الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
يبين الله- سبحانه وتعالى أن في طبع الإنسان وغريزته استشارة غيره وخاصة في مهمات الأمور، وقد كان الناس يتشاورون في شأن الدعوة الإسلامية فمنهم من كان صديقه وخليله يدعوه إلى الخير ويحثه على سلوك الطريق المستقيم، ومنهم من كان صديقه وخليله يدعوه إلى الشر ويحثه عليه، فإذا رأى يوم القيامة أن عمله كان خطأ، وأن مشورة خليله كانت وبالا عليه أنحى باللائمة على صديقه، بل يصير عدوا من ألد أعدائه، وينسب إليه كل أفعاله طالبا من الله عقابه أشد العقاب، وقد قص القرآن علينا صورا كثيرة مما سيحصل بين التابعين والمتبوعين والقادة والعامة.
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، فإنهم يظلون على صداقتهم التي أنتجت لهم الخير، وهدتهم إلى الحق، فهم على سرر متقابلون، وعلى الأرائك ينظرون. وقد نزع الله ما في صدورهم من غل، ويقال لهم تطمينا وتثبيتا: يا عبادي لا خوف عليكم فيما مضى ولا أنتم تحزنون في المستقبل، ويقال لهم تكريما: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم حالة كونهم مسرورين، ويطاف عليهم بصحاف من ذهب، وأكواب من فضة، فيها من الشراب والطعام ما لا عين رأته.
روى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل في الجنة من إبل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن يدخلك الله الجنّة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذّت عينك»
نعم في الجنة ما تشتهيه الأنفس، وتلذه الأعين من كل شيء لا يقع تحت الوصف، ولا يدركه العقل، فإن ذكر طرف منه فتقريب للخيال، وتصوير لبعض ما هنالك
«فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»
وأنتم أيها المؤمنون مع هذا فيها خالدون، ويقال لكم: تلك الجنة التي استحققتم متاعها كما يستحق الوارث ميراثه بسبب ما كنتم تعملون، لكم فيها فاكهة، ولكم فيها ما تدعون.
هذا هو الوعد الذي وعده الله للمتقين، وأما وعيد الكافرين فها هو ذا: إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون إلى ما شاء الله، عذاب دائم مقيم، لا يخفف عنهم فيها بل هم فيها ماكثون، وهم من رحمة الله آيسون وساكتون، وما ظلمهم ربك، ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي.
هؤلاء المجرمون تمر عليهم فترات طوال، ففي فترة يسكتون ولا يتكلمون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون، وفي حالة أخرى ينادون: يا مالك ادع لنا ربك حتى يقضى علينا بالموت والهلاك، فنخرج من ذلك الموقف الشديد وهذا العذاب الأليم، فيسكت مالك ولا يجيب زمنا الله أعلم به، ثم يقول لهم: إنكم ماكثون.
وقد
روى أن أهل النار استغاثوا بالخزنة وسألوهم أن يخفف عنهم ربهم يوما واحدا من العذاب فردت الخزنة عليهم أسوأ رد وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ «1»
فلما يئس الكفار مما عند الخزنة نادوا مالكا ليسأل لهم ربهم الموت فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة ثم بعدها قال لهم: إنكم ماكثون.
وذلك لأنا جئناكم في الدنيا بالحق الذي لا شك فيه، وفيه الخير لكم فلم تقبلوه وكان أكثركم- أى: رؤساؤكم- للحق كارهين.
بل أبرم مشركو مكة أمرا، وكادوا كيدا للنبي صلى الله عليه وسلم فإنا مبرمون كيدنا حقيقة أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ «2»
فالآية تشير إلى ما كان منهم من تدبير قتله- عليه الصلاة والسلام في دار الندوة بمكة، وإلى ما كان من إحباط تلك المؤامرة ورد كيدهم في نحورهم وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «3» .
بل أهم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم؟ وكيف لا يسمع سرهم ونجواهم علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى وهو العليم بذات الصدور، بل يسمعها ويطلع عليها رسله التي جعلها معقبات من بين أيديهم ومن خلفهم يكتبون كل ما صدر عنهم من الأفعال سرا أو جهرا ليلا أو نهارا.
فيا خير من تكتب له الحسنات، ويا ويل من تكتب له السيئات.
(1) - سورة غافر الآيتان 49 و 50.
(2)
- سورة الطور آية 42.
(3)
- سورة المائدة آية 67.