابه للسجين حينما يصله، وقال لهم خزنتها وحراسها تأنيبا وتقريعا: ألم تأتكم رسل منكم ومن جنسكم تفهمون عنهم، وتعرفون أمرهم، يتلون عليكم آيات ربكم، وينذرونكم يوما عبوسا قمطريرا كهذا اليوم؟ ويخوفونكم لقاء يومكم هذا؟! قالوا: بلى قد جاءتنا الرسل وكثيرا ما وعظتنا وذكرتنا بالله، وخوفتنا لقاء هذا اليوم، ولكن حقت كلمة الله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ «4» نعم حقت كلمة العذاب على الكافرين، أى: كلمة الله المقتضية للعذاب، والمراد بها حكم الله عليهم بالشقاوة وأنهم من أهل جهنم بسوء اختيارهم وشنيع فعلهم الذي فعلوه مع الأنبياء.
(1) - سورة ق آية 21.
(2)
سورة البقرة آية 143.
(3)
سورة لقمان آية 16.
(4)
- سورة السجدة آية 13. [.....]
وماذا حصل بعد هذا؟ قيل لهم من قبل الملائكة: ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثواكم جهنم، وهي مثوى المتكبرين الذين تكبروا على قبول الحق والانقياد للرسل المنذرين لهم، وهذا يشم منه تعليل دخولهم النار بسبب تكبرهم.
وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة جماعات على حسب رتبهم في الفضل والشرف، وسوقهم هنا معناه الحث على السير للإسراع في الإكرام بخلافه مع الكفرة فإنه للإهانة والتحقير.
حتى إذا جاءوها والحال أن أبوابها مفتحة جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ كالكريم الذي يصنع مع ضيفه يهيئ له المكان ويعد له النمارق والزرابي ثم تفتح له الأبواب استعدادا لمقدمه، ويقف الخدم والحشم عليها للتحية.. ويا حظ أصحاب الجنان حيث يفتح لهم ربهم أبواب جناته وتقف الملائكة للتحية والإكرام، ويقولون لهم مرحبين: سلام عليكم طبتم نفسا وقررتم عينا بذلك النعيم الدائم المقيم فادخلوها خالدين. ونعم أجر العاملين، وقال الذين اتقوا وعملوا الصالحات: الحمد لله والشكر له صدقنا وعده بالبعث والثواب وأورثنا الأرض، أى: المكان الذي نستقر فيه، يتبوأ كل منا في أى مكان أراده من جنته الواسعة الوارفة الظلال، فنعم أجر العاملين هذا الأجر.
وترى الملائكة حافين حول العرش محدقين ينتظرون الإشارة من صاحب العرش- جل جلاله وهم يسبحون بحمد ربهم، ويستغفرونه، وقضى بين العباد كلهم بالقسط، وقيل من المؤمنين: الحمد لله رب العالمين، حمدوا ربهم أولا على إنجاز وعده ووراثتهم الأرض يتبوءون من الجنة حيث يشاءون، وحمدوه ثانيا على القضاء بالحق، والحكم بالعدل بين الناس جميعا.. فالحمد له رب العالمين.