الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
موقف المؤمنين.. من آية 22 إلى آية 25.
4-
نهاية المعركة.. آية 25.
5-
نهاية اليهود الذين ظاهروا المشركين.. من آية 26 إلى آية 27.
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود لا قبل لكم بها، تجمعت لإبادتكم والقضاء عليكم، فأرسل الله عليهم ريحا قلعت خيامهم وأثارت خيولهم، وكفأت قدورهم، وأرسل عليهم جنودا من الملائكة لم تروها، وكان الله بما تعملون بصيرا وعلى كل شيء قديرا.
رأى اليهود أن القبائل العربية لا طاقة لها بحرب النبي وصحبه متفرقين، فأخذوا يجمعون الجموع ويعقدون الأحلاف، ويحزبون الأحزاب حتى ترمى العرب المشركون الإسلام عن قوس واحدة يضربونه ضربة رجل واحد، فيمحونه من الوجود ويستريحون، وكان حيي بن أخطب وغيره من قادة اليهود يقومون بهذا فألبوا قريشا وغطفان، وبنى مرة، وأشجع وغيرها، وخرجت تلك القبائل بقيادة أبى سفيان لقريش، وعيينة بن حصن لغطفان، والحارث بن عوف على بنى مرة، ومسعر على قبيلة أشجع.
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم تشاور هو وصحبه فيما يعملون، فأشار سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة مما يلي السهل، وقد اشترك المسلمون على رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق بهمة ونشاط، وإذا استعصت عليهم صخرة جاء النبي ففتتها بفأسه صلى الله عليه وسلم.
ولما فرغ الرسول وصحبه من حفر الخندق وأقبلت قريش ومن معها من قبائل كنانة وأهل تهامة من أسفل الوادي جهة الشرق، وأقبلت أسد وغطفان بمن معها من أهل نجد من أعلى الوادي جهة الغرب حتى نزلوا إلى أحد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع- جبل المدينة- في ثلاثة آلاف، وضربوا خيامهم، والخندق بينهم وبين المشركين.
وفي هذا الوقت العصيب أغرى حيي بن أخطب كعب بن أسد القرظي على نقض العهد الذي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وامتنع في أول الأمر ثم مال إلى النقض، ويا ليته لم ينقض، ولكنهم اليهود لا أمان لهم ولا عهد ولا ذمة، وأقام الأحزاب في مكانهم والمسلمون أمامهم مدة، ذاق فيها المسلمون الأمرين، مما رأوا من تجمع العرب، ونفاق اليهود ونقضهم العهد وإظهارهم ما كانوا يخفون حتى قال بعضهم: إن بيوتنا عورة فلننصرف فإنا نخاف عليها، ومنهم من قال: يعدنا محمد بفتح كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط.
أقاموا على هذا الحال قريبا من شهر، وليس بينهم حرب إلا الرمي بالنبال والحصى، ولقد اشتد على النبي ذلك المقام فبعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري ليفاوضهما على ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما ويخذلان قريشا ويرجعان بقومهما عنهم، ولكن الأنصار أبوا ذلك قائلين: والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فسر الرسول لذلك ووافقهم.
وفي هذا نزل قوله تعالى: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وهذا تصوير لحالة المسلمين تصويرا دقيقا.
وكره بعض فوارس مكة أن يقفوا معطلين فأخذوا يدورون حول الخندق يتحسسون نقطة ضعف، وقد وجدوا فضربوا خيلهم فاقتحمت الخندق، ورأى المسلمون في ذلك خطرا عليهم فأسرع على بن أبى طالب ومعه جماعة من الفرسان ليسدوا هذه الثغرة..
وكانت مبارزة بينه وبين عمرو بن عبد ود انتهت بقتله، فلما عرف صاحباه عكرمة بن أبى جهل وضرار بن الخطاب فرا وخرجت خيل المشركين من الخندق منهزمين هاربين.
وفي هذه الآونة الشديدة وقع ثقل المقاومة على المؤمنين الخلص الذين كانت قلوبهم عامرة بالإيمان ونفوسهم في سبيل الدفاع عن الحق أشد من الصخرة صلابة وقوة.
ولما وقف المؤمنون الموقف المشهود، ودافعوا دفاع الأبطال، وابتلاهم الله فوقفوا وصبروا وصابروا أراد ربك أن يصرف عنهم السوء، وأن يتم نعمته عليهم ويكفيهم شر القتال على أحسن صورة وأكمل وضع، فألقى في قلوب المشركين الخوف وأوقع فتنة بينهم، وقام نعيم بن مسعود- وكان مشركا فأسلم، وكان محبوبا من الطرفين- بدور
هام بين قريظة من اليهود، وبين المشركين حتى انصدع الشمل وتفرق الجمع. وأرسل الله ريحا سموما كفأت قدورهم، وقلعت خيامهم، وأصابهم منها قر ومطر شديدان عقد القوم عزمهم على الرحيل فرجعوا غير آسفين.
وهذا أبو سفيان يقول: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام قد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإنى مرتحل. وارتحل..
وطلع النهار وإذا المدينة خالية من معسكر الأحزاب وقد فك الحصار، ورجعت الطمأنينة إلى النفوس، ونجح المسلمون في الاختبار بعد أن زلزلوا زلزالا شديدا.
أما موقف اليهود من المسلمين فهذا ملخصه:
لما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم الوعد بكنوز كسرى وقيصر عند اشتداد المعركة قال طعمة بن أبيرق، ومعتب بن قشير وجماعة من اليهود والمنافقين: كيف يعدنا هذا، ولا يستطيع أحد منا أن يتبرز؟! وانظر إلى فظاعتهم حيث يقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا!! وفارقوا محمدا فإنه هالك، وإن أبا سفيان إن ظفر بكم لم يبق منكم أحدا فارجعوا إلى منازلكم، واهربوا من جند محمد، وما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبى سفيان ومن معه؟! وفي رواية أن الذي قال هذا هم اليهود، قالوه لزعيم المنافقين عبد الله بن أبىّ بن سلول.
ومنهم من استأذن من النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: إن بيوتنا عرضة للهجوم عليها وسرقة ما فيها، وفي الواقع ليست بيوتهم عورة وإنما هم كاذبون، وما يريدون إلا فرارا من القتال، وهربا من الميدان.
ولو انتهكت حرمة المدينة من جوانبها ثم طلب إليهم الفتنة والقيام بطعن المسلمين من الخلف لفعلوا كل هذا، وما انتظروا إلا قليلا لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [سورة التوبة آية 47] .
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل أنهم لا يولون الأدبار، ولا يفرون من القتال وأنهم سيقاتلون مع النبي بإخلاص وعاهدوا الله على ذلك، ولكنهم لا عهد لهم ولا ذمة، وكان عهد الله مسئولا..
قل لهم يا محمد: لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت وكيف تفرون؟ ولو كنتم في بروج مشيدة لأدرككم الموت ولحقكم، فإن لكل أجل كتابا فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة الأعراف آية 34] .
وإذا فررتم وكان في العمر بقية لا تمتعون إلا متاعا قليلا زمنه، إذ الدنيا لم تخلق زهرتها للجبناء.
قل لهم: كيف تفرون من حكم الله إلى حكم الله؟ ومن ذا الذي يعصمكم منه إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة من خير ونصر وعافية؟ وهم لا يجدون لهم من دون الله نصيرا ينصرهم ولا وليا يلي أمورهم ويشفع لهم.
روى أن عبد الله بن أبىّ وأصحابه من المنافقين قالوا لإخوانهم من المسلمين: ما محمد وأصحابه إلا قلة وهو هالك ومن معه، فهلموا وفارقوا محمدا، وقيل: إن القائل هم اليهود قالوا لإخوانهم من المنافقين: تعالوا إلينا وفارقوا محمدا فإنه هالك وإن أبا سفيان إن ظفر بكم لم يبق منكم أحدا فنزل قوله تعالى: قد يعلم الله المعوقين- المثبطين-
منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا، وهم قوم جبناء لا يأتون البأس- القتال- إلا قليلا خوفا من الموت، ولا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة، وهم قوم بخلاء عليكم أشحاء بالمعونة عند الشدائد لا ينفعون، وعند الغنائم يحضرون ويطالبون، فإذا جاء الخوف واشتد لهيب المعركة وحمى وطيسها، رأيتهم- ويا لهول ما ترى- ينظرون يمينا وشمالا تدور أعينهم يمنة ويسرة لذهاب عقولهم حذرا من القتل، وهكذا الجبال الرعديد، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد وبسطوا إليكم ألسنتهم بالسوء، وآذوكم بالكلام الشديد. فهم عن الخير ممسكون وفي الشر مجدون أولئك لم يؤمنوا بقلوبهم فأحبط الله أعمالهم حيث لم يقصدوا بها وجهه، وكان نفاقهم وعملهم على الله هينا، ألا قاتلهم الله أنى يؤفكون! وهؤلاء المنافقون لشدة جبنهم وسوء رأيهم يظنون أن الأحزاب لم ينصرفوا، وهذا شأن الجبان لفرط خوفه إذا رأى شيئا ظنه رجلا، ولفساد اعتقادهم وسوء طويتهم يودون أن تأتى الأحزاب، وهم مع الأعراب المتحزبين حذرا من القتل وتربصا بالنبي الدوائر سائلين عن أنبائكم أيها المسلمون، وهم ليسوا في قليل ولا كثير، ولو كانوا فيكم وفي جيشكم ما قاتلوا إلا قليلا.
ولقد كان لكم- أيها المتخلفون عن القتال- أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم فكان