الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
مِثْقالَ ذَرَّةٍ: وزن ذرة ظَهِيرٍ: معين فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ: من التفزيع، وهو إزالة الفزع والخوف عن قلوبهم أَجْرَمْنا: أذنبنا، من الجرم وهو الذنب يَفْتَحُ: يحكم، والفتاح: الحاكم لأنه يفتح طريق الحق ويظهره كَلَّا:
كلمة ردع لهم كَافَّةً أى: مانعا لهم، من الكف وهو المنع، أو جامعا لهم، مأخوذة من الكف بمعنى الجمع، والتاء للمبالغة، والمراد: جامعا للناس في الإبلاغ.
وهذا رجوع إلى خطاب الكفار والمشركين الذي مضى أول السورة بعد ذكر طرف من قصة داود وسليمان، وما أنعم الله به عليهما، وذكر قصة قوم سبأ، وفي هذا من آيات القدرة ما فيه، ومن دلائل تفرد الله بالوحدانية ما هو غنى عن البيان.. وهو خطاب توبيخ وتأنيب لهم، وخاصة بعد ما تقدم!
المعنى:
قل يا محمد لهؤلاء المشركين الضالين سواء السبيل: ادعوا الذين عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة، وسميتموهم آلهة، وزعمتم أنهم يستحقون أن يكونوا شركاء لله الواحد القهار، ادعوهم في السراء والضراء كما تدعون الله، والجأوا إليهم في الشدائد كما تلجأون إلى الله، وانظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون من الله الإجابة والرحمة.
ولقد أجاب الحق- تبارك وتعالى عنهم بإجابة هي المتعينة وحدها- ولا يجيب منصف إلا بها- فقال ما معناه: إنهم لا يملكون شيئا أبدا، ولا يملكون وزن ذرة من خير أو شر في جميع جهات السموات والأرض، وما لهم في السموات كلها وفي الأرض جميعا من شركة في الخلق أو في الملك ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [سورة الكهف آية 51] .
قل لهم: لا تسألون يوم القيامة عن أعمالنا وذنوبنا، ونحن لا نسأل عما تعملون، قل
وليس لله منهم من ظهير ومعين، وكيف يكون غير ذلك؟! فبطل بهذا اتخاذهم الأصنام آلهة من دون الله حيث لا تملك نفعا ولا ضررا بل إن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب.
وكانوا يقولون: نحن نتخذهم شفعاء لله يوم القيامة.
فيرد الله عليهم أبلغ رد وأكده بقوله: ولا تنفع الشفاعة عنده يوم القيامة إلا لمن أذن له فيها، وهذا تكذيب بلا شك لقولهم:«هؤلاء شفعاؤنا عند الله» .
وهل الإذن في الشفاعة يكون من السهولة واليسر كما يظن؟ لا بل هناك موقف شديد، وأمره عسير، يحول بين الإنسان ولسانه بل يجعله في غمرة من الخوف والفزع رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ، لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً «1» .
كان الناس يتربصون ويتوقعون مدة من الزمن فزعين وخائفين حتى إذا فزع عن قلوبهم، وكشف عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يكلمها الرب جل شأنه- إذا حصل هذا- تباشروا بذلك وسرى عنهم وقالوا: قال القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن يشاء ويرضى، وهو الحق- تبارك وتعالى صاحب العلو والكبرياء ليس لملك ولا لنبي أن يتكلم في ذلك اليوم إلا بإذنه وأن يشفع إلا لمن ارتضى.
فانظروا يا آل مكة أين أنتم من هذا؟ وأين أصنامكم في هذا الوقت العصيب؟! عجبا لكم أيها المشركون! وأى عجب؟! تدعون من دون الله آلهة لا تنفع ولا تضر أى: قصدا، وإلا فإنها تضر قطعا، قل لهم يا رسول الله: من الذي يرزقكم من السموات والأرض؟! أمره بالإجابة عن هذا السؤال لأن هذه الإجابة هي المتعينة، ولأنهم لو أزيل عنهم كابوس الشرك، وغطاء العناد والكفر وخلّيت قلوبهم وحدها لقالوا: هو الله الرزاق ذو القوة المتين قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ؟ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ؟!. [سورة يونس آية 31] .
وانظر إلى أدب الخطاب، واستدراج الخصم لعله ينظر في حاله وحال من يجادله
(1) - سورة النبأ الآيتان 37، 38.