الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
ذِي الذِّكْرِ: صاحب الشرف عِزَّةٍ: استعزاز بالباطل واستكبار عن الحق والإيمان به شِقاقٍ: خلاف قَرْنٍ: أمة من الأمم، سميت بذلك لأنها تتقدم غيرها من الأمم كالقرن يتقدم الجسم مَناصٍ: منجى ومهرب عُجابٌ: كثير العجب الْمَلَأُ مِنْهُمْ أى: الأشراف أَنِ امْشُوا أى:
امشوا، والمشي: نقل الأقدام عن المكان، وقيل: هو من مشت المرأة: إذا كثرت ولادتها، ومنه الماشية فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ المراد: ملة العرب ونحلتهم التي أدركوها اخْتِلاقٌ: كذب مختلق لا أساس له فِي الْأَسْبابِ: في المعارج الموصلة إلى ما يريدون جُنْدٌ الجند: هم الأصحاب والأتباع الممتثلون للأمر مَهْزُومٌ وأصل الهزم: غمز الشيء اليابس حتى ينهزم، كهزم القثاء والبطيخ ذُو الْأَوْتادِ المراد: ذو الملك الثابت الذي يشبه البيت المؤسس على أوتاد وعمد فَواقٍ الفواق: الوقت بين الحلبتين أو الرضعتين حتى يجتمع اللبن في الضرع قِطَّنا:
قسطنا أو كتابنا.
المعنى:
صاد، وأقسم بالقرآن ذي الذكر السامي والشرف العالي إنه لحق، وإن محمدا لصادق في دعواه، نعم إنه القرآن كلام الله ذو الذكر الحكيم، والبيان الجامع لكل ما يهم العالم أجمع، وما به صلاح الدنيا وقوم الآخرة وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ «1» . هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ «2»
(1) - سورة البقرة آية 158. [.....]
(2)
- سورة النحل آية 89.
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ «1» بل الذين كفروا في عزة وشقاق.. وكأن نظم الآيات هكذا: صاد وأقسم بالقرآن ذي الذكر إنه لمعجزة وإنه لحق، بل الذين كفروا في عزة واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف بالحق، وهم في شقاق لله ورسوله وخلاف مستمر معهما، ثم أتبع ذلك بتهديد لهم ووعيد يزلزل كبرياءهم، ويحطم عزتهم الجوفاء- أما العزة الحقيقة المرتكزة على أسس من الحق والعدل والكرامة فلله ولرسوله وللمؤمنين فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً «2» - بقوله: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ بمعنى:
كثيرا من الأمم التي مضت والتي كانت أشد قوة وأكثر مالا وأولادا أهلكهم ربهم لما طغوا وبغوا، وحينما نزل بهم نادوا واستغاثوا، ولات الحين حين مناص لهم «3» ، وليس لهم في هذا الوقت منجى ولا مهرب.
وهذه سيئة من سيئاتهم المتفرعة عن عزتهم الفارغة واستكبارهم بالباطل وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ الآية.. كانوا يرون أن الرسالة تتنافى مع البشرية، وإذا سلمنا بها فكان الأولى والأجدر أن تنزل على رجل من القريتين عظيم، فهم عدو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أمرا عجيبا خارجا عن نطاق العقل والمألوف فقال الكافرون منهم: هذا ساحر لأنه يأتى بما نعجز عن تفسيره وتعليله، وكذاب فيما يدعيه، ويرويه عن رب العالمين.
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ «4» تعجبوا عجبا كثيرا من أن الرسول يقول: إن ربكم الله وحده لا شريك له، ويصير الآلهة إلها واحدا، أى:
يصيرها ويجعلها في قوله لا في الخارج، تعجبوا من ذلك لأنه خلاف ما ألفوه، وقد أعماهم التقليد عن النظر الصحيح والفكر السليم، فقاسوا الأمور الحية التي هي في مكنة الفرد من الإنسان فرأوا أنه يستحيل عليه القيام بمطالب هذا الكون، فقالوا بتعدد الآلهة، وتعجبوا ممن يقول بوحدة الإله.
وروى أنهم اجتمعوا، أى: الأشراف منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عند عمه أبى طالب وطالبوه بالكف عن آلهتهم وذمها فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: إنى أريد منكم كلمة واحدة تدين لكم بها العرب وتخضع لكم بها العجم. فقالوا: وما هي؟ قال: لا إله إلا
(1) - سورة الزخرف آية 44.
(2)
- سورة فاطر آية 10.
(3)
- لات حين: أخذت من (ليس حين) زيدت عليها التاء لتأكيد النفي، ولا تعمل إلا في زمان، ويحذف أحد معموليها، والغالب أن المحذوف هو الاسم.
(4)
- الاستفهام للإنكار والتعجب.
الله. فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم قائلين: أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب؟!
وانطلق الأشراف منهم يتحاورون قائلين: أن امشوا واتركوه، وسيروا على ما أنتم عليه، واصبروا على عبادة آلهتكم، وتجمعوا على عبادتها إن هذا- الإشارة إلى ما وقع وشاهدوه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتصلبه في أمر التوحيد وتشدده في نفى الآلهة- لشيء عظيم يراد من جهته صلى الله عليه وسلم إمضاؤه وتنفيذه لا محالة مهما كانت الظروف.. وقيل المعنى: إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا، فلا حيلة معه إلا الصبر والمثابرة عليه.
ما سمعنا بهذا الذي يقوله في الملة التي عليها العرب أخيرا والنحلة التي رأيناهم عليها فمن أين بهذا؟ ما هو إلا اختلاق وكذب، وزور وبهتان.
كانت لمشركي مكة شبه ثلاث هي أوهى من بيت العنكبوت:
(ا) تعجبوا من كون الرسول واحدا منهم.
(ب) أنكروا أن تصريف هذا الكون يرجع إلى إله واحد.
(ج) أنكروا إنزال القرآن على محمد دونهم.
وقد تصدى القرآن للرد على الشبهة الثالثة بردود مفحمة، واكتفى بسرد الشبهة الأولى والثانية لأن إثبات أن القرآن نزل من عند الله على محمد هو الغاية والنهاية، وبه تزول كل شبهة.
أنزل عليه الذكر من بيننا؟ ولماذا اختص هو بذلك الشرف العالي والدرجة السامية درجة الرسالة عن رب العالمين، وهذه شبهة قديمة وسلاح شهرته الأمم في وجه الرسل فها هم أولاء قوم صالح يقولون: أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هو كذاب أشر؟! وقال المشركون من قريش: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم؟ أهم يقسمون رحمة ربك؟! وهذا هو الرد: بل هم في شك من ذكرى، هؤلاء الناس قد أعماهم التقليد، وأضلهم الجهل المطبق فلم ينظروا بالعقل المجرد عن الهوى إلى الدلائل الشاهدة على
صدق محمد وأن القرآن من عند الله فهم في شك وليس عندهم دليل، ولذلك تارة يقولون: إنه سحر، ومرة إنه شعر، وثالثة إنه كهانة.
بل- وهذا إضراب عما مضى- لما يذوقوا عذابي فإنهم لو ذاقوه ولمسوه لفكروا وتدبروا، وأدركوا أن محمدا على حق، ولا غرابة فمن الناس من لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم، ومن النفوس نفوس كالحجارة أو أشد قسوة لا تفتح إلا بالحديد الصلب والضرب الشديد. وفي التعبير بلما دليل على أنهم على وشك ذوقان العذاب. وما لهم ينكرون إنزال القرآن على النبي؟ ويرون أنه لا يستحق، بل أعندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب؟ حتى ينكروا ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم؟! نعم فهذه النبوة لا تكون إلا ممن عنده مفاتيح الخزائن كلها، وهو بخلقه رحيم ورحمن. وهو صاحب العزة والسلطان، كثير الخيرات والهبات، والله- سبحانه وتعالى عنده مفاتيح خزائن هذا الكون، وهو صاحب الرحمة والعزة وواهب الوجود لكل موجود، والعالم بخلقه الحكيم في صنعه. وقد منح النبوة لمن يستحقها، فلا يليق بكم أن تعترضوا هذا الاعتراض، أما أنتم فلا حول لكم ولا قوة. ولا تعلمون شيئا من ذلك، ليرتقوا في الأسباب، وليبلغوا ما أرادوا، وما هم ببالغيه هم جند هنالك مهزوم من الأحزاب، وسيهزم جمعهم ويولون الدبر بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ! [سورة القمر آية 46] .
ولا غرابة في ذلك فهذا قصص من سبقهم: كذبت قبلهم قوم نوح. وعاد. وقوم فرعون، وقد كانوا ذوى سلطان ثابت الأركان قوى الدعائم، وكذبت ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وقد أرسل إليهم شعيب فكذبوه فحقت عليهم جميعا كلمة ربك، وحاق بهم سوء العذاب.
أولئك المكذبون هم الأحزاب المتحزبون على الرسل، المهزومون، إن كل إلا كذب الرسل فحق عقابي، فأغرق قوم نوح، وأهلك فرعون وجنده في البحر: وقوم هود بالريح، وقوم صالح بالصيحة، وقوم لوط بالخسف، وأصحاب الأيكة بعذاب الظلة.
وما ينتظر المشركون من قريش إلا صيحة واحدة هي النفخة الثانية، وما لها من فواق أى: ما لها من توقف مقدار فواق، والمعنى أن الصيحة إذا جاء وقتها لم تستأخر لحظة واحدة، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، ولما سمعوا أن الله منع عذاب الاستئصال عنهم في الدنيا إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وجعل عذابهم في الآخرة قالوا: ربنا عجل لنا قطنا وحقنا في العذاب قبل يوم الحساب!