الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
ألم تر إلى أولئك المشركين حين يسألون: من الذي خلق السموات والأرض؟
يقولون: خلقهن العزيز العليم، يقولون هذا والحال أنهم جعلوا له جزءا من عباده! عجبا وأى عجب؟
جعلوا لله من عباده جزءا- أى: ولدا- ولعل تسمية الولد بالجزء لأنه قطعة من أبيه كما
قال العربي «وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشى على الأرض»
. وإثبات الولد لله محال فإنه يستحيل على خالق السموات والأرض أن يكون له ولد إذ ليس له حاجة به فهو الغنى المتعالي عن الصاحبة والولد، على أن الولد جزء من الوالد، وما كان له جزء كان مركبا، فالله إذن مركب، والمركب بلا شك حادث إذ هو يقبل الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق، وتلك كلها أمارة الحوادث فكيف يكون الإله القديم الأزلى الواحد في كل شيء له ولد؟! قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ إن الإنسان الذي يقول بهذا السخف الخالي من الحجة لكفور بين الكفر.
والفخر الرازي- رحمه الله يرى أن الأولى في الآية أن يكون معناها: وجعلوا له من عباده جزءا والباقي للشركاء وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا [سورة الأنعام آية 136] .
فهم قد زعموا أن كل العباد ليس لله، بل بعضها لله وبعضها للشركاء، والذي ساعده على هذا أن الآية التي بعدها لإنكار الولد وهذه لإنكار الشريك فتكون الآيات جامعة.
عجبا لهؤلاء يثبتون لله ولدا ثم بعد ذلك يقولون: إنه أنثى، فلو فرض أن له ولدا فإنه يمتنع أن يكون أنثى لأن الابن أفضل من البنت فكيف يتخذ البنات ويعطى لعباده البنين أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى أى: جائرة، كيف يجعلون لله البنات وهم إذا بشر أحدهم بالأنثى صار وجهه مسودّا من الحزن والغم، وهو كظيم، ويتوارى من القوم من سوء ما بشر به، ولا يدرى ماذا يفعل في بنته أيمسكها على هون وذل أم يدسها في التراب ألا ساء ما يحكمون.. عجبا لهم إذا كان
ولا بد لله من ولد فليكن ذكرا لا أنثى. أعموا وجعلوا لله- سبحانه وتعالى ما من شأنه أن يتربى في الحلية والزينة، وأن يكون قعيدا في البيت، وهو في الخصام والجدال غير مبين؟ وتلك أوصاف النساء، انظر إليهم وقد جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن، وهم العباد المكرمون، الذين يعبدون الله ليلا ونهارا، ولا يعصونه ما أمرهم، جعلوا هؤلاء إناثا، وحكموا بأنهم كذلك.
هذا أيضا مما يستدعى العجب لأنه إثبات بلا دليل، وقول بلا برهان، إذ لا دليل عقلي ولا نقلي على ذلك فلم يبق إلا المشاهدة، وهم لم يشاهدوا خلقهم أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ستكتب تلك الشهادة عليهم، ويسألون عنها يوم القيامة.
وانظر إليهم، وهم يتعلقون بما هو أوهى من بيت العنكبوت، وهي حجة أملاها عليهم شيطانهم إذ قالوا: لو شاء الرحمن ما عبدنا الملائكة، وهم يقصدون أن الله شاء عبادتنا لهم بدليل وقوعها إذ لو لم يشأ منا ذلك لما وقع منا شرك، وإذا كانت مشيئته حاصلة فكيف يأمرنا بترك العبادة؟ وهو استدلال باطل بلا شك لأن المشيئة لا تستلزم الأمر إذ هي عبارة عن ترجيح بعض الممكنات على بعض وفقا لعلمه سواء كانت تلك الممكنات حسنة أم قبيحة، والله- سبحانه- يأمر بالخير ويحث عليه، وقد يشاء لنا غير ما أمرنا به: ونحن لا نعلم حقيقة مشيئته وإرادته حتى يتخلصوا من ذنوبهم وآثامهم! لا. ليس عندهم علم قبل وقوع الفعل أبدا إن هم إلا يظنون ويخرصون.
بل آتيناهم كتابا يدرسون فيه ما شئناه فهم به مستمسكون! لا. لا، فهؤلاء ليست لهم حجة عقلية ولا حجة نقلية تبرر لهم أفعالهم، وإنما السبب الحقيقي أنهم يقلدون آباءهم تقليد الأعمى مع التعصب الشديد ولو كانوا على باطل، بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ طريقة ومذهب وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ.
ولا تذهب نفسك عليهم حسرات فتلك عادة قديمة في الأمم قبلهم، ومثل ذلك الذي تراه من تشبث المشركين بالتقليد الأعمى وترك الحجة والبرهان تراه كذلك مع الأمم السابقة إذ ما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي في قرية من القرى إلا قال مترفوها وأغنياؤها المنغمسون في المادة المتشبثون بالدنيا المغرورون بها فحقّا
إلا قالوا للرسول: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ.
ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ [سورة فصلت آية 43] .