الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
إِذْ أَدْبَرَ دبر وأدبر بمعنى: ولى وانصرم. إِذا أَسْفَرَ: أضاء وظهر.
الْكُبَرِ: جمع كبرى، أنثى الأكبر. رَهِينَةٌ يقال: رهن الشيء رهنا ورهينة، وهو الشيء المرهون وثيقة لشيء آخر. ما سَلَكَكُمْ: ما أدخلكم. الْمُصَلِّينَ الصلاة في اللغة: الدعاء والدين، وشرعا: تطلق على الصلاة المعروفة، والمراد
المعنى
اللغوي لا الشرعي. نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ: نكذب مع المكذبين، وأصل الخوض الذهاب في الماء، ثم نقل إلى الذهاب في الكلام، ثم غلب على الإكثار من باطل الكلام. الْيَقِينُ: الموت. التَّذْكِرَةِ: المراد القرآن. مُسْتَنْفِرَةٌ: نافرة من نفسها. قَسْوَرَةٍ: اسد. صُحُفاً مُنَشَّرَةً الصحف: القراطيس التي تكتب وتتداولها أيدى الناس، والمنشرة: المبسوطة المفتوحة.
المعنى:
لقد تكلم المشركون في خزنة جهنم وعددهم، واتخذوا ذلك مادة لاستهزائهم وسخريتهم فضلوا ضلالا بعيدا، والقرآن هنا يزجرهم عن ذلك ويردعهم بكلمة زاجرة هي «كلا» ثم أقسم بالقمر، والليل إذ أدبر، والصبح إذا أسفر على أن سقر هي إحدى الكبر، أما قسمه بهذه الأشياء فكما قلنا سابقا: إنه للفت أنظار المشركين إلى تلك الآثار الباهرة التي تدل على قدرة الله القادرة، على أن هذا التقلب، والتغيير من حال إلى حال ومن نور إلى ظلام ثم منه إلى ضياء على جواز البعث والانتقال من حال الفناء إلى حال الحياة.
أقسم بالقمر ونوره كيف ينشأ صغيرا ثم يكبر ثم يعود صغيرا صغيرا حتى المحاق، وهذا الليل بجحافله، وسكونه وهدوئه، وموت الطبيعة فيه، ثم يأتى الصبح بأضوائه
اللامعة ووجهه المشرق وحياته الحافلة، أقسم بهذا كله على أن جهنم المعدة للمكذبين الذين يتخذون القرآن عضين هي إحدى الكبر من جهة أنها نذير «1» للبشر لمن «2» شاء منكم أيها البشر أن يتقدم للخير ولمن شاء أن يتأخر بفعل الشر، نعم هي نذير لهؤلاء الذين يخافون يوما عبوسا قمطريرا.
هذا إنذار للعاملين والعصاة المذنبين، مع العلم أن كل نفس بما كسبت مرهونة، أى: أن النفس مرهونة بعملها فإن كان خيرا فك رهنها وحبسها، وإن كان شرّا فستظل حتى تستوفى عقابها، وعلى ذلك فالعصاة نفوسهم مرهونة بعملهم الشر، والمؤمنون أصحاب اليمين ليست نفوسهم مرهونة لأنهم أدوا ما عليهم. كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فإنهم في جنات مكرمون، على سرر متقابلون يتجاذبون أطراف الحديث ويتساءلون، أى: يسأل بعضهم بعضا عن المجرمين المكذبين ما حالهم؟ ولعلهم يعرفون الجواب، ولكن هذا يساق زيادة في تبكيت المجرمين وإيلامهم، وإمعانا في سرور المؤمنين، أصحاب اليمين يتساءلون عن المجرمين فيطلعون عليهم، وهم في جهنم فيقولون لهم: ما سلككم في سقر؟ ما الذي أدخلكم في جهنم؟ قالوا لهم: الذي سلكنا أننا لم نك من المصلين، ولم نك ندعو الله رب العالمين بل كنا ندعو غيره ونشرك به سواه، وأنا لم نك نطعم المسكين المحتاج بل كنا ننفق للدنيا وللرياء، وكنا نكذب مع المكذبين ونخوض مع الخائضين في هراء الكلام وفاسده، وكنا نكذب بيوم القيامة ولا نصدق به، وظللنا على هذا الحال حتى أتانا اليقين الذي لا شك فيه كالموت، وهذا العذاب الذي نقاسيه اليوم.
إذا كان الأمر كذلك فما تنفع هؤلاء شفاعة الشافعين، ومن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه؟ وهذا رد عليهم في دعواهم أن الآلهة تشفع عند الله لهم.
عجبا لهؤلاء بعد هذا البيان الساطع فما لهم عن القرآن معرضين؟ أى شيء حصل لهؤلاء حتى يعرضوا عن كلام رب العاملين مالك يوم الدين.
(1) على هذا فهي مصدر وقع تمييزا، ويصح أن تكون صفة مشبهة وتعرب حالا.
(2)
وعلى هذا فقوله: لمن شاء بدل من بشر، ورأى آخر أنه خبر مقدم، والمبتدأ المصدر المأخوذ من (أن يتقدم أو يتأخر) أى: التقدم والتأخر لمن شاء.
ما لهم يعرضون ويفرون؟ كأنهم حمر- المراد حمر الوحش- نافرة من نفسها وطبعها، وقد فرت من أسد، إن أمر هؤلاء لعجيب.
بل- وهذا إضراب عن إعراضهم ونفورهم مما فيه سعادتهم وخيرهم كالحيوان واستمع لما هو أعجب وأغرب: بل يريد كل امرئ منهم أن تنزل عليه صحف من السماء مبسوطة تأمره باتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
كلا وألف كلا!! بل هم لا يخافون الآخرة، ولا يرجونها أصلا، فهذا هو السبب، وطلبهم الصحف المنشرة ضرب من العبث واللهو، فأعرض عن هذا ولا تسمع لهم في شيء..
كلا إن القرآن تذكرة وعظة لمن يريد الآخرة ويؤمن بالغيب، وفيه استعداد للخير، فمن شاء ذكره واتعظ به وآمن، وما يذكرون إلا إن شاء الله ذاك بالقهر والإلجاء، لكن الله ترك الإيمان والكفر لاختيار العبد الذي هو مناط الثواب والعقاب.
وقيل المعنى: وما يذكرون في حال من الأحوال إلا حال أن شاء الله لهم ذلك إذ الأمر كله له، هو الله أهل لأن يتقى ويحذر عقابه فلماذا لا تتقون؟ وهو أهل للمغفرة فلماذا لا تصلحون أعمالكم. وتتوبون لربكم وتثوبون لرشدكم؟