الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاهدوا النبي على الثبات في محاربة الكفار، وعاهدهم النبي على ضمان الجنة لهم، فأطلق المبايعة على المعاهدة «1» التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم مع المسلمين، وهي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة بالحديبية- قرية بينها وبين مكة حوالى مرحلة، وهي في حدود الحرم. نَكَثَ: نقض البيعة. أَوْفى بِما عاهَدَ يقال: أوفى ووفى بالعهد: إذا أتمه.
المعنى:
إنا أرسلناك يا محمد شاهد صدق تبلغ الدعوة الإلهية لإنقاذ البشرية، وتبشر من اهتدى إلى الصراط المستقيم بجنة عرضها السموات والأرض، وتنذر من حاد وتردى في الهوى وسلك سبيل الغي والضلال لتنذره بجهنم ونارها التي أعدت للكافرين وإنما فعل ذلك ربكم لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعزروه وتنصروا رسوله، وتوقروه وتعظموه، وتسبحوه وتنزهوه وتصلوا له- سبحانه- بكرة وأصيلا في الغداة والعشى، وهما طرفا النهار، وما بينهما تبع لهما، ولا شك أن نصرة رسول الله نصرة لله، والتفانى في تبليغ دعوة الله من أكبر الدواعي لرضا الله ورضا رسوله، وهذا كله يتطلب من المسلمين عقد العهود، وتأكيد المبايعة مع النبي على نصرة دينه مهما كلفهم ذلك، وقد كان ذلك، وتعاهد المسلمون وعقدوا معه بيعة الرضوان.
ولما بين الله أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا لينقذ البشرية من جهالتها، ويرفعها من وهدتها، ومن كانت هذه منزلته عند الله يكون من بايعه في الظاهر فقد بايع الله حقيقة وفي الواقع، ومن بايع رسول الله على ألا يفر في القتال حتى ينصر الله دينه أو يستشهد في سبيل ذلك إنما كان يقصد بذلك رضا الله ورسوله وثواب جنته إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ فالرسول سفير محض بين الله وبين أوليائه من المؤمنين يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وهذا استئناف مؤكد لما تضمنه الكلام السابق من أن مبايعة الرسول مبايعة لله.
(1) - هذا الإطلاق على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، ووجه الشبه: اشتمال كل على المبادلة.
والسلف- رضوان الله عليهم- يفهمون في مثل هذه الآيات المعنى العام والغرض من السياق، مع تنزيه المولى- جل شأنه- عن مشابهة الحوادث وصفات الأجسام وإثبات الجوارح له، ويكلون أمر ذلك لله قائلين: إن معرفة حقيقة «اليد» التي وردت هنا فرع عن معرفة حقيقة الذات، وأنى لمخلوق ذلك؟ وهيهات ثم هيهات له ذلك! فالأولى التفويض لعلام الغيوب مع الإيمان الكامل بكل ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة.
وأما الخلف فيؤولون ذلك بأن في الآية استعارة «1» أو المراد باليد القوة لا الجارحة والمعنى: قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم فثق بالله وحده فالنصر من عنده لا من عند غيره، أو المعنى: نعمة الله عليهم بالهداية، وتوفيقهم لمبايعتك فوق مبايعتهم ونصرتهم لك وهذا على أن اليد تطلق أيضا على النعمة لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ [سورة الحجرات آية 17] .
وإذا كان الأمر كذلك فمن نكث العهد ونقضه فإنما وبال إثمه وعاقبة فعله على نفسه فقط لا على غيره، ومن أتم عهده وأدى واجبه كاملا فله جزاء الحسنى، وسيؤتيه ربك أجرا عظيما، حتى يرضى.
روى الشيخان عن يزيد بن عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: «على أى شيء بايعتم رسول الله؟ قال: على الموت»
…
وروى مسلم عن معقل بن يسار قال: «لقد رأيتنى يوم الشجرة- التي كانت تحتها بيعة الرضوان بالحديبية- والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة، قال: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألا نفر» قال العلماء: لا منافاة بين الحديثين. فجماعة كانت مع سلمة وجماعة مع معقل.
(1) - بالكناية في لفظ الجلالة حيث شبه بالمبايع وذكر اليد قرينة وإسنادها له تخييل، وفي ذكر اليد مع أيدى الناس مشاكلة، ويقول علماء البلاغة: إن في الآيات محسنات بلاغية كثيرة.