الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد: ساق أمثلة عجيبة غريبة كغرابة المثل رَمِيمٌ من رم العظم: إذا بلى بَلى: حرف جواب كنعم: إلا أنه يختص بالاستفهام الإنكارى الذي هو بمعنى النفي أَمْرُهُ: شأنه في الإيجاد مَلَكُوتُ: هو الملك التام.
المعنى:
هذا كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث وإثباته بالدليل القاطع، بعد بيان بطلان إشراكهم بالله بالأدلة المشاهدة، ألم «1» يتفكر الإنسان ولم يعلم أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم بين الخصومة؟ ألم يعلموا خلقه تعالى لأسباب معايشهم ولم يعلموا خلقه تعالى لأنفسهم مع كون العلم بذلك في غاية الظهور والوضوح، ورجوع الإنسان بنفسه إلى مبدأ خلقه، وإلى نشأته الأولى، وأنه خلق من ماء مهين من نطفة قذرة تخرج من مجرى البول، ومع ذلك يفاجئ بالخصومة والجدل للخالق الكبير المتعال، إن هذا لشيء عجيب تنكره العقول السليمة.
وقوله تعالى: (فإذا هو خصيم مبين) داخل في حيز الإنكار والتعجب كأنه قيل: أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من أخس الأشياء وأحقرها ففاجأنا بالخصومة في أمر يشهد بصحة مبدأ خلقه شهادة بينة.
وروى أن بعض المشركين كأبى بن خلف والعاص بن وائل السهمي ذهبوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم عظام بالية قد رمت فقال أحدهم: يا محمد أترى أن الله يحيى هذا بعد ما رم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم ويبعثك الله ويدخلك النّار»
ونزلت هذه الآية وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ أى: ونسى خلقنا إياه من نطفة من منى يمنى ثم صار ذا عقل وتفكير وإرادة.
عجبا لهذا الإنسان وإنكارا لقوله وضربه الأمثال، أى: إتيانه بقصة غريبة عجيبة تشبه في غرابتها المثل، وهي قوله: من يحيى العظام وهي رميم؟ أتعجب؟ قل لهم يا محمد: يحييها الذي أنشأها أول مرة فمن قدر على الإيجاد الأول من العدم قادر بلا شك على الإعادة بل هو أهون عليه، ولله المثل الأعلى، وهو بكل شيء عليم.
(1) الهمزة للإنكار مع إفادة التعجب، والواو للعطف على مقدر ذكرناه في الشرح.
يحييها الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون، وكان أهم شيء يدور في أذهانهم، ويعمى بصائرهم أن العظام البالية أصبحت باردة يابسة لا تقبل الحياة، والحياة لا بد لها من حرارة فمن الذي يحيى هذه العظام؟
والله يضرب الأمثال لهم بأنه يجعل من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم من ذلك الشجر الأخضر توقدون. والمشاهد أن الرجل يأتى بشجر (السنط) وهو أخضر مورق فيوقد فيه النار فتلتهب. وصدق الله الذي جعل من الشجر الأخضر نارا. وهم يقولون: إن المشهور بذلك شجر المرخ والعفار. كان يتخذ من المرخ الزند الأعلى ومن العفار الزند الأسفل فإذا ما احتكا بشدة أوقدا نارا مع أنهما أخضران يقطران ماء.
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ أو ليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بقادر على أن يخلق مثل الإنسان في الصغر والضعف بالنسبة لهما؟
بلى- نعم- وهو جواب من الله تعالى يقرر قدرته على الخلق. وهو الخلاق كثير الخلق. العليم كثير العلم. ومن كان كذلك فلا عجب أن يخلق الإنسان وغيره، إنما أمره وشأنه إذا أراد إيجاد شيء أن يقول له: كن فهو يكون، وهل هناك لفظ (كن) ؟
ذهب إلى هذا السلف مفوضين أمره وحقيقته إلى علام الغيوب. وقال الجمهور من العلماء: ليس هناك لفظ (كن) وإنما المراد تمثيل لقدرة الله في مراده يأمر الأمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة الحصول من غير امتناع ولا توقف، وإذا كان الأمر كذلك فسبحان الله الذي بيده الملك التام لكل شيء. وإليه وحده ترجع الخلائق.
وهذا تنزيه لله- سبحانه وتعالى عما وصفوه إذ بيده الملك وهو القادر على كل شيء وإليه يرجع الأمر كله، فاعبدوه وقدسوه ووحدوه سبحانه وتعالى عما يشركون.