الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
تَوَلَّى: أعرض. وَأَكْدى يقال لمن حفر بئرا ثم بلغ حجرا لا يتهيأ له فيه حفر: قد أكدى، ثم استعملته العرب لمن أعطى ولم يتمم، ولمن طلب شيئا ولم يبلغ آخره. صُحُفِ مُوسى: هي التوراة. وازِرَةٌ: نفس حاملة. وِزْرَ:
حمل. الْمُنْتَهى: النهاية. نُطْفَةٍ النطفة: الماء القليل، مشتق من نطف الماء إذا قطر. تُمْنى يقال: منى الرجل أو أمنى: إذا أنزل المنى، والمراد بقوله (تمنى) أى: تصب في الرحم. النَّشْأَةَ الْأُخْرى المراد: إعادة الأرواح في الأشباح.
أَغْنى وَأَقْنى أغنى: أعطى المال، وأقنى: أعطى القنية التي تقتنى كالعقار مثلا.
رَبُّ الشِّعْرى: الكوكب المضيء وهو ما يسمى بالعبور. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى المراد: قرى قوم لوط قد قلبها وخسف بها بعد رفعها إلى السماء. أَزِفَتِ الْآزِفَةُ:
قربت القيامة. كاشِفَةٌ أى: كشف وانكشاف، أو نفس كاشفة.
سامِدُونَ: لاهون وغافلون ومعرضون.
لما بين جهل المشركين في عقائدهم الباطلة، وأنه لا وجه لهم في شيء ذكر واحدا منهم بسوء فعله وكبير جرمه، وإن قصته لتثبت أن كفر هؤلاء لم يكن عن عقيدة، وإنما هو عناد وعصبية جاهلية، وحماقة ما بعدها حماقة.
روى أن الوليد بن المغيرة كان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين وقال له: أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار؟! قال الوليد: إنى خشيت عذاب الله. فقال من عيره: أنا أضمن لك الجنة إن رجعت إلى الشرك وأعطيتنى شيئا من المال، فقال الوليد ذلك، وأعطى بعض ما كان ضمنه له ثم بخل ومنعه فنزلت هذه الآيات
تذمه لرجوعه عن الحق وخلفه الوعد.
المعنى:
أخبرنى عن الذي تولى وأعرض عن الحق، وأعطى قليلا من المال، وبعد ذلك امتنع، إذ أصابته صخرة شح النفس، فوقع عليها شحيحا بخيلا «1» أعنده علم بالأمور
(1)«أفرأيت» معناها المراد: أخبرنى- على ما سبق تفصيله، ومفعولها الأول الذي، والثاني جملة الاستفهام.
الغيبية، فهو بسبب ذلك يرى أن صاحبه يتحمل عنه شيئا من وزره؟! أو نزل عليه قرآن من عالم الغيب فهو يرى أن ما صنعه حق.
بل ألم ينبأ بما في صحف موسى، وصحف إبراهيم الذي وفي ما عليه، وابتلى بشدائد كثيرة فخرج منها وافى الإيمان سليم العقيدة، مستحقا هذا اللقب:«خليل الرحمن» ألم يعلم بأن صحف موسى وإبراهيم فيها أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، بمعنى لا تحمل نفس مستعدة للحمل ذنب نفس أخرى، وفيها أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى يوم القيامة، ثم يجزاه الجزاء الأوفى، وأن «1» إلى ربك نهاية الخلق ومنتهاهم، وأنه هو أضحك بعض عباده وأبكى، أضحكهم لأنه وعدهم السعادة في الدنيا والآخرة، وأبكى في الحقيقة من حرمهم السعادتين، وأنه هو أمات وأحيا، أى:
خلق الموت والحياة، وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من الإنسان والحيوان، خلقهما من نطفة إذا تمنى، وهذه النطفة لا يفرق فيها بين الذكر والأنثى، فليس هناك شك في أنه وحده هو الخالق للذكر والأنثى، وأن عليه النشأة الأخرى، أى: الإحياء بعد الإماتة وأنه هو وحده الذي أغنى وأقنى، أغنى بالمال والمنقولات وأقنى بالعقارات الثابتة، وأنه هو رب الشعرى، وغيرها من الكواكب، وأنه أهلك عادا الأولى الذين أرسل لهم هود، وأهلك ثمود الذين أرسل لهم صالح، فما أبقى منهما شيئا، وأهلك قوم نوح من قبل هؤلاء، إنهم كانوا هم أظلم وأطغى من غيرهم، وأهلك قرى قوم لوط، وهم المؤتفكة التي رفعها الله إلى السماء ثم قلبها إلى الأرض فغشيها من الهم والحزن ما غشيها.
فبأى آلاء ربك أيها الإنسان تتمارى، وتتشكك؟ هذا القرآن الذي أنزل على محمد هو نذير من جنس النذر الأولى التي كانت تنزل على الأمم السابقة، فما بالكم لا تؤمنون، ولا تتعظون بما حل بغيركم؟! أزفت الآزفة، وقربت القيامة، ليس لها من دون الله نفس كاشفة تكشفها وتزيلها، بل الأمر كله لله سبحانه وتعالى.
(1) إن هذه تحتمل الفتح والكسر، ويحتمل مدخولها وما بعده أنه مما في الصحف أو هو خاص بالقرآن.
أفمن هذا الحديث- القرآن- تعجبون إنكارا، وتضحكون استهزاء، ولا تبكون خوفا من عذاب الله، وأنتم لاهون بالحديث متشاغلون بأى شيء، ومن هنا يستحب البكاء أو التباكي عند سماع القرآن،
وقد ورد عن أبى هريرة قال: لما نزلت هذه الآية «أفمن هذا الحديث..؟» بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا لبكائه فقال- عليه السلام «لا يلج النار من بكى من خشية الله تعالى» .
وإذا كان الأمر كذلك من إنكار مقابلة القرآن بالتعجب والضحك، وعدم البكاء مع اللهو وقت استماعه، إذا كان الأمر كذلك فاسجدوا لله تعالى الذي أنزله على عبده، ولم يجعل له عوجا، قيما، واعبدوه- جل جلاله، وهذه آية سجدة عند الكثير، وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم عندها، والله تعالى أعلم.