الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات:
ذَا الْأَيْدِ: صاحب القوة والجلد أَوَّابٌ: كثير التوبة والرجوع إلى الله بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ أى: في وقت صلاة العشاء وصلاة الضحى مَحْشُورَةً:
مجموعة وَشَدَدْنا مُلْكَهُ: قويناه حتى ثبت الْحِكْمَةَ يمكن تفسيرها هنا بالنبوة والعلم بكتاب الله، أو العدل في الأحكام وَفَصْلَ الْخِطابِ: البيان الفاصل بين الحق والباطل الْخَصْمِ المتخاصمين تَسَوَّرُوا: أتوا من أعلى السور، يقال:
تسور الحائط: تسلقه الْمِحْرابَ قيل: هو الغرفة لأنهم تسوروا عليه فيها. أو صدر المجلس ومنه: محراب المسجد فَفَزِعَ مِنْهُمْ: خاف منهم وَلا تُشْطِطْ:
ولا تجر ولا تمل أَكْفِلْنِيها أى: انزل لي عنها حتى أكفلها، والمراد: أعطنيها وَعَزَّنِي: غلبني الْخُلَطاءِ: جمع خليط وهم الشركاء فَتَنَّاهُ ابتليناه لَزُلْفى لقربة إلى الله بعد المغفرة وَحُسْنَ مَآبٍ: وحسن رجوع إلى الله.
بعد ما ذكر أحوال المشركين وعنادهم وأذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر النبي بالصبر على ما يقولون وأن يذكر إخوانه الأنبياء الذين لا قوا ما لاقوا وصبروا محتسبين أجرهم عند الله مقدما في الذكر داود- عليه السلام وهنا قصته، وقد ذكر فيها عناصر ثلاثة (ا) ما آتى الله داود من فضل (ب) الحادثة التي وقعت له (ج) مسألة استخلافه في الأرض.
المعنى:
اصبر على ما يقوله هؤلاء المشركون، واذكر عبدنا داود إنه أواب، وفي وصفه بالعبودية الدالة على حسن امتثاله لربه تشريف له وتكريم، ألا ترى إلى قوله تعالى:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ
…
[سورة الإسراء آية 1] .
وقد ذكر لداود هنا عشر صفات، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بداود فيها: الصبر، وأن الله وصفه بالعبودية، وأنه صاحب الأيد والقوة في العبادة، وأنه أواب كثير التوبة والرجوع إلى الله، وأن الله سخر له الجبال حالة كونها تسبح معه «1» وتردد تسبيحه
(1) يسبحن: حال من الجبال، والطير: معطوفة عليه، ومحشورة حال من الطير، وجاء (يسبحن) فعلا للدلالة على التجدد والحدوث، ومحشورة: اسم مفعول للدلالة على الدوام وعدم التجدد لأنه أبلغ.
حتى يسمعها الله بالعشي والإشراق، أى: في صلاة العشاء وصلاة الضحى، وأنه سخر الطير معه محشورة كل له أواب، وشددنا ملكه، أى: أقويناه بالقوى المادية والأدبية، وآتيناه الحكمة ووهبناه النبوة، وأرشدناه إلى فصل الخطاب وإصابة الغرض والعدل في الأحكام وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ..؟ ولما مدح الله داود وذكر له صفات عشرا كلها ثناء عليه أتبع ذلك بذكر حادثة له. وبدأها باستفهام للتنبيه على القصد وسمو الغرض ولفتا للنظر، ألا ترى إلى قوله:«نبأ» والنبأ: هو الخبر المهم، وهذه القصة كانت مثار نقاش كثير من قديم الزمن، وخب فيها وأوضع القصاص ونقلة الأخبار، وقد ساعدهم على ذلك أن في التوراة والإنجيل ما يثبت لبعض الأنبياء- كداود- ما يترفع عنه عامة الناس، فكيف الحال مع الأنبياء والمرسلين؟
ونحن- المسلمين- نقول بعصمة الأنبياء، أى: ترفعهم عن الدنايا وبعدهم عن سفساف الأمور، فإنا نرى أن زعماء الإصلاح قوم غير عاديين يكونون غالبا بعيدين عن الدنايا والأنبياء- عليهم السلام أولى بذلك منهم، وهم قوم اصطفاهم الله واختارهم، وصنعهم على يده فأرواحهم طاهرة، ونفوسهم عالية، يستحيل عليهم ما قاله الإسرائيليون في حقهم ونقله بعض علماء المسلمين ودونوه في كتبهم، وإن كنا رأينا كثيرا من العلماء نفى مثل هذه الأقوال بشدة كالفخر والبيضاوي وغيرهم.
ونحن نسوق القصة على أساس أن داود نبي الله وهو معصوم من الزنا والقتل والدس والوقيعة، فإن ذلك غير مقبول بحال من الأحوال، وسياق القصة يثبت ذلك فالقرآن قد ذكر لداود صفات كلها مدح وثناء فإنه تواب أواب وله زلفى ومكانة عند ربه، وصاحب قوة وفضل في عمله ثم ذكر القصة وأردفها بذكر مدائح له وهذا كله يتنافى مع وصفه بالفعل المنكر والعمل القبيح.
بعض الناس أثبت لداود أنه فعل الكبيرة كالزنا والقتل، وبعضهم أثبت له بعض الصغائر التي لا تليق.
وفي الواقع تتلخص الحادثة: أن داود كان ملكا له سلطان، وله أتباع وخدم، وله مصالح مادية مع الناس، وهذا كله يوجد له أعداء. واتفق أن جماعة من الأعداء طمعوا في أن ينالوا من نبي الله داود، وكان له يوم يخلو فيه للعبادة، وانتهزوا الفرصة وتسوروا عليه المحراب، فلما دخلوا عليه ووجدوا عنده ما يمنعهم من ذلك، اختلقوا كذبا وزورا
سببا لدخولهم فقالوا: نحن خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق، ولا تجر، واهدنا إلى سواء السبيل، ويجوز أن يكونا متخاصمين حقيقة، ولما دخلوا على داود بلا إذن، وتوجس منهم خيفة وظن بهم الظنون، وهم بذلك أن يصيبهم بسوء كانت هذه الواقعة فتنة وابتلاء لداود، ثم إنه استغفر ربه مما هم به من الانتقام، وتاب عما دار بخلده من ظن، وخر راكعا فتاب الله عليه وغفر له.
أما قصتهما كما أخبر فهي: إن هذا أخى، أى: في الدين والإنسانية له تسع وتسعون نعجة- هي الواحدة من الغنم أو بقر الوحش- ولى نعجة واحدة، فقال صاحب الغنم الكثيرة أعطنى نعجتك أكفلها لك وأضمها لغنمي وغلبه في المخاصمة والمجادلة.
قال داود متسرعا قبل أن يسمع جواب الخصم الثاني- ولعل هذا هو الذنب الذي ألم به داود-: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرا من الخلطاء والشركاء ليبغى بعضهم على بعض حبا في الدنيا، وشحا في النفوس إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلا يبغى بعضهم على بعض وقليل ما هم.
وظن داود أنما فتناه بهذه الحادثة فاستغفر ربه مما ألم به وتاب، وخر راكعا وصلى لله قائما وساجدا وأناب، فغفر له ربه ذنبه- لا تنس أن حسنات الأبرار سيئات المقربين- وإن لداود عند ربه لقربى ومنزلة كريمة، وحسن مآب، أليس وصف داود بعد القصة بأن له زلفى وحسن مآب يدل على أنه عبد صالح أواب يستحيل عليه الإلمام بمعصية تغضب الله.
أما خلافته في الأرض فيقول الله عنها: يا داود إنا جعلناك خليفة لله في أرضه، خليفة لله على عباده تقيم حكمه، وتدعو إلى شرعه. وتثبت دعائم عدله وتقضى بين الناس، فاحكم يا داود بينهم بالحق. ولا يحملنك شنآن قوم على عدم العدل فأنت خليفة أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، يا داود لا تتبع الهوى فإن من اتبع هواه ضل، ومن انحرف عن الصراط وقع في الهاوية، لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وهو الصراط المستقيم.
إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ وهذا تعليل لما قبله، إن الذين يضلون عن سبيله لهم عذاب شديد وقعه بسبب أنهم نسوا يوم الحساب، ولم يعملوا لذلك اليوم، أولئك الذين نسوا الله فأنساهم العمل لخيرهم فكان جزاؤهم النار وبئس القرار.