الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
فَتَحْنا الفتح: الظفر بالبلد عنوة أو صلحا بحرب أو بغيره لأنه منغلق ما لم يظفر به، فإذا ظفر به وحصل في اليد فقد فتح، مأخوذ هذا
المعنى
من فتح باب الدار وهذا على أن المراد فتح مكة، وقيل: هو صلح الحديبية، والمراد: أوجدنا لك سبب الفتح «1» . عَزِيزاً: ذا عز لا ذل معه، أو عزيزا أى: فريدا لا شبيه له.
السَّكِينَةَ: الطمأنينة. السَّوْءِ ساءه يسوءه سوءا ومساءة: نقيض سرّه، والاسم: السوء، والمراد: الهزيمة والشر. دائِرَةُ وهي في الأصل: عبارة عن الخط المحيط بالمركز ثم استعملت في الحادثة المحيطة بالإنسان كإحاطة الدائرة بالمركز إلا أن أكثر استعمالها في الشر والمكروه والمراد: دائرة هي السوء.
المعنى:
يخبر الله تعالى عن نفسه بنون العظمة أنه فتح للنبي صلى الله عليه وسلم فتحا عظيما بعقد صلح الحديبية بينه وبين المشركين بمكة، فقد كانت هذه أول مرة اعترفت فيها قريش بمحمد لا على أنه ثائر خارج، أو طريد لا يعبأ به، بل اعتبرت محمدا وصحبه قوة يحسب لها حساب، ويجب أن يعقد معها صلح، ثم إن تسليمها بحق الزيارة للمسلمين في العام القابل اعتراف صريح بأن الإسلام دين مقرر معترف به، وهذه الهدنة قد جعلت المسلمين يأمنون شر عداوة المشركين ألد أعدائهم الخطرين، ويوجهون عنايتهم لنشر دعوتهم الإسلامية في أرجاء الجزيرة العربية، ولذا نرى الرسول بعث البعوث وأوفد الرسل لكسرى والمقوقس وهرقل وأمراء الغساسنة وعمال كسرى في اليمن، وإلى نجاشى الحبشة، وفيها صفى حسابه مع اليهود وقد انتشر الإسلام بعد هذا الصلح انتشارا واسعا بسبب تلك الهدنة التي اندفع الدعاة للدين الجديد يشرحون للناس الإسلام حتى دخلوا في دين الله أفواجا، وها هو ذا محمد صلى الله عليه وسلم يدخل مكة بعدها بعامين اثنين في عشرة آلاف مقاتل.
(1) - وعلى ذلك فهو مجاز مرسل من إطلاق السبب على المسبب، أو هو استعارة تبعية في فتحنا حيث إنه أطلق الفتح وأراد الصلح لعلاقة المشابهة في الظهور والغلبة.
وقد كان أشد شيء على نفوس المسلمين وخاصة أمثال عمر- رضى الله عنه- شرطا قبله النبي صلى الله عليه وسلم وخلاصته أن من ارتد من المسلمين قبله المشركون، ومن جاء من المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم رده النبي ولم يقبله، وحجة النبي في ذلك أن من ارتد عن الإسلام فلا حاجة لنا به، ومن جاء مسلما منهم وحاول اللحاق بالمسلمين فليصبر وسيجعل الله له مخرجا.
وقد أثبتت الحوادث أن هذا العهد كله- خاصة هذا الشرط الذي ظنه المسلمون مجحفا بهم- حكمة سياسية، وبعد نظر كان له أكبر الأثر في الدعوة الإسلامية. فهذا أبو بصير وقد إلى النبي مسلما ينطبق العهد عليه برده إلى قريش لأنه خرج بغير رأى مولاه، فقال له النبي حينما طلب إليه الرجوع: يا أبا بصير إنا قد أعطينا لهؤلاء عهدا ولا يصح لنا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق إلى قومك، قال أبو بصير: أتردنى إلى المشركين يفتنونى في ديني؟! وأخيرا بعد حوار مع مرافقيه نزل في مكان على ساحل البحر الأحمر في طريق قريش إلى الشام، واجتمع معه جمع من المسلمين الفارين بدينهم، وأخذوا يقطعون على قريش سبيل تجارتهم حتى ضجوا وطلبوا من النبي بإلحاح أن يجيرهم من هؤلاء، وأن يبقيهم معه في المدينة، وسقط بذلك الشرط الذي أقلق عمر وغيره.
أليس هذا فتحا مبينا فتح الله به على المسلمين، وكان فتحا مبينا، وفوزا عظيما؟! نعمه هو أعظم الفتوح فقد رضى المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح- الراحة- ويسألوكم القضية، ويرغبوا إليكم في الأمان، ويعاملوكم معاملة الأنداد وقيل: هو فتح مكة، ولتحقق وقوعه عبر عنه الله بقوله: فتحنا.
وهل الفتح علة لمغفرة الله لنبيه ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ وقد أجاب العلامة الزمخشري عن ذلك بقوله: لم يجعل علة للمغفرة فحسب، ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة، وهي المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، كأنه قيل: يسرنا لك فتح مكة- هو يرى أن الفتح لمكة- ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين والجزاء العاجل والآجل، ويجوز أن يكون الفتح من حيث هو جهاد للعدو سببا للغفران والثواب والهداية للصراط المستقيم، والنصر العظيم وما تقدم من الذنب وما تأخر المراد به: ما فرط من النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم عن
معصية ربه- من خلاف الأولى بالنسبة لمقامه فهو من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقيل: المراد ما هو ذنب في نظره العالي، وإن لم يكن في الواقع كذلك، ولعل الإضافة في قوله:(ذنبك) تشير إلى هذا المعنى، وبعض العلماء يفسر المغفرة للذنب بالستر بينه وبين صاحبه فلا يقع منه، أو بالستر بين الذنب وبين عقابه، والمعنى الأول يعامل به المعصومون من الأنبياء، والثاني يعامل به بقية البشر، ويتم نعمته عليك بإعلاء الدين وانتشاره ودخول الناس فيه أفواجا، وما أفاضه عليك ربك من نعم الدنيا والآخرة.
ويريك صراطا مستقيما في تبليغ الرسالة، وينصرك الله نصرا عزيزا ذا عز، لا ذل معه، أو هو عزيز المنال فريد المثال، والنصر لا يكون إلا من عند الله، ولذا أظهر لفظ الجلالة معه.
وهذا فضل الله على نبيه، أما فضل الله على المؤمنين من أصحابه فقال الله فيه: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين، ووضع فيها الطمأنينة والثبات بعد التزعزع والاضطراب الذي جعل عمر يقول: ألسنا مسلمين؟ ألسنا على الحق؟ فعلام نعطى الدنية في ديننا؟!، ولكن الله بعد هذا أنزل الطمأنينة في قلوبهم وأثلج صدورهم ببرد اليقين، وشرحها لما رآه النبي، وصدقت الأيام رأيه كما مر، أنزل في قلوبهم السكينة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم، ويقينا على يقينهم، ولا غرابة في ذلك فلله جنود السموات والأرض، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وكان الله عليما كامل العلم بجميع الأمور حكيما كامل الحكمة فلا يضع الشيء إلا في موضعه.
دبر سبحانه ما دبر من تسليط المؤمنين على الكافرين ليعرفوا نعمة الله- تعالى- في ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة «1» ، ويكفر عنهم سيئاتهم، وكان ذلك عند الله فوزا عظيما وفعل ذلك أيضا ليعذب المنافقين والمنافقات لغيظهم من تمام النعمة على المسلمين، ولا شك أن ازدياد الإيمان بالعمل مما يغيظ المنافقين والمشركين، ولعل تقديم المنافقين والمنافقات على المشركين والمشركات لأنهم أكثر ضررا على المسلمين، أعنى بهم
(1) - العلة في الحقيقة معرفة النعمة والشكر عليها لكنها لما كانت سببا في دخول الجنة أقيم المسبب- دخول الجنة- مقام السبب. [.....]