الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
إن للمتقين الذين اتقوا الله واتخذوا لأنفسهم الوقاية من عذاب الله حيث امتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، هؤلاء لهم عند ربهم جنات النعيم، إن للمتقين- لا الكافرين المكذبين- جنات النعيم، وانظر إلى قوله: عند ربهم: فهل يعقل أن يكون للكفار جنة مثلهم عند ربهم؟ وقد كفروا به ولم يعرفوا له حقه.
يقول الحق- تبارك وتعالى: عجبا لكم أيها الكفار، أفنجور في الحكم- وهذا محال- فنجعل المسلمين المتقين كالمجرمين الكافرين، ثم التفت لهم لتأكيد الرد وتشديده قائلا: ما لكم؟ أى شيء حصل لكم من خلل في العقل وسوء في الرأى؟
كيف تحكمون؟ أى: على أى وضع حكمتم هذا الحكم؟ هل هو عن عقل أو عن اختلال فكر وسوء رأى؟ «1» . لا. إنه حكم مجرد عن العقل والنظر السليم.
أم لكم كتاب فيه تدرسون؟ إن لكم فيه لما تخيرون؟ بل «2» ألكم كتاب مكتوب سواء كان سماويا أو غيره تدرسون فيه وتقرأون إن لكم فيه الذي تتخيرونه وترضونه بقطع النظر عن أى اعتبار! لا شيء من هذا.
لم يكن لكم كتاب فيه ما تقولونه من أن لكم يوم القيامة ما تختارونه. بل ألكم أيمان، وعهود علينا، أيمان مغلظة وعهود موثقة تبلغ إلى يوم القيامة. جوابها إن لكم لما تحكمون! .. لا شيء من هذا أبدا.
سلهم يا محمد متحديا: إن كان لهم كتاب فيه ما ذكر فليبرزوه، وإن كان لهم يمين من الله فليظهروه، وإن كان لهم زعيم وضامن لهم ما يقولون فمن هو؟
فليس معهم دليل نقلي من كتاب الله أو غيره، وليست لهم حجة ظنية من يمين أو غيره وليس لهم ضامن يضمن قولهم فماذا بعد هذا؟!
(1) - «ما لكم كيف تحكمون» جملتان استفهاميتان الأولى هي (ما لكم) . وهي مبتدأ وخبر، والثانية هي كيف تحكمون؟
(2)
- أم لكم كتاب (أم) بمعنى بل والهمزة، بل الانتقالية من حديث إلى آخر، والهمزة للاستفهام التوبيخي، وكذا يقال في أخواتها التي هنا، وجملة (إن لكم لما تخيرون) مفعول في المعنى لتدرسون، وكان حقها فتح أن لكن اللام التي في خبرها علقت الفعل وهو تدرسون عن العمل فكسرت إن. [.....]
بل ألهم شركاء من الأصنام والأوثان التي يعبدونها إن كانوا صادقين فليأتوا بشركاء يشهدون لهم، ويؤيدونهم في أن لهم نصيبا في الجنة، لا شك أن المشركين ليس لهم شركاء يشهدون لهم، إذ هي أصنام وأوثان لا تنفع ولا تضر، ولا تبصر ولا تسمع، وبذلك تكون قد بطلت حجتهم، وانقطعت معاذيرهم، وحقت الكلمة عليهم، إن كان لهم شركاء كما يدعون فليأتوا بهم يوم يكشف عن ساق: وهو يوم القيامة، يوم الفزع الأكبر، يوم يشتد الهول ويعظم الأمر.
اذكروا أيها المشركون ذلك اليوم الشديد الهول الذي يجازى فيه كل على ما فرط في جنب الله، وستجازون أنتم على ذلك ويقال لكم: ها أنتم اليوم قد ظهر لكم الحق، فاسجدوا لله واعبدوا، ولكن أنى لهم ذلك؟ وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون؟! عند ذلك تخشع أبصارهم، وترتجف قلوبهم، وترهقهم ذلة واستكانة مما قدموا من سىء الأعمال، وقد كانوا قبل ذلك يدعون إلى السجود بإلحاح، وهم في بحبوحة العيش وسلامة الجسم، وفي وقت العمل والطاعة، أما اليوم فهو للجزاء والحساب فقط.
فيا ويلهم من هذا اليوم الذي يكشف فيه عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
إذا كان الأمر كذلك فاتركنى مع من يكذب بهذا القرآن، اتركني وهؤلاء فأنا بهم بصير، وعلى جزائهم قدير، سنستدرجهم من حيث لا يعلمون «1» ، أما استدراج الله لهم فهو أن الله أعطاهم مالا وأولادا، ومتعهم بصحة وعافية فشغلهم كل ذلك عن النظر الصحيح في آيات الله واتباع الرسول مع قيام الأدلة الواضحة على صدقه وصحة نبوته، وقد تمادوا في باطلهم وغفلتهم، حتى حسبوا أن تأخير العذاب عنهم وإسداء النعم لهم لأنهم يستحقون ذلك، وأنهم مكرمون عند ربهم، بل أعماهم الغرور ففهموا أنه سيكون لهم مثل ذلك يوم القيامة كالمؤمنين على الأقل، وما زال المشركون كذلك سادرين في غيهم وغرورهم حتى نزل بهم البلاء فبدد الله جمعهم، وشتت شملهم أليس هذا استدراجا لهم؟ وإملاء لهم حتى تكون القاضية.
وقد سمى تأخير العذاب عنهم وتمتعهم بالنعم- مع أنه قدر عليهم الشقاء والفناء
(1) - جواب سؤال مقدر كأن سائلا سأل وقال: وماذا أنت يا رب صانع بهم؟ فالجواب: سنستدرجهم.