الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
يا حَسْرَةً الحسرة: أن يلحق الإنسان من الندم ما به يصير حسيرا الْمَيْتَةُ:
التي لا نبات فيها جَنَّاتٍ: بساتين من شجر النخيل والأعناب وَفَجَّرْنا:
شققنا وأنبعنا فيها عيونا كثيرة سُبْحانَ: تنزيها لله عما لا يليق به الْأَزْواجَ:
الأصناف والأنواع المختلفة نَسْلَخُ: نفصل منه النهار ونزيله عنه قَدَّرْناهُ مَنازِلَ الأصل: قدرنا له منازل، ثم حذفت اللام فقيل: قدرناه منازل، المراد:
جعلنا له منازل، والمنازل: جمع منزل، والمراد به المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة، وهي في حسابهم 27 منزلا كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ العرجون: عود العذق- القنو- ما بين الشماريخ إلى منبته من النخلة فِي فَلَكٍ والفلك: هو المدار الذي يدور فيه الكوكب سمى به لاستدارته كفلكة المغزل يَسْبَحُونَ: يسيرون بانبساط وسهولة الْمَشْحُونِ: المملوء فَلا صَرِيخَ: فلا مغيث.
المعنى:
وما أنزل ربك- القادر على كل شيء- على قوم الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة يسعى من بعد موته، ما أنزل عند إهلاكهم جندا من السماء؟ وما احتاج الأمر إلى شيء من ذلك فبأى شيء كان إهلاكهم؟ ما كانت إلا صيحة واحدة من جبريل فإذا هم بعدها مباشرة خامدون وميتون لا حراك بهم، خمدوا كما تخمد النار فتصير رمادا.
يا حسرة «1» على هؤلاء المكذبين!! يا حسرة على هؤلاء وأمثالهم!! ما يأتيهم من رسول يهديهم إلى الحق، وإلى الصراط المستقيم إلا كانوا به يستهزئون، فاستحقوا الهلاك من رب العالمين، نعم إنهم يستحقون أن يتحسر عليهم المتحسرون وخاصة الملائكة والمؤمنون من الثقلين لما رأوا عاقبة أمرهم ونهاية كفرهم واستهزائهم.
عجبا لهؤلاء وأمثالهم من كفار قريش! ألم يروا أن أهلكنا قبلهم كثيرا «2» من الأمم
(1) المنادى محذوف والأصل يا قومي تحسروا حسرة على هؤلاء، وفي قراءة: يا حسرتا، والأصل: يا حسرتى على أنه من كلام الملائكة أو المؤمنين أو من الله. وقيل: المنادى الحسرة نفسها، أى: هذا أوانك فاحضرى. [.....]
(2)
الاستفهام في (ألم يروا) للتقرير، وكم خبرية مفعول لأهلكنا، وأنهم لا يرجعون بدل اشتمال في المعنى لا في اللفظ من أهلكنا لأن إهلاكهم مشتمل ومستلزم لعدم رجوعهم.
السابقة لما كذبوا وكفروا؟! ألم يروا أنهم بعد الهلاك إليهم لا يرجعون أبدا؟ وما كلهم إلا محشورون «1» ومجموعون، ولدينا للحساب يوم القيامة محضرون، فهل يتعظون ويعتبرون؟ ويعلمون أن الله على كل شيء قدير، وأنه يجازى كل كفور، وهذا تهديد لهم.
والأرض الميتة التي لا نبات فيها ولا حركة، آية شاهدة ناطقة لهم على قدرة الله، وعلى أنه القادر على إحياء الخلائق بعد موتها، والأرض الميتة أحياها ربك بالنبات والخضرة، وأخرج منها حبا كالحنطة وغيرها، فمنه يأكلون ويعيشون، وجعل فيها جنات من نخيل وأعناب، وفجر فيها من العيون ليأكلوا بعد هذا من ثمره الذي تفضل به علينا، وليأكلوا مما عملته أيديهم من أصناف المأكولات الجافة والمحفوظة والطازجة مما نراه ونشاهده أفلا يشكرون الله؟! سبحان الله! ما أعظم فضله وأجل نعمه! سبحانه وتعالى عما يشركون، تنزه سبحانه عما لا يليق به مما فعلوه وتركوه، وهذا أيضا تعليم للمؤمنين وإرشاد لهم ليقولوا: سبحان الله معتقدين مصدقين بهذا التنزيه الإلهى.
سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض من النبات وغيره، مما عملته أيديهم، ومما لا يعلمون، فهو لله سبحانه وتعالى نعم سبحانه خالق هذه الأصناف كلها مما لا يحيط به إلا هو فكل ما في الكون لا يعلمه إلا خالقه سبحانه وتعالى..
وهذا الليل وما فيه آية لهم لو كانوا يعقلون، فهذا الظلام الشامل بعد النور الساطع، وهذا السكون والهدوء بعد الجلبة والضجيج، وتلك الكواكب السيارة والأفلاك الدوارة كل ذلك آية على وجود الخبير البصير الذي يسير العالم على وفق نظام محكم دقيق لا يختل أبدا.
وآية عظيمة لهم الليل، نسلخ «2» منه النهار، ونزيل ضوءه عنه، ونكشفه عن الليل فيبدو الليل بسكونه وظلامه كالشاة بعد السلخ، فإذا سلخ بك النهار عن الليل فإذا هم
(1)«وإن كل لما جميع» في مثل هذا إعرابان يرجعان إلى قراءة لما مخففة ومشددة، فعلى قراءة التشديد إن نافية ولما بمعنى إلا، وعلى قراءة التخفيف إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشان وكل مبتدأ واللام هي الفارقة، وما زائدة صلة وجميع خبر، ولدينا ظرف متعلق به، ومحضرون خبر ثان.
(2)
وفي قوله (نسلخ) استعارة تبعية حيث استعار السلخ لكشف الضوء من مكان الليل، والجامع ما يعقل من ترتب أمر على أمر فإنه يترتب ظهور اللحم وظهور الظلمة.
مظلمون، أى: داخلون في الظلام مفاجأة وبغتة، فيكون النوم العميق والهدوء الشامل، سبحانه من قادر حكيم.
وآية لهم الشمس ذلك الكوكب النهارى الضخم تجرى في فلكها لحد مؤقت مقدر تنتهي إليه، ولا تتجاوزه أبدا، فكأنها تجرى لإدراكه حتى إذا ما انتهت إليه توقفت، والله وحده هو العالم إلى متى تجرى؟ ومتى تقف؟ ذلك تقدير العزيز العليم، نعم هو تقديره وحده، ونظامه المحكم الدقيق الذي لو اختل قيد شعرة فلا يعلم إلا الله ما الذي يحصل؟! فالشمس تجرى وتدور حول نفسها وفي فلكها، والأرض أمامها تجرى وتدور حول نفسها وحول الشمس فينشأ عن كل ذلك النهار والليل والنور والظلام، والفصول الأربعة، أرأيت لو أن هذا النظام اختل في وقت ماذا يكون؟ أمن المعقول أن ذلك يحصل بطبعه بدون إله مدبر؟ تعالى الله عما يقولون.
والقمر قدر له ربك منازل يسير فيها، فتراه يبدو صغيرا دقيقا ثم يكبر فيصير هلالا فبدرا ثم يعود يصغر شيئا فشيئا حتى يصير كالعرجون القديم في الرقة والانحناء والصغر وانظر يا أخى إلى هذه الكواكب السماوية وإلى أبعادها وأجرامها وكثرة عددها وسرعة حركتها، ثم هي بعد ذلك كله في نظام دقيق وعمل وترتيب لا عوج فيه ولا خلل لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل يسبق النهار فيفوته، ولكن يعقبه وإنما جعل الله لهذا كله وقتا محددا ونظاما دقيقا فلا يجوز أن تطغى آية الليل (القمر) على آية النهار (الشمس) بل لكل مدة وزمن ونظام لا يعدوه، وكل من النجوم والكواكب في فلك خاص به يسبحون ويجرون، وهذا لا يمنع أن الله يولج النهار في الليل، وبالعكس في بعض أيام السنة. أليست هذه من أعظم الآيات الدالة على وجود الله وقدرته؟!! وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في ظهور آبائهم ساعة حملوا في فلك نوح المشحون بالخلق، وخلقنا لهم من مثل السفن ما يركبون من السيارات والقطارات والطائرات وغير ذلك! وما أروع هذا التعبير، وما أدق تصويره! وهم في قبضتنا إن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم، أى: فلا مغيث لهم، ولا ينقذون لشيء أبدا إلا لرحمة منا وتمتيع بالحياة الدنيا إلى حين معلوم.