الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
نحن خلقناكم أول مرة وحدنا فهلا تصدقون بذلك تصديقا مقرونا بالطاعة والأعمال الصالحة! فإنهم أقروا ظاهرا بأن الله خلقهم، ولكنه إقرار لم يتبع بالطاعة الصحيحة فنزل منزلة العدم، ولذا حضهم الله على الإقرار بالخلق فقال: فلولا تصدقون!، وقيل المعنى: نحن خلقناكم أول مرة فهلا تصدقون بأنا قادرون على الخلق ثانيا يوم القيامة! ثم أخذ يسوق الأدلة والحجج التي تثبت ذلك فقال: أفرأيتم ما تصبون في رحم النساء من المنى! أأنتم تخلقونه وتصورونه بشرا تام الخلقة؟ أم نحن الخالقون له وحدنا «1» ؟ لم يخلق بالطبيعة، ولم يخلق وحده، ولم تخلقوه أنتم، وهذا المنى تحول من حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة فكيف تستبعدون الخلق يوم البعث؟ وإحياءكم بعد أن كنتم ترابا أنتم وآباؤكم؟! نحن قدرنا بينكم الموت، ووقتنا موت كل واحد بزمن لا يتقدم ولا يتأخر، وما نحن بمغلوبين في ذلك أبدا، وما نحن بمغلوبين أيضا على أن نذهبكم، ونأتى مكانكم بأمثالكم من الخلق، وننشئكم فيما لا تعلمون من الخلق والأطوار، فنحن قادرون على كل ذلك، ولقد علمتم النشأة الأولى لكم حيث خلقتم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة
…
إلخ ما هو معروف، وقيل المعنى: لقد علمتم النشأة الأولى لخلق أبيكم آدم من تراب، وبين التراب والحياة البشرية بون شاسع، فهلا تذكرون ذلك؟ وتعلمون أن من قدر على ذلك كله قادر على إحياء الموتى؟!.
أفرأيتم ما تحرثون؟ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟ نعم الله هو الذي يحيى الأرض بالنبات بعد موتها، وهو القادر على إخراج النبات الأخضر المثمر من البذور والطين مع أن الحب في الطين قابل للعفونة، ولكن الله بقدرته يخرج منه نباتا أصفر طريا غضا أفلا يدل هذا على القدرة؟
(1) - الاستفهام في قوله أرأيتم المراد به الطلب، أى: أخبرونى عن المنى، وقوله: أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون:
في موضع المفعول الثاني على أن الرؤية علمية، وعلى أنها بصرية تكون مستأنفة لا محل لها، وقوله: أم نحن الخالقون إنها متصلة، وقيل: إنها منقطعة لأن ما بعدها جملة الاستفهام المقدر للتقرير.
لو يشاء ربك بعد خلقه لجعله هشيما متكسرا لا غلة ولا خير، كما يحصل الآن ونراه بأعيننا في حقلين متجاورين متفقين في كل شيء أو نفس الحقل الواحد، ونرى أن هذا النبات يثمر، وذاك في ليلة واحدة يصبح هشيما لا خير فيه، وتبارك الله أحسن الخالقين! لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون، وتتعجبون من سوء الحال والمصير، أو فظللتم تتلاومون على سوء أفعالكم، وكل ذلك تفسير باللازم، والأقرب فظللتم تزيلون التفكه والفكاهة عنكم، والرجل لا يطرح الفكاهة والمسرة عن نفسه إلا عند الألم والحزن، أو المراد تتفكهون قائلين: إنا لمغرمون- وهذا من باب التهكم- بل نحن محرومون من عطاء الله.
أفرأيتم الماء الذي تشربونه؟ أأنتم أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون؟ نعم هو الله وحده القادر على إنزال المطر، وإخراج الماء من البحار على هيئة البخار حالة كونه نقيّا صافيا من كل شيء ثم جمعه في السحاب، ثم إنزاله مطرا يصيب به من يشاء من عباده.
ولو شاء ربك أنزل «1» المطر من السماء ملحا أجاجا لا يصلح للرى، ولكنه اللطيف الخبير فهلا تشكرون ربكم على ذلك ولا تكفرون! أفرأيتم النار التي تورونها، وتستخرجونها من الزند أو ثقاب الكبريت، أو على أى صورة أأنتم أنشأتم شجرها؟ أأنتم خلقتم مادتها؟ أم نحن الخالقون؟ نعم هو ربك وحده الذي خلق فقدر كل ذلك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نحن جعلنا النار تذكرة لجهنم، وعبرة لمن يعتبر، وجعلناها متاعا يتمتع بها الخلق جميعا المقيم والمسافر، والغنى والفقير، والحاضر والبادي، ولا غرابة فالنار أحد العناصر المهمة كالماء والتراب والهواء.
إذ كان الأمر كذلك فسبح باسم ربك العظيم، ونزهه عن كل نقص. وإذا كان الأمر بتقديس الاسم فما بال المسمى جل شأنه؟!
(1) - جواب لو هنا مجرد من اللام، وفيما قبله مقرون باللام، والنحويون يجيزون ذلك، أما لماذا كان هذا الوضع هنا؟ ففي الحقيقة الله أعلم بأسرار كتابه، وإن كان الكشاف والآلوسي وغيرهما عللوا عللا عللا ليست قوية في نظري.